الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فريقا كذبتم و فريقا تقتلون

محمد اللوزي

2015 / 4 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إهداء :

إلى المهندس الموريتاني الشاب "محمد الشيخ ولد امخيطير"،
إلى المفكر التونسي الشيخ "محمد الطلابي"،
إلى المدون السعودي "رائف بدوي"،
إلى روح المفكر المصري "نصر حامد أبو زيد"،
إلى روح جدي "سيدي السي امبارك المطراني"، العالم المسالم العارف بالله، الذي لم يكفر أحدا و سعى في رحاب السلم و إصلاح ذات البين بين الناس حتى أتاه اليقين، فاللهم إيمانا كإيمان العجائز !

نص المقال :

"جناية أبي هريرة"، "جناية ابن عباس"، "جناية كعب الأحبار"، "جناية ابن اسحاق"، "جناية معاوية بن أبي سفيان"، "جناية عمر بن عبد العزيز"، "جناية البخاري"، "جناية الشافعي"، "جناية ابن تيمية"، "جناية الغزالي"، "جناية محمد بن عبد الوهاب"، "جناية سيد قطب"، "جناية القرضاوي"، ... كلها "جنايات" ارتكبت - عمدا أو خطأ - في حق دين الله و الإنسان و المجتمع و العقل و الإبداع و الحريات، سنوات فقط بعيد التحاق النبي الكريم بالرفيق الأعلى.

كلها "جنايات" أضحت، عبر تعاقب القرون و الأزمان، مقدسة ك "عجل الذهب" العبراني، بل أكثر. إن تناولها أحد الدارسين و المفكرين الأحرار بالتحليل العلمي الرصين، و النقد الواجب لها، و تبيان تجنيها على الإنسان و المجتمع و الحياة و الكون، و مجانبتها للحكمة و الصواب و المعروف، فإنه سيكون قد ارتكب "جريمة" في عرف "سدنة هياكل الوهم" في كل زمان، و في عرف تابعيهم الآليين الميكانيكيين، و مريديهم الطيعين الأبرار. بل و سيقع تحت طائلة فصل "ازدراء الأديان" الذي يريد بعض الصالحين جدا، من أهل السياسة و الكياسة و القمع المقدس، و من أهل العقد و "الحل الإسلامي"، التنصيص عليه في "القانون الجنائي" المغربي.

لن أستطيع حصر لائحة ضحايا القمع الفكري هنا و هناك، باسم "شريعة" فقهاء السلاطين و السيوف و السكاكين الحادة. لن أستطيع جرد كل أسماء الأحرار الذين ضحوا بحياتهم، و لا يزالون، من أجل الكلمات و الأفكار التي آمنوا بها، "حتى لا تكون فتنة و يكون الدين لله" محررا من قهر الحاكم و من دجل الكاهن معا، من سلطة الحزب الديني و من سلطة الجماعة السياسية، سواء بسواء.

لن أستطيع الإحاطة بتفاصيل الفصول الدموية "للتفكير في زمن التكفير"، الضاربة في تاريخ بدو الصحراء العربية و في جغرافيا الغزوات التوسعية. ربما يكفي فقط - في مقام الإنذار و البراءة هذا - التذكير ببعض الأسماء، لبعض شهداء الفكر و الكلمة و الضمير الحي، سواء من قتل منهم بالفتوى أو بالسيف أو بالسم، أو من مات منهم منبوذا على فراشه. إذ الشهيد الحق هو من أعلن "شهادته" آراء و أفكارا في حياته، تصريحا و تأليفا و نشرا و تثقيفا لغيره، عبر فعل الضمير الشاهد بالحق و لو على الذات، يقرؤها الناس ليحرروا من الطغيان و الفساد و العلو في الأرض. و ليس الشهيد من قاتل بالسيف و القنابل تحت لواء كتيبة عصبية حزبية طائفية ليقتل الناس فقتل - بفتح القاف - و قتل - بضمها. و شتان بين من يسعى لإقامة الحياة بالقسط و الرحمة و السلم في العالمين، و بين من يسعى للإفساد في الأرض بسفك الدماء، باسم الله الأعظم، مخلدا بشناعة فعلته ذكرى ظن الملائكة.

من هؤلاء الذين حكم السدنة بتكفيرهم و استحلال دماء بعضهم أسوق للذكر و الذكرى لا الحصر : أبو منصور الحلاج، الجعد ابن درهم، عبد الله ابن المقفع، غيلان الدمشقي، الجاحظ، ابن سينا، ابن عربي، أبو حيان التوحيدي، ابن الراوندي، أبو العلاء المعري، طه حسين، نصر حامد أبو زيد، محمود محمد طه، فرج فودة، فضل الرحمن، محمد أركون، علي شريعتي، كريم عامر، رائف بدوي، كمال داود، إسلام بحيري، دميانة عبد النور، محمد الشيخ ولد امخيطير، محمد الطلابي، ... و اللائحة تكاد لا تنتهي.
لما يتقمص الشيخ السادن دور الله، و لما تحل فتاواه القاتلة محل آيات الحرية و اللاإكراه، و لما يتواطؤ بعض مثقفي العنف و الضغينة، القابعين وسط دائرة المسموح الفقهي، كذا، مع شيوخ محاكم التفتيش، فيغتصبون عذرية الحرية و يغتالون الضمير الحاضر و الشاهد، جماعة و فرادى، يصبح إعمال الفكر و النظر جريمة في نظر القانون. يصبح التفكير كفرا. يصبح القمع قانونا. و يصبح القانون إرهابا. و لقد صدق من قال : من يملك القانون، يملك حق عزفه.

في الدول الديموقراطية العلمانية يصوت الشعب "السيد" على ممثليه - "الخدم" - لتدبير الشأن العام و حفظ مقومات الحياة من العبث الديني و من غيره، و ليس للتفتيش في عقائد الناس و أفكارهم. في الدول الاستبدادية الثيوقراطية المتدثرة برداء الشريعة، يغطي "السياسيون- السدنة" على فشلهم الذريع في التدبير بالتمسك بأهذاب "كعبة" الهوية و الأخلاق، زعموا. حين يفشلون في اقتلاع الظلم من جذوره، يسنون قوانين تمنع حرية الأفكار و تغتال العقول. حين يسأل المواطن البسيط عن سبب تأخر تحسن وضعيته الاجتماعية و الاقتصادية و الصحية و الثقافية، لا يكاد يسمع إلا همسا جبانا من أشباه و أشباح مسؤولين. حين يسأل عن نبأ الخبز و الماء و الملح و السمك، يصدر قانون عن الإعفاء الضريبي لكبار الملاك و المتاجرين في مقدرات الوطن. "عفا الله عما سلف"، يقول كبيرهم. حين يسأل المواطن، مرتبكا، عن أفق الحرية و الكرامة، يصدر قانون يقضي بتوسيع مفهوم الإرهاب و التضييق على الحريات. حين يسأل عن مستقبل التربية و التعليم و الثقافة و الفن و الصحيفة، يصدر قانون عن تجريم القلم و الدواة و الحبر و الكتاب و خشبة المسرح. حين يطالب المواطن بتفعيل مقتضيات دستور - على علاته - في مجال الحريات، ينشط المسؤولون، من أصحاب إعفاء اللحى و حف الشوارب، في الحث على التصويت النيابي الاستعجالي على "قانون الزندقة" سيء الذكر.

لقد صوت المواطن المغربي، بعيد الدستور الجديد، ضد الظلم و الفقر و الجهل و الأمية و المرض و الرشوة و غلاء المعيشة و هشاشة البنيات التحتية و فساد البنيات الفوقية. لقد صوت من أجل استعادة كرامته و حريته. لم يصوت من أجل أن ينتقل خطاب التنويم و "التدويخ" الديني من جامع الحي إلى قبة البرلمان أو مجلس الحكومة. لم يصوت لكي يستبدل "خطاب التدبير" و فعله ب"خطاب هوية" طائفية مدمرة. لم يصوت لكي تصاغ فتاوى ابن تيمية في التكفير و قتل الأبرياء و تحشر حشرا في "قانون جنائي" يحمل علم الوطن و رموزه. لم يصوت لكي تدمج فقرات دموية من "فقه السنة" لشيخ الإخوان المسلمين، سيد سابق، في قانون منظم لوطن يفترض أنه مستقل عن فقه الشرق و عن أجندة الغرب، و يتوق إلى مزيد من الحريات. لم يصوت المواطن المغربي لكي يصبح "فقه الخوارج" نصوصا على أساسها يحكم القضاة باسم "جلالة الملك".

و عليه، فإن الأسلم للقائمين على تدبير شؤون الوطن و المواطنين أن يقوموا بالمسؤوليات الاجتماعية و الاقتصادية و غيرها، المخولة إليهم عبر آلية الانتخابات. و من أراد منهم الاحتكام لفتاوى ابن تيمية، أو لفقه الشافعي أو لحديث ابن حنبل أو لحدود سيد سابق، فليحتكم إليها فردا بين جدران بيته و دون إكراه أسرته الكريمة. و ليترك دين الله لله. و ليدع فكر الناس للناس. و ليحفظ وطن الجميع للجميع. عدا ذلك، فإن "أبواب جهنم" ستفتح على وطن واقف على عتبة الانفجار، فيكفر الناس بعضهم بعضا، و يقتل ابن آدم أخاه، و قد لا يجد غرابا يعلمه كيف يواري سوأة أخيه. و يصير الشعب المغربي الموحد العريق طوائف و فرقا متناحرة.

إن بداية القتل "نص فتوى" أو فصل في قانون جنائي. و إن إنهاء العنف و القتل بدايته إعمال الفكر و النظر في "جنايات" السابقين من الأسلاف، و صياغة "شهادة" حق على ما فعلوا، للاعتبار فقط : "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم و لا تسألون عما كانوا يعملون". و إن المغرب الحبيب اليوم أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما : إما خيار سلفي ماضوي ظلامي دموي علامته "فريقا كذبتم و فريقا تقتلون"، أو خيار سلامي توافقي راشد، ينظر بعين الاطمئنان لمستقبل آيته : "لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي".

فيا أيها الإخوان: ارفعوا فتاواكم و سيوفكم و أغلالكم عن جسد الوطن !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذا البلاء
فريد جلَو ( 2015 / 4 / 17 - 01:35 )
سيدي اينما يستشري الفقر والجهل يستشري هذا البلاء ودول الخليج ليس استثناء بل الاصل فثرواتهم ليس نتاج العمل بل ريعيه لذا فهم جهلاء وان تقمصوا شخصيه العلماء مع احترامي لكل البشر وهم فقراء ايضا لنفس السبب اعلاه فالعمل المنتج للثروات وحده المنقذ للشعوب من هذا البلاء

اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah