الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شخصية استثنائيَّة.. شعب وقضيَّة

فهمي الكتوت

2015 / 4 / 12
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


بينما تغرق المنطقة العربية في مُستنقع الطائفية والإقليمية والمذهبية، وبينما تواصل الاتجاهات الظلامية والتكفيرية جزَّ الرؤوس "وبيع السبايا في سوق النخاسة" في القرن الحادي والعشرين، يستحضرُ وداع شخصية وطنية تقدمية أممية في وجدان الأردنيين، نموذجا آخر غير النموذج الفاشي الذي يشهده الوطن العربي في هذه الأيام المؤلمة. جموع غفيرة من المواطنين من مُختلف أنحاء الأردن - من الأرياف والمخيمات من المدن والبوادي- شاركت في وداع د. يعقوب زيادين ابن الأردن البار ونائب القدس. لمن لا يعرف زيادين في الوطن العربي؛ نقول إنَّه ابن فلاح أردني من قرية كركية تقع في جنوب الأردن اسمها السماكية، التحق في صفوف الحركة الوطنية الأردنية، منذ العام 1943 أثناء دراسته في دمشق، وقبل انتقاله إلى بيروت لدراسة الطب. عُرف زيادين بطبيب الفقراء والكادحين، انتُخب عام 1956 نائبا عن منطقة القدس في انتخابات حرة ونزيهة، باستثناء ما جرى في عمَّان من تزوير لإسقاط سليمان النابلسي رئيس الحزب الوطني الاشتراكي، ود.عبد الرحمن شقير رئيس الجبهة الوطنية في تلك المرحلة واعتقاله.
أوصل المقدسيون بن الكرك إلى قبة البرلمان، كما أوصل الأردنيون والفلسطينيون في الضفتين أغلبية نيابية وطنية، مهَّدت الطريق أمام تشكيل أول حكومة حزبية نيابية، حكومة وحدة وطنية في 29 أكتوبر عام 1956، برئاسة الشخصية الوطنية سليمان النابلسي.. اعتبر زيادين انتخاب المقدسيين له وسام شرف كان يعتز به دائما، كان فخورا بتمتعه في ثقة المقدسيين، سجَّل هذا النجاح له كما سجَّل للمقدسيين عامة، لم يختاروه لخلفية عشائرية أو جهوية، كما يجري اليوم في انتخابات نيابية أو بلدية، أحبوه لشخصه، لما يتمتع به من صفات ومزايا وطنية وقيادية، ممزوجة بتواضعه وأفكاره الإنسانية. أسر قلوب المقدسيين بإنسانيته واهتمامه بالفقراء والكادحين ودفاعه عن اللاجئين الفلسطينيين، وحقهم في العودة إلى ديارهم. لم يفوِّت فرصة في التعبير عن حبه وانتمائه للوطن ودفاعه المستميت عن الشعب الفلسطيني، ورفضه المطلق لاتفاقية وادي عربه. فاز ابن الكرك عن دائرة القدس الانتخابية حين كان يعمل طبيبا في أحد مستشفياتها "مستشفى المطلع".
حدث هذا قبل تلوث العقل البشري، وقبل أن تعشش العصبيات القبلية والإقليمية والجهوية والمذهبية في العقول، حدث حين كان الصراع الرئيسي بين الأمة العربية والإمبريالية والصهيونية، وقبل ضياع البوصلة، قبل دستور بريمر في العراق الذي قسَّم المجتمع إلى طوائف وكيانات عرقية ومذهبية، وقبل قانون الصوت الواحد في الأردن الذي أجَّج العصبيات القبلية وفتت النسيج الاجتماعي. وقبل تداول مفردات غريبة على ثقافتنا الوطنية والقومية والإنسانية، وقبل أن نسمع بدولة شيعية وسنية وعلوية. وقبل عصر الفوضى الخلاقة التي ابتكرتها كونداليزا رايس، وقبل الدخول بأحلاف عسكرية مع الإمبريالية الأمريكية. حدث هذا أيام تأميم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قناة السويس، وفي عصر الأسطورة الشهيد البطل جول جمال الذي تصدَّى للمدمرة الفرنسية جان بارت العملاقة على الشواطئ المصرية أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وأصابها بالشلل التام قبل استشهاده. حدث هذا حين تصدت الشعوب العربية الى حلف بغداد والحلف الإسلامي.
وعلى الرغم من أن حكومة النابلسي التي تشكَّلت بدعم من زيادين وحزبه والجبهة الوطنية، لم تعمر طويلا، إلا أنَّها حققت إنجازا تاريخيا وهو "إلغاء المعاهدة البريطانية" في مارس عام 1957، ونجحتْ بدعم عربي مكنها من التخلي عن المساعدات البريطانية، بتوقيع اتفاقية عربية تضمنت الحصول على مساعدات قيمتها 12.5 مليون دينار سنويًّا، عوضا عن الدعم البريطاني. وبعد ست أسابيع من إلغاء المعاهدة البريطانية، أعلنت الأحكام العرفية، بعد الإطاحة بحكومة النابلسي وحل مجلس النواب واعتقال آلاف الأردنيين، توارى زيادين عن الأنظار مختفيا في إحدى قرى رام الله، قبل تعرف الأجهزة الأمنية على مكانه واعتقاله، مع مئات من رفاقه وأصدقائه في سجن الجفر الصحراوي، أمضوا ثماني سنوات مُتصلة، في حين وضع رئيس الحكومة المقالة سليمان النابلسي تحت الإقامة الجبرية. واصل زيادين نضاله بقيادة الشيوعيين الأردنيين نحو اردن وطني ديمقراطي، انتخب عام 1987 امينا عاما للحزب الشيوعي الأردني.
أما حكايتي مع سنديانة الأردن؛ فهي قصة وطن وقضية، لا أذكر متى وكيف تم اللقاء الأول مع د. زيادين، ما أذكره أنَّني كنتُ في مهمة وطنية خارج البلاد وبعد عودتي عام 1969 تعوَّدت على لقائه في عيادته في شارع طلال، وأصبحنا على اتصال دائم جمعتنا الأفكار والمبادئ، جمعنا حب الوطن والدفاع عن الفقراء والكادحين، كنت أشعر دوما بدفء اللقاءات، والاحترام المتبادل، كنت أعلم أنه يُكنُّ لي كل المحبة والتقدير، ويعبر عن ذلك أمام أصدقائي.
وعلى الرغم من الصورة القاتمة للمشهد العربي، إلا أنني أردد مع ناظم حكمت: "أجمل الأيام التي لم تأتِ بعد"، وأنني على ثقة بأنَّ أمة أنجبت زيادين وجول جمال وعبدالقادر الحسيني...وغيرهم من الشهداء والأبطال الذين سطَّروا أروع صفحات المجد والبطولة، ستنتصر على الذل والاستعباد والطغيان. المجد لك يا سنديانة الأردن وزيتونة فلسطين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم