الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسلام بحيري والإصلاح الديني

محمد زكريا توفيق

2015 / 4 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



اسلام بحيري يقول ما يقوله منذ سنين. فعلاما هذه الضجة الكبرى؟ التي يقودها رجال الأزهر وبطانته ضد اسلام بحيري وما يمثله من فكر يدعو للإصلاح الديني وتنقية التراث من أساطيره وتخاريفه وهبله وغبائه وإسرائيلياته.

يقف في صف الأزهر، بتوع داعش والإخوان والسلفيين وكل من طالت لحيته وقصر جلبابه وحجّب أو نقّب زوجاته. وكذلك كل الهيئات والمؤسسات الرجعية، المستفيدة من إبقاء الوضع على ما هو عليه.

ويقف في صف اسلام بحيري، أحمد عبد المعطي حجازي، الشاعر الكبير، والدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة السابق، والمستشار أحمد عبده ماهر، والشيخ محمد عبدالله، والأستاذ شريف الشوباشي، الذي يدعو إلى مليونية خلع الحجاب، وغيرهم من المفكرين والمثقفين والليبراليين وأصحاب الفكر الحر.

الأزهر ومريدوه، يريدون بقاء الحال على ما هو عليه، فليس في الإمكان أفضل مما كان. والفريق الآخر يريد نزح الماء من المركب ومعالجة الثقوب قبل أن تغرق. الأديان الثالثة السماوية بوضعها الراهن لا تستطيع مقاومة العلم الحديث والحقائق الجديدة التي تظهر كل يوم. صراحة، المعركة محسومة منذ البداية. فلا يمكن أن تحارب العقل بالهبل والشتائم والتهديد بالسجن والاتهام بالكفر.

لقد طلب الرئيس السيسي من رجال الأزهر قيادة حركة الإصلاح الديني. وقد كتبت عدة مقالات، قلت فيها أن الأزهر لا يقدر ولا يستطيع، وغير مؤهل لحركة الإصلاح الديني المنشودة. ها هي الأيام تثبت صحة ما قلت وما قاله غيري. الأزهر هو سبب هذه المصيبة الدينية التي نعيش فيها، ولا يستطيع إصلاحها.

المشكلة هي أننا أمام فكر عقلاني يؤمن بالمنطق والتحليل والتجربة والمشاهدة، يواجه فكر سلفي لا يؤمن بمثل هذه الأشياء. إنما يؤمن بالآية والحديث والتفاسير والشروح والنقل، بدون تفكير أو نقد أو تمحيص.

إذا انتشر وباء الكوليرا على سبيل المثال، الفريق الأول يأخذ المرضى إلى المعمل لإجراء التحاليل اللازمة لمعرفة سبب المرض ووصف الدواء. أما الفريق الآخر، فيذهب إلى الآيات والأحاديث والتفاسير، فلا يجد إلا بول الإبل علاجا شافيا، أو غمر الذبابة بكاملها في السائل حتى يبطل مفعول المرض.

إنهم يعتقدون أن شرب بول الإبل ووضع النساء في أكياس سوداء، هي أفضل طريقة للعبادات والتقرب إلى الله. وأن النقل عن شيخ عاش منذ ألف سنة، أفضل وأضمن من أن نقوم بالتفسير بأنفسنا. لماذا نتحمل المسئولية ونودي أنفسنا في داهية، طالما مشايخنا العظام الذين سبقونا بقرون عديدة، قاموا بالواجب وزيادة؟

الشيخ الشعراوي له مقولة خالدة تبين المأساة في أجل صورها. يقول لماذا نفكر ونتعب أنفسنا ونبتكر ونصنع الأشياء. نترك أعداءنا يتعبون ويعرقون ويصنعوها، واحنا نأخذها على الجاهز.

هو نفس الفكر الذي يرضى بفكر الأقدمين. هم قد تعبوا وفسروا، حسب علوم ومدارك عصرهم، واحنا نأخذها جاهزة بدون تعب أو مسئولية. الفرق هنا هو أن هذه التفاسير لم تعد صالحة لهذا العصر الذي نعيش فيه. عصر الميكانيكا الكمية والهندسة الوراثية واستنساخ النعجة دولي.


كلمة "لوجوس" باليونانية تصف نوعا معينا من التفكير. طريقة تفكير تستخدم المنطق والتحليل، لتفسير الظواهر والأشياء التي تعتري الإنسان. هذا النوع من التفكير، غالبا يقود إلى الحكمة.

الحكمة باليونانية تعبر عنها كلمة "صوفيا". إذا أضفنا لكلمة صوفيا، كلمة "فيلو" وتعني حب، أصبحت الكلمة المركبة "فيلو صوفيا". وتعني حب الحكمة. من هنا جاءت كلمة فلسفة. التي تعني حرفيا حب الحكمة. إذا كنت محبا للحكمة والمعرفة، فأنت فيلسوفا.

ماذا كان يوجد قبل الفلسفة, وقبل طريقة "لوجوس" في التفكير؟ كانت توجد طريقة أخرى. هي "ميثوس"، أو الأساطير. لا داعي للتفكير ووجع الدماغ. نترك التفكير للكهنة والمفسرين ورجال الدين، ونأخذ نحن المعلومات على الجاهز.

الأساطير والقصص الموروثة عن الأجداد تفسر لنا كل شئ. البرق والرعد سببهما مقرعة كبير الآلهة "زيوس" على قمة جبل الأوليمب. الكرة الأرضية يحملها الحوت بهموت. عندما يشعر بالتعب، تحدث الزلازل. الأمراض والأوبئة بسبب غضب الآلهة. وهكذا.

معظم الأساطير لها علاقة بالدين وحياة الآلهة. لذلك كانت لها صفة القداسة. حافظ عليها الأجداد وعضوا عليها بالنواجذ. كان يسلمها كل جيل إلى الجيل الذي يليه.

أستخدمت هذه الأساطير في خلق نظام اجتماعي متكامل. يفسر كل شئ ويجيب على كل سؤال. لكن عيب هذه الأساطير المقدسة، أنها تخلق مجتمعات ساكنة راكدة تقاوم التقدم والتغيير، كما هو الحال عندنا الآن. العصور المظلمة، استمرت أكثر من 1000 سنة بسبب سيطرة الكنيسة الكاثوليكية في الغرب، والأزهر ورجال الدين عندنا في الشرق.

لكن شئ مختلف ظهر في اليونان في القرن السابع قبل الميلاد. وجاء أول تفسير فلسفي، بعيدا عن الأساطير. يشرح أسباب حدوث فيضان نهر النيل خلال الصيف من كل عام. بالرغم من أن معظم أنهار الدنيا تجف أثناء فصل الصيف.

فيضان نهر النيل يحدث بسبب "رياح الصحراء". ليس بسبب الصراع بين الآلهة، أو علاقات الحب والزواج بينهم. هنا نجد الظواهر الطبيعية تفسر بظواهر طبيعية أخرى. القوي الخفية الخارقة للطبيعة ليس لها دخل بموضوع فيضان نهر النيل.

هذا هو لب المشكلة. نحاور رجال الأزهر ونتكلم معهم ونجادلهم بلغة لا يفهمونها. وهي لغة العلم والمنطق. ربما يدرسون تاريخ الفلسفة، لكنهم لا يمارسونها. هم أبعد ما يكون عن التفكير العلمي. ثم نطلب منهم أن يقوموا أو يقودوا الإصلاح الديني! طيب إزاي؟

كل الذي يطلبه اسلام بحيري وابراهيم عيسى وغيرهما من المصلحين، هو تنقية كتب التراث وعلى رأسها صحيح البخاري من الشوائب واللامعقول. وبدلا من مقارعة الحجة بالحجة والرأي بالرأي، يقوم رجال الأزهر بمهاجة الشخص نفسه ولعن سلسفين جدوده والمطالبة بسجنه أو قتله بسلاح التكفير.

يقول الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي في مقال هام له يدافع فيه عن اسلام بحيري أن الأزهر يدرس طلبته، الصف الأول الثانوي، رأي الشرع في قرد، وآسف للتعبير، ناك رجلا. فإذا أدخل القرد إيره في مؤخرة الرجل، فهل وجب عليه الغسل، خاصة أن إير القرد ليست له حشفة.

بالذمة ده كلام يدرس للطلبة؟ إيه القرف ده؟ وإذا طالبنا بتنقية كتب التراث من مثل هذه البلاوي والكوارث، نكون قد كفرنا ونريد هدم الدين؟ يا سيدي مثل هذه المصايب والهبل والأساطير، طافحة بها كتب التراث وتحتاج إلى حزف وتنقيح.

الأزهر وشيخه، لا يصلحان للقيام بهذه المهمة. وده من الآخر. المفروض أن تشكل لجنة من كبار العلماء والفلاسفة والمفكرين والمؤرخين والكتاب والفنانين والشعراء والتربويين. تقوم بدراسة الوضع جيدا بعيدا عن الأهداف السياسية.

