الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلاّب الأموات العراقي

محمد لفته محل

2015 / 4 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تحدثت الأدبيات السابقة عن سارق الأكفان كأسوأ فعل يقوم به الإنسان ينتهك فيه حرمة الأموات حتى أصبح مثلا يُضرب به، فإذا بالسنين تمر وتكشف لنا من هو أسوأ كثيرا من سارق الأكفان حتى غدا الأخير ملاكا بالنسبة للسارق الجديد وكما يقال شعبيا (ليشوف الموت، يرضى بالصخونه) السلاب الجديد ياسادتي هو سارق عراقي حصرا ظهر بعد الاحتلال الأمريكي للعراق مع ظهور التفجيرات الإجرامية ضد المدنيين هو لا يتخفى ليلا، بل يتحرك نهارا ولا يهرب من عيون الناس ولا داعي لارتداء اللثام وحمل السلاح، بل يستغل لحظة الانفجار عندما يهرع الناس لانتشال الجثث والجرحى من بين النار والركام فيهرع معهم بحجة إنقاذ الضحايا، فإذا به يفتش في جيوب الضحايا أموات أو جرحى (إذا كان مغمى عليهم) يسلب هواتفهم وأموالهم وينزع من أصابعهم الخواتم ومن أيديهم الساعات إذا كانت ثمينة، ثم ينسحب خلسة بعد نقل ضحية أو ضحيتين إلى حيث يأخذهم الناس ويختفي! والفارق بين السارقين إن الأول يمتهن سرقة أشياء تخص الأموات، بينما الثاني يسرق أشياء تخص الأموات حين كانوا أحياء وهو لايمتهن السرقة بل الموقف والصدفة هي من تتيح له التسليب، هذه الحوادث باتت ظاهرة تتحدث عنها الناس، فيا ترى كم وصل هذا الشخص إلى هذه الدرجة من الخسة والنذالة والاستغلال ما لم يصل إليه سارق الأكفان حتى بلغ هذه المرحلة من انعدام الضمير؟ هذا ما يقوله اغلب الناس في إدانتهم للحالة، وأنا ككاتب لا أتوقف عند حدود الإدانة بل معرفة الأسباب النفسية، إذ أن السلاب إنسان سوي وله ضمير مثل الآخرين وليس لصا محترفا ولا بد أن له مبررات خاصة به استطاع فيها أن يتغلب على ضميره كي يُسكته أو يُقنعه حتى لا يشعر بالذنب ولا يستقبح فعله، وأنا لم أجد كلمة أخرى غير كلمة سلاب التي أراها غير ملائمة له لكنها أفضل من كلمة لص، لان التسليب هو الذي يختص بسرقة الجيوب فهو اقل من اللص الذي يسطو على البيوت ويمتهن السرقة، بينما صاحبنا لا يسلب إلا الأموات في الانفجارات، فاللص يخطط الهدف قبل سرقته بدقة قبل أيام ويدرس مسرح الهدف، ولا يعقل أن ينتظر كي تنفجر سيارة يجهل مكان وزمان انفجارها، أو يجوب الشوارع انتظارا لسماع انفجار ليذهب إليه بالسيارة حيث بعد فترة قصيرة ستطوق الشرطة والمكان وتمنع الدخول لساحة الجريمة، إذن سلاب الأموات هو شخص ينتظر الصدفة التي تفجر السيارة قرب مكانه، فهو لا يذهب لمكان السرقة بل أن المكان هو من يأتي إليه بالصدفة، وعليه فهو قد يكون كاسب أو موظف أو مستطرق بالصدفة حدث الانفجار بقربه عندها يقوم بتنفيذ جريمته، وهذا السلاب يخاطر بحياته أيضا إذ قد يحدث انفجار آخر كما يحدث دائما يؤدي إلى قتله ويكون هو ضحية سارق ثاني، أي أنها عملية قذرة وخطرة بنفس الوقت مع ذلك فان سلاب الأموات لا يتردد عن ارتكاب جريمته، وقد تقوم نساء بارتكاب هذه الجريمة بادعاء أن الضحية ابنتها فتقوم بنزع الذهب من أيديها ورقبتها وأذنيها ثم تغادر وهذه حادثة يرويها الناس، وقيل إن بعض عناصر الأمن يقومون بتسليب الأموات استغلالا لبقائهم وحدهم بالحدث بعد تطويق المكان ومنع أي دخول له؟ وهذا دليل إن سلاب حاجات الأموات هو ليس لصا محترف بل إنسان عادي. وللأسف لم يتسنى لي الحديث مع هؤلاء السلابه لكونت صورة نفسية مبدئية عن الموضوع ولا مجال لي سوى التقمص لمحاولة معرفة مبرراته، فيا ترى ما هي المبررات التي يسوقها كي يقنع ضميره؟ هل سيقول أن غيره سيسرقها إذا هو لم يسرقها؟ هل يعتقد إن الممتلكات ستضيع أو تسقط أثناء نقل الضحايا للمستشفى وانه من الأولى أخذها بدل من تركها تضيع؟ إن الانفجار ومشاهد الموت تثير في الناس الشفقة والحزن والمروءة بل إنها تثير المشاعر الدينية بتذكيرهم بالموت واعتبار الضحايا شهداء، فلماذا لم تؤثر كل هذه المشاهد على مشاعر السلاب وهو شعور شبه جمعي عفوي؟ لا شك أن السلاب يتأثر بهذه المشاعر لكن المبررات هي من تجعله يرتكب جرمه، وهذا هو المفتاح السري للدخول إلى نفسية السلاب، والتصور الأرجح هو أن الموت يرفع عن الإنسان المحرمات التي تحظر على الإنسان الحي، فيبيح السلاب لنفسه عندها انتهاك حرمة ممتلكات غيره، وبما أن الإنسان أصبح جثة، فقد حلل عليه ما كان محرما، وبهذه الحيلة يخدع السلاب ضميره، لكن إذا كان السلاب إنسان عادي فليس كل الناس تسلب الأموات؟ فهؤلاء السلابه يبقون أقلية، إذن مالذي يجعل بعض الناس تسرق دون سواهم؟ الجواب هو يجب أن يكون لهذه الشخص وازع أخلاقي ضعيف حتى يسوق مبرراته على ضميره، وهذا هو الذي يجعل البعض يسلب دون غيره وهو يخضع للفوارق النفسية والتنشئة والتربية الاجتماعية.
ترى ماذا سيكون ردة فعل السلاب لو أن الضحية شعر بالسرقة؟ هل سيتركه أم يسرقه؟ وماذا لو صرخ الضحية استنجادا؟ هل سيضربه أم يهرب؟ ماذا لو اتصل أهل الضحية لمعرفة مصير ابنهم هل سيغلق الهاتف بكل بساطة؟ أم يرد عليهم؟ ماذا لو وجد ملفات شخصية بالهاتف للضحية عائلية هل سيشعر بالحزن أو الذنب؟ وأخيرا هل يخبر السلاب أصدقائه أو عائلته عن سرقاته؟ هذه أسئلة عاشها السلاب وهو وحده من يملك الإجابة عليها. يقول صديقي لي إن ابن عمه كان ضحية انفجار أثناء العمل، وعندما اتصل أهله به للاطمئنان عليه رد عليهم شخص غريب ادعى انه اشترى الهاتف من ابنهم وأنهى المكالمة، وأردت أن اربط السلاب بالتاريخ الإسلامي والقبلي حين كان الغزو يبيح تسليبنا للآخرين تحت مسمى (غنائم)، وهناك من ذكرني بمعركة كربلاء حين قام بعض الجنود من بسرقة الخاتم من جثة (حسين بن علي) بقطع أصبعه بعدما استعصى سحبه منه، لكني رأيت أن جميع هذه المقارنات خاطئة لان المسلوب في جميع الحالات هو ند أو عدو بينما سلاب الأموات عندنا يسلب أبناء جلدته في الوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فعلا غدا سلاب الأموات ملاكا اليوم نسبة لسلاّب اليو
فؤاده العراقيه ( 2015 / 4 / 15 - 18:19 )
غدا سلاب الأموات ملاكا نسبة لما هو سلاب اليوم عليه اليوم
طبعا لا مبرر لدى هؤلاء السلابة بعد ان مات الحس لديهم سوى جشعهم المتزايد وهم بلا شك
يتأثروا بمشاهد الموت وبهذه المشاعر لكن المبررات التي يتحججون بها كثيرة وهي من تجعلهم يرتكبوا جرمهم
مجتمعنا تعلم كيف يبرر جرائمه واتقن التبرير كون الثغرات كثيرة للتبرير والتفسيرات كذلك كثيرة
(لكني رأيت أن جميع هذه المقارنات خاطئة لان المسلوب في جميع الحالات هو ند أو عدو بينما سلاب الأموات عندنا يسلب أبناء جلدته في الوطن) عبارة اختزلت الكثير , وفسرت تردي ورجوع اوضاعنا وانحدارها
مقالة دسمة ومن الواقع العراقي ..تحية لقلمك


2 - شهادة لي
محمد لفته محل ( 2015 / 4 / 21 - 16:20 )
شهادة كبيرة لي منك استاذه فؤادة صاحبت القلم الناطق.

اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