الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم المختطف من الدين والقبلية

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2015 / 4 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التعليم المختطف من الدين والقبلية

أثارت مقابلة لوزير التربية والتعليم العالي في الكويت د. بدر العيسي قبل أيام في إحدى الصحف المحلية لغطا كبيرا في المجتمع لما تضمنته من تصريحات طالت التيارات الإسلامية والقبلية بتدخلهما المباشر وغير المباشر في بعض المؤسسات التعليمية. وإن كان وبنفس اليوم قدم الوزير بيانا أشار فيه الي سوء نقل الصحيفة لبعض المقتطفات من حواره، إلا أن القضايا القانونية سرعان ما أقيمت عليه فزعة ضده لما قاله وما يعتبره أحد المحامين من أنه طال بالتجريح الوحدة الوطنية المزعومة في الكويت. فهل صحيح أن ما قاله الوزير يعتبر واقعا؟!!. وهل مازال التعليم العربي، والكويتي تحديدا، يعاني من مثل تلك التدخلات التي جعلته غارقا في التخلف والرجعية والتبعية؟!!. وحتى نكون أكثر دقة، لنأخذ ما تقوله بعض التقارير الدولية حول شأن التعليم في الوطن العربي ومنها الكويت. فقد أشار أحد التقارير أن "الوطن العربي هو أكبرُ بؤرةٍ للأمِّيَّة في العالَم، وأن الجامعات العربية لم يكن لأيٍّ منها مكانٌ في الجامعات الـ100 الأعلى نجاحًا في العالم، في حين أن اسرائيل قد تم إدراجُها على هذه القائمة بجامعة القدس في المركز الـ70 بين 100 جامعة، ومن هذه النسبةِ يتَّضِحُ لنا اهتمام اسرائيل بالتعليم كبنية أساسية وكعامود أساسي من عواميد تكوين الدولة الناجحة". ومن جانب آخر حدَّد تقرير منظمة اليونسكو مشكلةَ التعليم في الوطن العربي قائلا "أن مشكلات التعليم في الوطن العربي تختلفُ من دولة لأخرى، فهناك فرقٌ بين دول الخليج والدول العربية الواقعة في قارة أسيا، والدول العربية الواقعة في إفريقيا، وفروق بين الدول الواقعة في شمال إفريقيا والدول الواقعة في الجنوب، تتمثل تلك الفروق في إمكانات تلك الدول المادية؛ فالوضع يختلف من دول لأخرى، وأن هذا يؤثر على جودة التعليم."
كما وأشار التقرير أن الأمية في الوطن العربي للعام 2013 قد بلغت 27% من إجمالي سكَّان الوطن العربي أي إن عددهم يبلغ من 70 إلى 100 مليون أُمِّي. ومن ناحية الإنفاق على التعليم يؤكد التقرير أن الدول العربية تُنفِقُ أقل من 2٪-;- فقط من ناتجِها المحلي على التعليم والبحث العلمي، وهذا يعد رقمًا ضئيلاً جدًّا بجانب ما تنفقه الدول المتقدمة التي تنفق حوالي 10٪-;-، وتُؤكِّد هذه الأرقام الفجوةَ الكبيرة بين الدول العربية والأوروبية، ويظهر أثرُ ذلك في انخفاض نسبة التعليم وجودته في الدول العربية.
وفي الكويت، ونظرا لوقوعها ضمن منظومة الدول الغنية، فقد استطاعت الثروة النفطية من تحسين صورة التعليم بشكل مادي، وتقليل مستويات الأمية والجهل بشكل كبير، حيث انتشرت المدارس الحكومية والخاصة. كما وأن الدستور الكويتي كفل مجانية التعليم وتوظيف مخرجاته، إلا أن المناهج الدراسية والمنظومة التعليمية مازالت هي هي تتشابه كثيرا وتختلف قليلا عن بقية الدول العربية، فما يجمع التعليم العربي هو الثقافة العربية وتفرعاتها من الدين والعادات والتقاليد والثقافة. ومن هنا يتضح أن عوامل تشكيل وتصميم المناهج الدراسية الكويتية لا تختلف كثيرا في الدول العربية، وإن كانت تتفاوت في الجرعات الدينية وتقليص مبادئ ومفاهيم المدنية والبحث العلمي والتفكير. وهو ما يقودنا الي قضية وزير التربية د. بدر العيسى في مقابلته حول التدخلات الدينية والقبلية في المسار التعليمي. لعل السؤال الأول الذي يفرض نفسه: لماذا عجزت الحكومة عن تغيير المناهج التعليمية بما يساير العصر الحديث، وخصوصا أن التعاون مع بيوت الخبرة العالمية والزيارات الي أرقي الدول في مجال التعليم، مستمرة منذ سنين طويلة ويصرف عليها ملايين الدولارات دون أي نتيجة منها؟!!..الإجابة الوحيدة على هذا التساؤل لن تخرج من أن الحكومة تريد، ليس فقط السيطرة المادية والاقتصادية على البلاد، ولكن المطلوب أيضاً غسل الأدمغة والسيطرة الروحية والمعنوية والثقافية، وهذا الجانب لا يقوم به إلا التعليم، والأداة التي تقوم بهذا الدور هو التوجيه الديني القائم على التلقين والسمع والطاعة، وتعزيز النقل على العقل ورفض النقد العلمي والسؤال والنقاش. وهذا ما أخرج أجيالا من الطلبة غير قادرين على إصلاح المجتمع، بل منخرطين بالفساد ومساهمين في تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية. فنتيجة لسيطرة تيارات الإسلام السياسي، من خلال الانتخابات أو الدعم الحكومي لهم مجتمعيا وإتاحة الفرص الإعلامية التلفزيونية ومنابر المساجد وسَّع التعليم الديني بشكل كبير جداً على حساب الوطن والمواطنة مما جعل مبدأ المواطنة مُغيّبا، فبدل أن تقود الهوية إلى الدولة، تسعى الدولة لخلق الهوية. وبدل أن تغدو الدولة عامل توحيد للمجتمع، تتحوّل إلى عامل تفتيت له، باستغلال المأزق الاجتماعي والثقافي للمجتمع، من خلال السماح باعتماد خطابات تحريضية بين الطوائف والمذاهب والثقافات المختلفة، لإضعاف المواطنة وتكريس الولاءات القبلية والمذهبية داخل كيان الدولة مما ساهم في انتقالها الي مدارس وجامعات الكويت، ولا يخفى على الجميع المقاطع المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي حول الفزعات القبلية لبعض الأشخاص، وآخرها نشيد الصباح الذي تحول من نشيد للوطن الي نشيد للقبيلة.
من المعلوم أن الكويت تعيش تحديات داخلية وخارجية عديدة، تشتد خطورتها مع تأطير وسائل التعبير عنها، إما قبليا أو طائفيا، وانعدام صيغ المشاركة الوطنية في مناقشتها، وسيادة أنماط فكرية دينية تساهم في اعاقة اطروحات الحداثة والمدنية. وتعتبر المؤسسة الدينية في الكويت العمود الفقري في التعليم والتوجهات العامة للدولة، والتي اعتمدت منذ إنشاء الدستور على إيلاء الشريعة الإسلامية وتطبيقاتها جانبا مهما يطغي أحيانا كثيرة على التوجه المدني في الدولة. وعلى الرغم من تمدين الدولة الكويتية بعد فورة النفط، إلا أن تأثير المؤسسة الدينية لا يزال بالغ الأهمية في إدارة وسياسة شؤون المجتمع بدعم حكومي يتمثل بالرضوخ الي مطالبات التيارات الإسلامية، كمنع حقوق المرأة السياسية لفترة طويلة، وقانون الإختلاط، أو طرد المفكرين العلمانيين، أو منع بعض رجال الدين والفقهاء من المذاهب السنية والشيعية من الدخول الي الكويت. ومؤخرا تصاعد حمي إيقاف الحفلات الغنائية بمزاجية توضح هيمنة الرأي الديني على أصحاب القرار السياسي. وعلى الرغم من حدوث هذه المواجهات التصادمية، وغيرها، مع أطراف من المؤسسة الدينية، في مراحل متعددة من تاريخ الكويت، إلا أن النظام أيضا لم يستطع حتى اليوم من الانفكاك من الاتجاهات المتطرفة والتى نسمع عنها بإلتحاق أعداد من الشباب الي جبهات الجهاد في سوريا أو العراق، أو في الدعم اللوجستي للتيارات الراديكالية الإسلامية والتى يشارك بها أساتذة في الجامعة وغيرها. لقد أبقت الحكومة الكويتية على مجمل مكونات المؤسسة الدينية وأدوارها في المجتمع والتي تدور في فلك استراتيجية العمل الحكومي. وتمكنت السلطة السياسية في الكويت أيضا من توفير غطاء من الشرعية الدينية للكثير من القرارات والمواقف السياسية الداخلية والخارجية التى تقوم بها التيارات الإسلامية كموقف جمع التبرعات الخيرية للشعوب العربية بعد ثورات الربيع العربي والتى أخذت مسارا مذهبيا وليس إنسانيا، مما وضع الكويت تحت مسار الأمم المتحدة ولجانها في مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال بعد شبهات متعددة ومتكررة عن استغلال تلك الأموال لصالح دعم الجماعات الجهادية. أما داخليا فقد سعت الحكومة بكل ثقلها في تمكين الحرية الإعلامية بنشر البرامج الدينية بكثافة مقابل برامج التنوير والفكر والثقافة، مما جعل المراقب للشأن الكويتي يرى بأن وجه الكويت أصبح ديني وليس مدني كما هو المفترض أن يكون وفقا للدستور الكويتي.
إن التنوع القبلي والمذهبي في الكويت ثري للغاية، إلا أنه في مراحل متقدمة من تاريخ الكويت، بدت اتجاهات متشددة داخل هذه التنوعات ترى في ضعف الدولة وانحيازها مرات الي فئة دون الأخرى خطراً على وجودها وتعايشها. وبرز ذلك بشكل كبير عند معالجات عامة في المجتمع كأحداث التأبين أو قضية مزدوجي الجنسية التى حمل لواءها محمد جويهل، وغيرها . وقد أثّر هذا التعاطي الحكومي (المصلحي نوعا ما) على سياسات الدولة وعلى تعاطيها مع مختلف المكونات الثقافية والاجتماعية والدينية الاخرى بصورة سلبية. إن بروز التعاطي القبلي في التعليم وتحديدا تشكيل كنتونات قبلية انتخابية أو تعليمية لبعض المؤسسات الأكاديمية، يشكل إحدى الإخفاقات المدنية التى يعيشها المجتمع، ودورا أستطاعت فيه القبلية، كما غيرها من فئات المجتمع من تحصين نفسها أمام هجمات الفئات الاجتماعية الأخرى، والعكس صحيح أيضا، فحين تغيب العدالة يغيب القانون ويتزايد الفساد والتعامل القبلي والمذهبي بين فئات المجتمع. إن الحقيقة التى يجب أن نعلنها في الكويت، ان تصريح وزير التربية، حتى وإن أعتذر عنه، إلا أنه يمثل جرسا مهما يجب الإلتفات إليه، فكل معطياته على الواقع تثبت أن الخطر مازال موجودا بل إنه أقرب إلينا من حبل الوريد.
إن التعصب القبلي والطائفي خطر يتغلغل داخل المؤسسات التعليمية بشكل يهدد الحياة الديموقراطية وينخر في جسد المجتمع والحياة الاجتماعية، ومهما يكن أمر الدور الاجتماعي والتكافلي الذي تؤديه القبيلة أو المذهب، فإن المؤسسات التعليمية يجب أن تكون ساحة علم ومنافسة وتعدد ثقافات وأفكار، وأن وترتبط بمعايير وقيم الحياة المدنية المعاصرة.
ففي دراسة نشرت للدكتور عيسى محمد الأنصاري الاستاذ في جامعة الكويت عام 2005 حول ظاهرة التعصب القبلي والطائفي بين طلبة جامعة الكويت يقول "ان التعصب الطائفي والعشائري يفرض نفسه في عمق الحياة الأكاديمية في جامعة الكويت، وهذا ما تبديه الملاحظات اليومية والعلمية، مشيرا الى انه إذ يفرض التعصب بشكليه القبلي والطائفي نفسه في جامعة الكويت عبر مظاهر شتى تتعلق بمختلف أوجه الحياة الأكاديمية وتجلياتها، إلا ان التعصب يأتي امتدادا يأخذ معين حركته ونشاطه من دائرة الحياة الثقافية والاجتماعية السائدة في الكويت".
ومنذ 2005 والي اليوم. تمثل خطر النزاعات الفئوية بالمجتمع الكويتي في آثار جمة، اجتماعية، سياسية، اقتصادية، نفسية. أدت دوراً مهماً في عرقلة تحقيق تنمية حقيقية ومؤثرة، إذ إن آثار النزاعات القبلية والمذهبية تتعدى الأفراد وحياتهم الاجتماعية لتمتد إلى الاقتصاد والسياسة كي تكون قادرة على تهديد الأمن الوطني بصورة مؤثرة جداً، وقد تظهر في أشكال من التطرف والعنف والإرهاب، وهذا ما نتعايش معه بكل تفاصيله اليوم.

د. عبدالعزيز عبدالله القناعي
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت


.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق




.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با