الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-فرقة مريم-.. نمط جديد للأمر بالمعروف

عبدالله المدني

2005 / 9 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"فرقة مريم".. نمط جديد للأمر بالمعروف
المطالبون بدولة القانون و المؤسسات و احترام حقوق الإنسان في بعض المجتمعات الإسلامية هم أول من يعتدون على هذه المفاهيم حينما لا تتوافق مع أجنداتهم وتفسيراتهم الخاصة لها.

نقول ذلك على ضؤ ما حدث مؤخرا في ولاية جامو و كشمير الهندية حينما قامت الأحزاب السياسية و الحركات الجهادية الانفصالية المناوئة للحكم الهندي، و التي ما برحت تتهم نيودلهي بخرق حقوق الإنسان، بإعلان الإضراب وقيادة المظاهرات وإصدار البيانات النارية ردا على اعتقال الشرطة المحلية للسيدة "آسيا عندربي" و ست من زميلاتها بتهمة الاعتداء على الأشخاص و الممتلكات و الحريات الخاصة و الحلول مكان الدولة في تشريع الأحكام و تطبيقها بالقوة و الإكراه.

و "آسيا عندربي" لمن لا يعرفها سيدة كشميرية تقود ما يعرف بمنظمة "دوختراني مللت" أو "بنات الأمة" التي أنشأتها في سريناغار في منتصف الثمانينات مع انتقال زخم الجهاد من أفغانستان إلى كشمير لتقوم بدور اجتماعي و تعبوي مواز لدور الحركات الجهادية السياسي والحربي. و بسبب من نشاطها هذا وما قيل عن تلقيها لأموال من أجهزة الاستخبارات الباكستانية دخلت المعتقل لعام واحد، وسمحت لها السلطات حينذاك أن تصطحب معها طفلها الرضيع لاعتبارات إنسانية.

ومن رحم هذه المنظمة المحظورة منذ عام 2002 ظهرت في السنوات الأخيرة "فرقة مريم" المكونة من سيدات (وليس آنسات) متشحات كليا بالسواد و يلبسن النقاب المشابه لنقاب النساء الملتزمات في السعودية و الخليج، لتقوم بدور الشرطة الدينية أو الوصية على الأخلاق من خلال حملات جماعية و تخصيص أرقام هواتف لمن يريد الإبلاغ عن المنكرات.

إذن فنحن أمام نمط جديد غير مسبوق من هيئات الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أعضاؤها نساء بدلا من الرجال و شخصيات منسوبيها غير معروفة بسبب النقاب وشروط الانضمام إليها تستبعد الآنسات بدعوى أن المهام المنوطة بها قد يخدش حياءهن أو يعرفهن على ما لا يجب معرفته قبل الزواج، ناهيك عن أن اسمها مستمد من اسم والدة السيد المسيح و ليس من أسماء أمهات المؤمنين مثلا.

أما لجهة أنشطتها فقد بدأت بمحاولة إكراه النساء اللواتي يفضلن ارتداء الأزياء المحلية المحتشمة عموما على ارتداء النقاب و البراقع و ما يصاحبها من ملابس سوداء غير مألوفة في ثقافة مسلمي جنوب آسيا. و في هذا السياق سجلت حالات قامت فيها عضوات الفرقة برش الأصباغ و الوحول و الأحماض على النساء الرافضات. و في مرحلة لاحقة تركز نشاط المجموعة على مهاجمة صالونات الحلاقة النسائية و دور السينما المختلطة، غير أن ما فجر غضب السلطات عليها مؤخرا من بعد صمت و تساهل طويلين هو ارتكابها لاعتداءات جسدية على رواد المطاعم و مقاهي الانترنت و قيامها بتحطيم محتويات الحانات الملحقة بالفنادق ومحلات بيع المشروبات الكحولية.