ثم تقوم هذه اللجنة بوضع توصيات للإصلاح الديني وتنقية التراث. هذه التوصيات، يجب تفرض على الأزهر والحكومة والجميع. لأن هذا هو الأمل الوحيد في قيام إصلاح ديني حقيقي، قبل أن تغرق المركب ونغرق معها جميعا في فكر أشد تخلفا وانحطاطا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - علاج أم بتر؟
محمد بن عبدالله عبد المذل عبد المهين ( 2015 / 4 / 18 - 22:13 )
1) اذا اصيب عضو بالقيح وبدأت تظهر فيه علامات التعفن والغرغرينا وجب البتر حيث لا ينفع العلاج

من يطالب بالتنقية والعلاج والتمهل يكون قاتلا فعليا للمريض

لا اصلاح لما وصل فيه الفساد حتى النخاع

2( من الاستسهال ومن السذاجة التصور بامكان الانتصار على من قضوا قرونا في التبرير والمداراة والتلاعب بمعاني الألفاظ وتفصيل قواعد للـّغة تنفي الخطأ الواضح وتضفي القداسة على الهراء
لا تلعب مع المغالطين في ملعبهم بل بارزهم بالمنطق والعقل وارفض الاساطير كلها فلو استثنيت بعضها وقعت في الفخ المنصوب


كلامي ينطبق على محاولات البحيري وناعوت وحجازي والقمني والشوباشي وغيرهم مهما حسنت النيات
ستذهب جهودهم هباء بل ستقوي التطرف والظلامية...

لن ينجح إلا اسلوب رفض الزيف من الجذور


2 - محمد بن عبدالله عبد المذل عبد المهين
محمد زكريا توفيق ( 2015 / 4 / 18 - 22:55 )
والله يا سيدي كلامك صح مئة في المئة. هذا التراث والأبقار المقدسة التي ورثناها لا تستحق سوى النسف من الجذور. لكن ما بالأمر حيلة، وشعوبنا مدمنة إدمانا لا شفاء منه. الإصلاح الديني، إن أمكن بصدق لن يبقى من ديننا سوى -بني الإسلام على خمس-. وسيذهب الباقي إلى غيابات الجب. يصنف على أنه من الممنوعات، من الخطر تناولها أو الاقتراب منها.


3 - ولو أولج حيوان قردا أو غيره في آدمي ولا حشفة؟؟
مجدي محمدى ( 2015 / 4 / 19 - 22:26 )

الكاتب الكريم د. محمد زكريا بعد التحية..
صدمت عند قرأة مقال الشاعر الكبير عبد المعطى حجازى فى الاهرام الاسبوع الماضى عندما تطرق الى مقرارت الازهر وبالاخص مقرر الفقه لسنة اولى سنوى ازهرى (١-;-٥-;- سنة) وقد تناول الموضوع ايضأ الاستاذ عامر صالح (http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=463559) وعقب الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق بقوله - من يقول ان التراث به اشياء عفنة هو اللى معفن- ...ولسيادتكم الحكم...وقد سمحت لنفسى ان اقترح على سيادتكم نشر بحث من عدة مقالات عن مناهج الازهر وخصوصأ الشاذ منها حتى يدرك المصريون خطورة وابعاد امتداد التطرف الفكرى وحتمية تنقية التراث. تحياتى واحترامى


4 - الأستاذ مجدي محمدي
محمد زكريا توفيق ( 2015 / 4 / 19 - 23:58 )
الأستاذ مجدي محمدي، شكرا لتواصلك الكريم. واضح أن هؤلاء الناس لا عقول لهم. إذ كيف يبقون على مثل هذه الأشياء في كتبهم؟ الأدهى أنهم يدافعون عنها بأموالهم وعيالهم وحياتهم. هل هذا معقول؟ لقد أصبحت مقتنعا بأن الدين والتدين أصبحا حالة مرضية ومسألة خطيرة للغاية. ولا يجب أن يسمح بالتدين إلا للأصحاء نفسيا والخاليين من الأمراض العصابية، بشرط أن يكونوا تحت المراقبة. إذا كيف نفسر وجود أناس تؤمن بإله يأمرهم بالقتل والذبح والنهب وسبي النساء والكذب والنفاق . كله لنصرة الرب المعبود. فهل هؤلاء يعبدون الله أم يعبدون الشيطان؟


5 - الكاتب الكريم د. محمد زكريا بعد التحية
مجدي محمدى ( 2015 / 4 / 20 - 09:17 )

الكاتب الكريم د. محمد زكريا بعد التحية.....
أولأ شكرأ على التواصل...ثانيأ أتفق تمامأ مع طرح سيادتكم حتى لو تم تكفيرى. تحية وتقدير لسيادتكم ولفكركم الراقى

اخر الافلام

.. سيناريوهات خروج بايدن من السباق الانتخابي لعام 2024


.. ولادة مبكرة تؤدي إلى عواقب مدمرة.. كيف انتهت رحلة هذه الأم ب




.. الضفة الغربية.. إسرائيل تصادر مزيدا من الأراضي | #رادار


.. دولة الإمارات تستمر في إيصال المساعدات لقطاع غزة بالرغم من ا




.. بعد -قسوة- بايدن على نتنياهو حول الصفقة المنتظرة.. هل انتهت