الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفصامية والديمقراطية حالة إمباتية ساحرة الجزء الثامن

عزة رجب
شاعرة وقاصّة ورائية

(Azza Ragab Samhod)

2015 / 4 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الفصامية والديمقراطية حالة إمباتية ساحرة ــ (الجزء الثامن)
المواطن العربي الذي ينشد الديمقراطية ينسى أن أول الأخطاء التي يقع فيها هي كيف يطلب فكرة أوروبية في ظل أنظمة عربية مارست فكر الإقطاع على مواطنيها، وكيف ينشد ديمقراطية حديثة في ظل وجود الدين الذي يشرع له حريته وفق قوانين سماوية منظمة وكيف ينتخب أحزابا وتيارات سياسية في ظل أفكار وبندقية تحملها ضده، وكيف يختار رئيسا لحزب والرئيس نفسه لا يفهم أنه يترأس لفترة محدودة ولا يجوز له أن يحكم للأبد، إنه مواطن يختار أن ينتــحر بطريقة معقدة جداً!!
لقد لاحظنا أن مفهوم الديمقراطية زاد اتساعاً وأصبح ذا معنى فضفاض في ظل تطور الأنظمة الحزبية التي نشأت في أحضانها وحقيقة هذا موضوع كبير ولكني سأظل أتفحص خصوصيات الديمقراطية حتى أًصل لتعرية الشكل من مضمونه وأربطه بجوهر معناه الحقيقي لا الإمباتي والذي جراء تقمصه حالات كبيرة أعتبرها من (الوعي الزائف) أو عدم القدرة على التشخيص جعل الديمقراطية أشبه بالحلم الذي لا يمكن تحقيقه في ظل ما يأتي: لماذا نحتاج لأحزاب سياسية كي نعبر عن حريتنا الديمقراطية، فهل الديمقراطية لابد لها من أحزاب سياسية حتى تصبح ذات فكرة مثالية؟
أنا لا يهمني ما كتبه الكُتَاب العرب عن مدى صلاحية فكرة الديمقراطية في دولنا العربية دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الاطلاع على المحيط البيئي والفكري الذي يحيط بالدولة العربية، ودون أن يزيلوا القشور التي تغطي الفكرة في أًصلها، ودون أن يعيروا اهتمامهم للفكرية الاقطاعية التي ربت عليها شعوبنا العربية وكبرت عليها، فهذا لا يمكن تجاهله وإذا فكرنا في ديمقراطية حقيقية غير واهمة يجب أن تكون متوافقة وذات وعي حقيقي لا زائف وخرافي بحيث تتوافق مع مفهوم حريتنا وشريعة ديننا ودون تطعيمها بالنقل والنسخ واللصق الأوروبي.
إنّ ظهور فكرة الإسلام الليبرالي الذي يعد بإسلام مفتوح النوافذ على الحضارة الأوروبية هي فكرة تزاوج بين الشريعة الإسلامية وبين الحرية الفردية الأوروبية في ظل الليبرالية، فالإسلام كفل للفرد حريته في ظل قيود تشريعية حتى لا يتحول المجتمع العربي إلى مجتمع (أوروبي) بحجة الحرية التي تنادي بها الليبرالية، ولو كفلت الليبرالية للمسلم حريه المعتقد لوجدنا المسلم ينسلخ من قيم إسلامه شيئا فشيئا ويتجه نحو ليبرالية أوروبية بحجة مسمى الإسلام الليبرالي وهذا لسبب وجيه وهو أن الليبرالية أصلاً نشأت كحرية اختيارية تنادي بحق الفرد باختياراته وتوجهاته وممارساته ضد مؤسسة الدين والكنيسة في ظل ما يراه مناسبا له وشخصيا أعتبره نوعاً من الضحك على عقل العربي، لأن الإسلام حرر المسلم أصلاً من نظم العبودية والجاهلية الأولى والليبرالية تقول للمسلم أنت مسلم ولكن دعنا من قرآنك ومن تلاوة أحكامه وأوامره.
إنَّ فكرة الأحزاب في أصلها هي في أساسها سرقة التشريع من الدين ومنحه في صكوك جاهزة للحزب والتيار السياسي فهي ببساطة بيع الدين التشريعي للدين السياسي وإلباسه ثوب الرقص رغم وجود البرقع على وجهه، هذه فصامية نحن من وضع الإسلام فيها بسبب:
♦-;- أن الأحزاب تحمل توجهات سياسية تمثل وجهات نظر جماعية أو حتى فردية لأشخاص ومجموعات بعينها وهؤلاء سواء كانوا مسلمين المنشأ أم لا فهم يعملون بفكر النسخ واللصق التي جلبوها من العالم الغربي دون أن يهتموا بالتفاصيل العربية الدقيقة في خصوصيتها.
♦-;- أنَّ فكرة عدم الإقبال العربي على الانضمام للأحزاب نابعة من كونها تستخدم الدين في توجهاتها بحيث يمكنها أن تُدوره وفق توجهاتها وتجعله طوع دساتيرها وعلاقاتها بل وأكتشف العربي أن الأحزاب فعلت الكثير باسم الدين وباسم التشريع فقد أباحت حتى قتل المواطن بحجة التغيير وبحجة فرض الشرعية الحزبية.

♦-;- أنَّ الحزب بمعنى آخر هو استبدال الدين بشريعة سياسية فالمواطن الذي ينتمي للحزب السياسي يُقر أنه يؤمن بمبادئ ودستور الحزب و أنه يسخر نفسه لخدمة هذا الحزب، وهو بمعنى فعلي يتبنى مجموعة من الأفكار المُدلسة بثوب الدين ويحاول تطبيقها فهو بهذا يسخر روحه لخدمة الحزب ويدافع عن توجهاته بل ويحاول إقناع الكثيرين بالدخول لحزبه.
نحن هنا إذاً نحول الإسلام إلى كنيسة تخدم أفكار طائفة حزبية نشأت في أصلها للتخلص من السيطرة الدينية في أوروبا ونحن إذ نثير هذه الفكرة لا نريد أن نبالغ في تفسير وجهة النظر الحزبية ولكن لنعري وواقعنا ونخلخل المكونات الدخيلة على مجتمعاتنا وننزع عنها غطاء الشرعية لنرى ما تحته وما تخبئه لنا من محتوى سليم او خاطئ لممارسة وعي حقيقي أم زائف.
والسؤال المنطقي يقول:
لماذا لم تنظم كل الشعوب العربية لفكرة الأحزاب؟
وهل يمكن أن تمثل ألوفات حزبية المجتمعات العربية برمتها وفكرها وعقلها؟
والسؤال الآخر يقول:
ماذا قدمت الأحزاب للمواطن العربي؟ هل حلت المشاكل المتفاقمة من البطالة ؟ وهل قامت بتحسين مستوى معيشة الأفراد؟ وهل ارتقت بمستوى الشعوب العربية؟ وهل أسست لديمقراطية جديدة نادتْ بها دول غرب أوروبا؟ ألم تكن أحد أسباب نشوء ظاهرة الإسلام السياسي؟؟؟
الواقع أن الأحزاب وسيلة للحكم و إنشاء صراع سياسي على الدولة ومواطنيها، وهي بمعنى آخر تصدر المشهد السياسي وقد يصل الأمر لتخريبه على مستوى بقاء الدولة من عدمه ـ فما يحدث في الدول العربية خير دليل على تاريخ الأحزاب السياسية التي مارست طوال بقائها سياسة حكم المواطن العربي وتهميشه وتسييره وفق أيدولوجياتها وأجندتها السياسية وقد حاربت طوال مدة بقائها ضد الشعوب العربية نفسها ولازالت إلى هذا اليوم تحارب من أجل ضمان استمرارها وبقائها ونحن نُشير لمخلفات حروب التغيير والصراعات الحزبية في هذه الآونة لنقول أنها نسخة أخرى ومُحدثة عن فكر ممارسة نظام الإقطاع ضد الشعوب العربية، فنحن مهما حاولنا تطوير مفهوم الديمقراطية في داخل المجتمعات العربية سنلاحظ أنها:

♦-;- لا تستوعب معنى أن الرئيس الذي يدير الحزب يترأسه لفترة ثم يُفسح المجال لحزب آخر كي يجدد بعده بل أنها تتعامل على أنه يجب أن يحكم للأبد وهذه مغالطة عربية كبيرة في ظل الادعاء بأنها ديمقراطية.
♦-;- لم تنجح في الخروج من فكر قيادة الأشخاص كأفراد أو كيانات للمجتمعات حيث يتم فرض قوة تلك الجماعة أو ذلك الحزب على الدولة ككل ويتجه بالتالي لسدة الحكم ويقوم بتجديد بقائه و إذا تم له أن يستمر فيمكنه أن يحارب حتى شعبه الذي خرج مطالبا بتغييره، فيتحول الشعب إلى عدو من الداخل ويتحول الحزب الذي يحكم الشعب إلى عدو خارجي بأذرع متعددة، فهو من ناحية الشعب خارج شرعية الدولة لأن الشعب يرغب في إسقاطه وهو من ناحية أخرى مدعوم بأجندة خارجية، والأجندة الخارجية تحيل الدولة لساحة حرب حزبية من نوع آخر، فكل دولة تدعم ذلك الحزب تتحول إلى توجهات و أيدولوجيات ومذاهب تحاول فرض نفسها من جديد على الدولة وبالتالي تضيع الدولة بين الصراع السياسي المحلي والصراع الدولي.

إن النظام الإسلامي الذي نشأ منذ بداياته على وجود قيادة باسم (الخليفة) ولكن ذلك الخليفة كان يعمل بفكر الإدارة الجماعية في سعي لتطبيق قوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) وكان يمكن للخليفة أن يخطئ في ظل توجيه جماعي له حتى يتبين له توجه جماعته الذين يعبرون عن توجه المجتمع ككل، وبالتالي فإن فكرة الإدارة (الشمولية) ليست مرفوضة تماما من قبل المجتمعات الإسلامية وهي مع سقوط أنظمة الأحزاب (الجمهوريات) في فترة الربيع العربي أثبتت قدرتها على الصمود مُتجسدة في الملكيات التي تدير الدولة بعقلية الجماعية مع الإشارة إلى أهمية حاجتها لكثير من التحسينات فنحن نتحفظ على سياساتها التوجيهية والكيدية، لأن بعض الملكيات تتخذ من الليبرالية والعلمانية ثوبا فوق مسمى إسلامها وبالتالي فهنالك شوائب تحيط بالملكيات أيضاً.
إنَّ فكرة إدارة الشعوب أو الدولة بفكر الإقطاع هي خاطئة ويمكن تحسينه بإيجاد بدائل بحيث تضمن تطويرالدولة بما يليق بها ككيان مُبدع يبدأ من السلوك وينتهي بممارسة حرية فردية مكفولة بالرقابة الدينية بحيث لا يجعل المجتمع مجرد حظيرة لممارسة الفوضى داخلها.
إنَّ الحرية التي يهبها لنا الإسلام لا تعني الدكتاتورية ولا تحتاج لأحزاب كي تعبر عنها، بل تعني احترام إنسانيتنا، ووجود غيرنا في ذات الكيان الذي يسمى دولة، إنها تحفظ المسافات والحدود بين أفراد الدولة، وهي لا تمنع الإبداع ولا تحد من حرية الفكر ولا تقول بأنه لا يجوز التعبير عن مشاعر الظلم للهرم السلطوي، ولا تجعل المواطن مجرد جزء من القطيع أينما يشاء الحاكم أن يضعه فعليه أن يكون، لم تكن الدولة الإسلامية تكبر بهذا الشكل، بل كانت تفتح العقول حين تعبر الحدود، وكانت تُنير ظلمات أوروبا بما تحمله من معاني سامية وحضارة علمية وأدبية واجتماعية، ولم تكن مرتعاً للتجهيل الفكري بل أنها مارست في أوجها قمة الوعي الحقيقي بدورها وجعلت منها الحضارة المثالية التي جسدت فكر الإدارة الجماعية دون أن تشعر أفرادها أنهم ضائعين تحت مظلتها ودون أن تمارس التعدد في أدوات الحكم، ودون أن تسبب في وجود أفكار سياسية أو أيدولوجيات خارجة عنها كتعدد المذاهب والأحزاب في داخلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -السيد رئيسي قال أنه في حال استمرار الإبادة في غزة فإن على ا


.. 251-Al-Baqarah




.. 252-Al-Baqarah


.. 253-Al-Baqarah




.. 254-Al-Baqarah