وفي تصريحات لها قبل اعتقالها قالت "آسيا عندربي" أنها و أخواتها في فرقة مريم لن يرحمن مرتكبي الموبقات أو من يتستر عليهم، متهمة الفنادق بتشجيع شرب الخمرة أو "أم الكبائر" و تسهيل الزنا المحرمة، و مقاهي الانترنت بتسهيل اللقاءات العاطفية بين الجنسين، والحكومة المحلية بعدم القيام بواجبها لجهة حماية الأخلاق و ردع المتجاوزين. أما السلطات فتقول أنها لا تستطيع اخذ الناس بالشبهات أو محاسبتهم على نواياهم و إنما تتحرك فقط حينما تتوفر أدلة دامغة على خرق القانون و المحظورات، نافية ما زعمته "آسيا عندربي" من تشجيعها للمحرمات بهدف إفساد أخلاقيات المجتمع الكشميري بدليل أنها حظرت ممارسة البغاء في كل أنحاء الولاية و ضبطت حتى الآن ما لا يقل عن ثمان شبكات تتاجر بالرقيق الأبيض.

و تذكرنا هذه الحالة بسابقة يتيمة حدثت في كشمير قبل نحو سبعة عقود حينما قام حلاق مسلم يدعى "سبحان حجام" بإطلاق حملة اعتداءات و تحريض فردية ضد المومسات ودور الدعارة كان من نتيجتها أن اعتقل و أودع السجن و غرم. لذا لم يكن غريبا أن تحتفل منظمة "دوختراني مللت" قبل فترة قصيرة بذكرى هذا الرجل وتسبغ عليه أوصاف البطولة.

والجدير بالذكر أن ما تعتبره فرقة مريم موبقات عاد إلى الظهور تدريجيا في السنوات الأخيرة في كشمير كنتيجة لتحسن الأوضاع الأمنية نسبيا و بالتالي انتعاش الأعمال والحركة التجارية من بعد سبات فرضته الأحوال الأمنية المضطربة و عمليات الفصائل الجهادية المدعومة من باكستان ابتداء من أواخر الثمانينات.

ولا يكتمل الحديث هنا دون الإشارة السريعة إلى سيرة "آسيا عندربي" التي تكشف فصولها كيف أن فتاة ذكية و ابنة طبيب مرموق و خريجة علوم تحولت من بعد قراءة كتاب يتيم حول "المجاهدات في الإسلام" إلى انسانة متشددة دينيا إلى درجة أنها أقسمت ألا تتزوج سوى "مجاهد" ، و هو ما تحقق لها لاحقا باقترانها بالمدعو "محمد قاسم" المعتقل حاليا بتهمة القيام بأعمال إرهابية ضمن خلية تابعة لتنظيم "جماعة المجاهدين". و هي لئن دشنت تحولها الفكري بإنشاء "دوختراني مللت" كمظلة لأعمال اجتماعية مثل تزويج الفتيات الفقيرات و محاربة غلاء المهور و الضغط من اجل الفصل الجنسي في الحافلات العامة، فإنها سرعان ما حولت أنشطة منظمتها إلى وجهات أخرى مثل قيادة الحملات ضد عرض الأفلام التي تتضمن مشاهد عاطفية مثيرة للغرائز و حملات أخرى لتلطيخ أفيشات الأفلام السينمائية بالأحبار و لمعاقبة اللواتي يدفعهن الفقر و الحاجة إلى بيع أجسادهن. في هذه الأثناء دأبت المنظمة أيضا على العمل كقناة سرية لنقل رسائل الجماعات الانفصالية و توجيهاتها، وصولا إلى تأييد زعيمتها علنا لأعمال العنف ضد الحكم الهندي وان لم يثبت مشاركتها فعليا في الجهاد المسلح.

ومن مظاهر التحولات التي طرأت على حياة هذه السيدة تأثرها بفكر تنظيم القاعدة وحركة طالبان إلى الحد الذي جعلها تصرح أنها تربي ولديها على هذا الفكر العنيف كي يغدوا في المستقبل صنوين لبن لادن أو الملا محمد عمر، بدلا من أن تربيهما على اقتفاء سيرة جدهما الطبيب الذي كان ينقذ الناس من الموت أو يخفف آلامهم.

هذا مثال إضافي نهديه للبعض ممن يتبنون اليوم مشاريع في البرلمانات الخليجية لتأسيس هيئات الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في الوقت الذي تحاول فيه الدول التي ابتليت بمثل هذه المؤسسات تحجيمها.. بل التخلص منها حماية للقانون و منعا للفوضى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي


.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا




.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج


.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان




.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل