الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جذور الثقافة الداعشية

محمد حسام الرشدي

2015 / 4 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


غالباً ما يتم النظر إلى داعش على أنها حركة طارئة وليدة اليوم، تعمل بأجندة خارجية -الموساد، أمريكا، الماسونية. ووفق هذهِ النظرة فمشاكلنا كلها سببها التآمر الخارجي على شرقنا السعيد. وعندما نسأل لماذا هذهِ المؤامرات علينا نحن بالذات؟ تنهال علينا أجوبة أسخف من أن ننظر إليها.. فيقولون مثلاً إنها لسرقة ثرواتنا -وبالتحديد النفط- أو لتدمير حضارتنا لأن الغرب يشعر بالحسد من تاريخنا المجيد -حقيقةً لا أدري أي مغفل يمكن أن يحسدنا على معركة الجمل أو صفين؟!! بعضهم يقول إنها الحرب على الإسلام، فالعدو الخارجي يعلم أن الإسلام هو الحق المطلق الذي سينصف الشعوب ويقف بوجه مصالح الأمبرياليين والماسونيين -للآن عندنا إجماع أن الماسونية أخويات سرية هدفها السيطرة على الشعوب!.. 
الغريب أن هذا الرأي يتبناه العقلانيون العرب، أما المتطرفين؛ فالشيعة منهم يرون أن داعش هي أهل السنة والجماعة الذين هدفهم الرئيسي -بل همهم الوحيد- القضاء على تراث أهل البيت -المتمثل طبعاً بياسر الحبيب والله ياري، وما داعش إلا جزء من خططهم للقضاء على التشيّع.. أما المتطرفين السنة فيؤكدون أن داعش صنيعة النظام الإيراني والهدف منه تشويه صورة السنة والقضاء عليهم، وتعليلهم أن أغلب جرائم داعش كانت ضد أهل السنة. أما المسيحيين فيرون أنه مخطط إسلامي يهدف لتفريغ الشرق -مهد المسيحية- من المسيحين. هناك قسم آخر يرى أن داعش مجموعةً من المرتزقة التي تقاتل بهدف تشويه الإسلام. 
من أين أتت داعش إذن؟ 
تصعب الإجابة على هذا السؤال ما دمنا نرى داعش بهذا التنظيم الإرهابي الذي يسمي نفسه “الدولة الإسلامية”، ولكننا لو حاولنا أن نركز على الأفكار التي يقوم عليها هذا التنظيم فسنتمكن من أن نحدد بعض ملامحه، ومنها ننطلق إلى معرفة جذوره وهذا ما سنحاول العمل عليه في هذهِ المقالة. 
بدايةً إن أهم صفة لداعش -سنسميها الثقافة الداعشية- هي رفضها للآخر وعدم الاعتراف بأي تعددية فكرية أو ثقافية ومحاولة إلغاء المختلف معها مهما كان. هذا هو حجر الأساس في البنية الفكرية للثقافة الداعشية. هل يا ترى هي وليدة اليوم؟ لن أتكلم عن الجمل أو صفين أو حديث “من بدل دينه فاقتلوه”، ولن أتناول التاريخ المشرف لأبطال التراث -خالد بن الوليد، الحجاج، المختار الثقفي، أبن الزيات…، بل سأركز على الصراع بين العثمانيين والصفويين، لأنه مازال يلعب دوراً مهماً في حاضرنا. 
ينظر الشيعة إلى الدولة الصفوية نظرةً لا تخلو من القداسة، فحلمهم أن تعود أمجاد هذهِ الدولة، وهناك الكثير من شبابهم يرى بإسماعيل الصفوي نموذجاً يُقتدى بهِ، فهو الرجل الذي بنى إمبراطورية عظيمة -بنظرهم، وهو الذي حول إيران إلى بلادٍ شيعية بعد أن كان النصبُ -أي بغضِ عليٍ وآله- منتشراً فيها.. فمن هو إسماعيل الصفوي يا ترى؟ 
تولى اسماعيل الصفوي قيادة الحركة الصفوية عندما كان عمره 13 عاماً، وخلال سنوات بسيطة استطاع أن يبني إمبراطوريه قوية في إيران شملت العراق وأجزاء أخرى من آسيا، وقد اشتهر هذا الرجل بولعه الشديد بالدماء، فيقال إنه قتل أكثر من مليون إنسان خلال حياته، ويروى مثلاً أنه عندما فتح مدينة تبريز نصحه بطانته ألا يجبر السكان على سب الخلفاء الثلاثة وألا يمتحنهم بإهانة مقدساتهم، لأن ثلثي أهل المدينة كانوا من أهل السنة والجماعة.. ولكنه رفض هذهِ النصيحة وقال: “أنا مكلف بذلك، وأن الله والأئمة المعصومين معي ، وإني لا أخاف أحداً، فإذا وجدتُ من الناس كلمة اعتراض شهرتُ سيفي بعون الله فيهم فلا أبقي منهم أحداً”.  وتشير أكثر المصادر إلى أنه عندما احتل بغداد عام 1508 م فعل بأهلها مثلما فعل بالإيرانيين. 
ولم يكن الشاه اسماعيل استثناء بين الصفويين فلو أخذنا نموذجاً آخر وهو الشاه عباس الصفوي، لرأينا أن الثقافة الداعشية كانت ممثلةً بهِ خير تمثيل، فقد روي أن عباس هذا عندما فتح بغداد عام 1633 م فعل بأهلها مثلما فعل جدهُ اسماعيل بل زاد عليه بهدمهِ مراقد أبي حنيفة والشيخ عبد القادر الكيلاني، بل يروى أنه وزع دفاتر لتسجيل أسماء السنة بهدف القضاء عليهم. 
هذهِ صورة من الثقافة الداعشية عند الصفويين، الذين ما زالوا مقدسين عند شيعة العراق، أذكر مرة عندما قلت لأحد الأصدقاء -الشيعة- إن الدولة الصفوية كانت لا تختلف عن الدولة العثمانية استنكر كلامي وحسبه إهانة للتشيع. وأنا على يقين أن هذا الرأي سيغيظ السني أيضاً وسيراه إهانة للتسنُن أن أشبه الصفويين بالدولة العثمانية فلقد كنا أيام العثمانيين “أمةً عظيمة” كما يردد الببغاوات!.. 
العثمانيون لا يختلفون كثيراً عن اخوانهم الصفويين، فقد كانوا مثلهم مولعين بدماء الآخر، ويكفينا أن نقرأ تاريخ الشعوب التي وضعها سوء طالعها ضمن هذهِ الدولة البغيضة لنرى حجم الجرائم التي ارتكبها سلاطين بني عثمان في حق الشعوب الأخرى. لنأخذ مثلاً السلطان سليم الأول المشهور بياوز -حسب بروكلمان أن ياوز تعني القاتل أو القاطع أو الفاتك.. يروى عن هذا الياوز أنه نظم شرطةً سرية بهدف إحصاء الشيعة من أجل القضاء عليهم وقد استطاع من خلال هذهِ الشرطة أن يحصي ستين ألف شيعيٍ قتل بعضهم وسجن البعض الآخر. ويذكر الدكتور محمد نور الدين -المتخصص في الشؤون التركية: “أن السلطان سليم الأول اتهم العلويين الأتراك في الأناضول بأنهم يتآمرون مع الشاه إسماعيل الصفوي للسيطرة على الأناضول ونشر التشيع، فاستبق حملته العسكرية على إيران بسلسلة من المجازر التي ذهب ضحيتها أكثر من 40 ألف علوي، وكانت نقطة التحول في العلاقة بين العلويين والدولة العثمانية، الى أن جاء مصطفى كمال اتاتورك واعتمد النظام العلماني الذي رأى فيه العلويون بابا للنجاة من ظلم السلاطين العثمانيين “ بالمناسبة قد قدم اردوغان مشروع تسمية الجسر الثالث على البوسفور باسم جسرَ السلطان سليم الياوز.
قد يقول قائل إن هذهِ الجرائم كانت سمةً للعصور الوسطى، ومثلما كانت في منطقتنا كانت في مناطق أخرى، فمثلاً يمكن تشبيهها بمذبحةِ سان بارتيليمي التي حدثت في فرنسا عام 1572 حيث ذبح خلالها ما يرقى إلى 30 ألف بروتستانتي فرنسي على يد السلطات الكاثوليكية، ويمكن تشبيه الشاه اسماعيل والسلطان سليم بالملك شارل التاسع، فلماذا ظهرت داعش كوريث لهؤلاء السفاحين، ولم يظهر في أوربا وريث لشارل التاسع أو لويس الثالث عشر؟ 
السبب -برأيي- يكمن بالقطيعة مع التراث، أن داعش وغيرها مستمرة عندنا لأننا مستمرون بتبني الثقافية الداعشية، الأوربيون عاشوا هذهِ العصور ونجحوا بإحداث قطيعة بينهم وبينها، أما عندنا فما زلنا ندور بفلك تراثنا القروسطي، لهذا ليس مستغرباً أن نرى داعش والنصرة وعشرات غيرها، بل إن مجتمعاتنا ستبقى تنتج الجماعات الأصولية ما دمنا نفكر بعقلية الأصول القروسطية. الأوربيون يرون بالحروب الطائفية تاريخاً بغيضاً عليهم ألا يكرروه، بينما نحن نرى هذا التاريخ مفخرتنا وسر عظمتنا. لهذا لن تنجح كل محاولاتنا في تغيير هذا الواقع ما دمنا نتبنا لليوم هذهِ الثقافة الداعشية.
إن الجماعات المتطرفة وليدة ثقافة داعشية نشأت منذُ ألف وأربعمئة سنة وما زالت للآن تنمو وتكبر وتترعرع في مجتمعاتنا، إنها ليست قضية سنة ولا هي قضية شيعة، إنها ثقافة متجذرة في مجتماعتنا الشرق أوسطية. فالخطوة الأولى في الحرب على هذهِ الجماعات تبدأ بتغيير هذهِ الثقافة، وهذا التغيير لا يتم بدون إحداث قطيعة حقيقية مع التراث، أن تراثنا داعشي هذا هو الواقع، وهذهِ هي المسلمة الأولى التي علينا أن ننطلق منهانحو الإصلاح..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المشكلة اعظم من ذلك.
احمد حسن البغدادي ( 2015 / 4 / 19 - 09:50 )
تحية أستاذ محمد.

الحقيقة ان موضوع تغيير التراث الاسلامي مطروح على طاولة النقاش بقوة خلال العشر سنوات الاخيرة، التي شهدت تنامي متسارع بالاحداث الإرهابية الاسلامية في جميع أنحاء العالم.

ان المشكلة في الاٍرهاب الاسلامي، ليس كما في المسيحيين.
الاٍرهاب الاسلامي أسسه ومارسه وقام بافضع الجرائم ، مؤسس الاسلام نفسه، محمد نبي الاسلام، وجعل الاٍرهاب فرضا ً على كل مسلم في قرانه وحديثه، بل اعتبر ان من لايمارس القتل ليس مسلما ً( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض،... البقرة 85 )

اما في المسيحية، فقد تجاوز المسيحيون موضوع العنف المقدس، بان اتخذوا العهد الجديد من الإنجيل قانون للحياة، لانه يمثل تعاليم السيد المسيح السامية،التي تدعوا للمحبة والتسامح، وموعظته على الجبل، حين قال:
( احبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، صلوا لأجل الذين يضطهدونكم ويطردونكم من دياركم ..)

كما ان السيد المسيح عاش حياته مسالما ً طاهرا ً ، احيا الموتى و ابصر الأعمى،

اما محمد،
( عبس وتولى ان جاءه الأعمى ،،،،)

اما موعظة محمد على الجبل، فهي:

( امرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وإني رسول الله ...)

تحياتي...

اخر الافلام

.. الأردن في مواجهة الخطر الإيراني الذي يهدد سيادته عبر-الإخوان


.. مخططات إيرانية لتهريب السلاح إلى تنظيم الإخوان في الأردن| #ا




.. 138-Al-Baqarah


.. المقاومة الإسلامية في العراق تدخل مسيرات جديدة تمتاز بالتقني




.. صباح العربية | في مصر.. وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنائز