الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محنة محمّد بن آمنة في حادثة الإفك وزنا عائشة بنت أبي بكر مع صفوان بن المعطّل - ج2

مالك بارودي

2015 / 4 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


محنة محمّد بن آمنة في حادثة الإفك وزنا عائشة بنت أبي بكر مع صفوان بن المعطّل - ج2

لكن، دعونا نعود إلى بداية السّورة، لتتّضح الصّورة أكثر. تبدأ سورة النّور كما يلي: "سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (الآيات 1-4)

سورة النّور هذه هي التي ورد فيها النّصّ الشّرعي الذي يعاقبُ بموجبه الزّاني والزّانية غير المحصنين بالجلد مائة جلدة، قبل التّعرّض لمسألة قذف المحصنات. وفي تفسير الطّبري للآية الأولى نجدُ كالعادة إختلاف النّاس في قراءة كلماتها، فهناك من يقرأ "فَرَضْنَاهَا" وهناك من يقرأ "فَرَّضْنَاهَا" وكلٌّ في مستنقعه يتخبّط في التّأويل كما يريدُ. ونجدُ حدّ الزّنا في الآية الثّانية. وفيها قال الطّبري: "يقول تعالى ذكره: من زنى من الرّجال أو زنت من النّساء، وهو حرّ بكرٌ غير محصنٍ بزوجٍ، فاجلدوه ضربًا مئة جلدة، عقوبةً لما صنع وأتى من معصية الله. (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) يقول تعالى ذكره: لا تأخذكم بالزّاني والزّانية أيّها المؤمنون رأفة، وهي رقّة الرّحمة في دين الله، يعني في طاعة الله فيما أمركم به من إقامة الحدّ عليهما على ما ألزمكم به." ويعلمنا الطّبري هنا أيضا بأنّ أهل التّأويل إختلفوا في معنى "وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ".

لكن، بجمع ألفاظ الآيتين الأولى والثّانية ("أنزلناها"، "فرضناها"، "إجلدوا"، "ولا تأخذكم بهما رأفةٌ")، وبما أنّ الفقه الإسلامي إستمدّ حكما شرعيّا من هذه الآيات وإتّفق الفقهاء على صحّته وحبّروا فيه مئات الكتب، وعلى ضوء معظم التّفسيرات الواردة في كتب التّفسير، يمكن أن نفسّر معناها على أنّ "جلد الزّاني والزّانية فرضٌ وواجبٌ ألزم به الله المؤمنين بالإسلام، وبالتّالي، لا يجبُ التّهاوُنُ في تطبيق هذا الحدّ أو التّخفيف فيه أو إلغاؤه".

إذن، فعقوبة الزّاني والزّانية غير المحصنين هي الجلد مائة جلدة، وهو أمر إلهي واجبُ التّنفيذ، ويجب أن يشهد ذلك "طائفة من المؤمنين"... وفي معنى "طائفة" وعدد أفرادها إختلف أهل التّأويل أيضا. لكن هذا لا يهمّنا في موضوعنا الحالي.

نتبيّن ممّا سبق أنّه في حال تفطّن أحدهم لوجود جريمة زنا في بيته، شهادته لا تكفي، فيجب عليه أن يبحث ويأتي بأربعة شهود ذكور مسلمين عدول يرون كلّ شيء من العمليّة الجنسيّة، حتّى دخول ذكر الزّاني في فرج الزّانية، وتتطابقُ شهاداتهم مع بعضها. فإن تحقّق ذلك حُكم على كلّ واحد من المتّهمين بالجلد مائة جلدة، فإذا كانا محصنين رُجما. وإن كان الشّهود أقلّ من أربعة، أولم تتطابق الشّهادات أو تراجع أحد الشّهود أو قال أنّه لم ير شيئا سُئل عنه الآخرون فأجابوا بالإيجاب، سقطت الشّهادة وحُكم على الشّهود بالجلد ثمانين جلدة، وهو حدّ القذف المذكور في اللآية الرّابعة من السّورة.

أمام هذه الشّروط التّعجيزيّة ومستحيلة التّوفّر، لسائلٍ أن يسأل: أيّ إله مخبول هذا الذي يضعُ تشريعًا بائسا كهذا لا يمكن تحقيق شروطه؟ فهذه الشّروط لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تتحقّق، والفقهاء يعرفون ذلك والصّحابة تحدّثوا في ذلك، بل هناك من إستغرب الآية أصلا وكاد يُنكرها ويعترض عليها لأنّه رآى أنّها تمنحُ أمانًا للزّناة لكي يكملوا فعلتهم إلى النّهاية... فإذا كان التّشريع لا يمكن تطبيقه، فما الجدوى من وجوده أصلا؟

وهناك على الأقلّ ثلاثة أمثلة تدلّ بطريقة صريحة على إستنكار وإعتراض الصّحابة على آية الشّهود الأربعة التي كانوا يرونها مشجّعة على الزّنا وتمثّلُ حصانة للزّناة بسبب إستحالة توفير الشّروط المطلوبة، ممّا يمنحُهم فسحة كبيرة من الزّمن لقضاء حاجتهم وهم مطمئنّون.

ففي "مجمع الزّوائد ومنبع الفوائد" للهيثمي (باب اللّعان) نجدُ الحديث رقم 7840: "عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْأَنْصَارِ: أَهَكَذَا أُنْزِلَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَا تَسْمَعُونَ مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ؟" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَلُمْهُ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ غَيُورٌ، وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً قَطُّ إِلَّا بِكْرًا، وَلَا طَلَّقَ امْرَأَةً قَطُّ فَاجْتَرَأَ رَجُلٌ مِنَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْ شِدَّةِ غَيْرَتِهِ، فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لِأَعْلَمُ أَنَّهَا حَقٌّ، وَأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَكِنْ قَدْ تَعَجَّبْتُ أَنْ لَوْ وَجَدْتُ لَكَاعِ قَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُلٌ، لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أُهَيِّجَهُ، وَلَا أَنْ أُحَرِّكَهُ، حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، فَوَاللَّهِ لَا آتِي بِهِمْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ!" وفي حديث آخر ورد تحت رقم 7842 نقرأ: "«وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، قَدْ قَضَى الْخَبِيثُ حَاجَتَهُ؟! قَالَ: فَمَا قَامَ حَتَّى جَاءَ ابْنُ عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ، وَامْرَأَتُهُ مَعَهُ، تَحْمِلُ صَبِيًّا وَهِيَ تَقُولُ: هُوَ مِنْكَ، وَهُوَ يَقُولُ: لَيْسَ مِنِّي، فَأُنْزِلَتْ آيَةُ اللَّعَّانِ، قَالَ: فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ وَأَوَّلُ مَنِ ابْتُلِيَ بِهِ». قُلْتُ: لِعَاصِمٍ حَدِيثٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي اللِّعَانِ غَيْرُ هَذَا. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ." (الهيثمي، مجمع الزّوائد ومنبع الفوائد، مكتبة القدسي، القاهرة، 1994، ج5، ص 11-13)

وفي صحيح مسلم، نقرأ رواية أخرى لحديث إحتجاج سعد بن عبادة على آية الشّهود الأربعة: "حدّثنا قتيبة بن سعيد حدّثنا عبد العزيز يعني الدّراوردي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أنّ سعد بن عبادة الأنصاري قال: يا رسول الله، أرأيت الرّجل يجدُ مع امرأته رجلا أيقتله؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا. قال سعد: بلى، والذي أكرمك بالحقّ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اسمعوا إلى ما يقول سيّدكم..." كما نجد بعدها رواية ثالثة تقول: "حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدّثنا خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال حدّثني سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال سعد بن عبادة: يا رسول الله لو وجدت مع أهلي رجلا لم أمسّه حتى آتى بأربعة شهداء؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: نعم. قال: كلّا، والذي بعثك بالحقّ إن كنتُ لأعاجله بالسّيف قبل ذلك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إسمعوا إلى ما يقول سيّدُكم. إنّهُ لغيورٌ وأنا أغيرُ منه والله أغيرُ منّي." (صحيح مسلم، كتاب اللّعان)

-----------------------
الهوامش:
1.. الجزء السّابق: محنة محمّد بن آمنة في حادثة الإفك وزنا عائشة بنت أبي بكر مع صفوان بن المعطّل - ج1
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=463343
2.. للإطلاع على بقية مقالات الكاتب على مدوّناته:
http://utopia-666.over-blog.com
http://ahewar1.blogspot.com
http://ahewar2.blogspot.com
http://ahewar5.blogspot.com
3.. لتحميل نسخة من كتاب مالك بارودي "خرافات إسلامية":
http://www.4shared.com/office/fvyAVlu1ba/__online.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
ايدن حسين ( 2015 / 4 / 12 - 07:50 )

تحية طيبة
مقالتك هذه ان دلت على شيء فانما تدل على ارادة الله للستر على عباده .. و اعطائهم فرصة للتوبة
مشكلتنا جميعا .. اننا جعلنا الزنا اثما لا يغتفر .. قد يغفر بعضنا جريمة القتل .. و لكن لا يمكن ان يغفر الزنا
ما الفرق بين الزنا و السرقة .. ما الفرق بين الزنا و القتل .. كلها اثام .. و الانسان معرض لان يخطا
و هناك مشكلة اخرى .. فلو زنا ابنك .. فقد تتستر عليه .. اما لو ان ابنتك زنت .. فقد تقدم على قتلها .. مع ان زنا الولد مثل زنا البنت .. كلاهما ذنب .. و ذنب هذا مساوي تماما لذنب هذه
يقصد الله .. من الاتيان باربعة شهداء .. ان الزنا لو كان مستورا عن اعين الناس .. فلا يجوز هتك هذا الستر .. لان الاعلان عن الزنا اسوا بكثير من الزنا نفسه .. لان ذلك سيفتح عيون الناس الى الوقوع في هذا الذنب العظيم
الاتيان باربعة شهداء .. معناها .. ان الزاني اذا وصلت به الحال ان يزني امام اعين الناس .. فحينها فقط يستحق ان يجلد او يرجم حتى الموت
الزنا امر سيء جدا .. لكن لو انها اصبحت معلنة .. او لو كانت تثبت بشاهد واحد .. لكان تاثير الاعلان اسوا حتى من الزنا نفسه
و احترامي
..


2 - مذود
حمورابي سعيد ( 2015 / 4 / 12 - 09:21 )
اخي مالك....اعتقد ان من شروط الشهادة رؤية الشهود دخول المذود في المكحلة وعدم مرور الخيط بينهما.تحياتي


3 - حديث الافك بنص القران المقدس
عبد الله اغونان ( 2015 / 4 / 12 - 14:09 )

من سورة النور الايات 11 الى 26
----------------------------------
ان الذين جاؤك بالافك عصبة منكم لاتحسبوه شرا لكم بل هوخير لكم لكل امرئ منهم ما
اكتسب من الاثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم
لولا اذ سمعتموه ظن المومنون والمومنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا افك مبين
لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فاذا لم ياتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون
ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والاخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم
اذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ماليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله
عظيم
ولولا اذ سمعتموه قلتم مايكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم
يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا ان كنتم به مومنين
ويبين الله لكم الايات والله عليم حكيم
ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والاخرة
والله يعلم وأنتم لاتعلمون
ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم
----الى قوله تعالى-----
ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المومنات لعنوا في الدنيا والاخرة ولهم عذاب
عظيم
صدق الله العظيم وكذب الأفاكون
يراجع حديث الافك برواية عائشة رضي الله عنها


4 - عاءشة السبب
سمير ( 2015 / 4 / 12 - 14:20 )
يا أستاذ مالك، لان عاءشة شهد عليها ثلاثة فقط فكان لزاما على محمد ان يطلب أربعة شهود، ولو ان أربعة شهود شهدوا على عاءشة لجعلهم محمد خمسة وهكذا. طيب، لماذا لم يجلد علي مع البقية مع انه اتهم عاءشة صراحة؟ ولماذا كل الجرائم يتطلب شاهدين الا الزنى أربعة؟ ياترى اي سر كانت عاءشة تعرفه عن محمد بحيث كان يخاف منها ولم يكن يجرا حتى على معاتبها؟


5 - اذا كان الحديث افكا فهو ليس زنا
عبد الله اغونان ( 2015 / 4 / 21 - 20:38 )

ولقد فصل القران المقدس في هذه القضية

ومن يتهم أمنا عائشة رضي الله عنها كمن يتهم مريم بنت عمران

وكمن يتهم كثيرات من المحصنات والمحصنين لحاجات في نفوسهم

اخر الافلام

.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran


.. 83-Ali-Imran




.. 85-Ali-Imran