الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الذكرى المئوية لملحمة الإبادة البشرية : من سينصف الأرمن؟

علاء مهدي
(Ala Mahdi)

2015 / 4 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تمر الذكرى المئوية الأولى لجريمة إبادة الشعب الأرمني من قبل العثمانيين في هذا الشهر (نيسان 2015) ، الجريمة النكراء التي لم تعتمد بعد كونها ليس فقط جريمة إبادة بشرية بل لكونها من أعتى وأقسى الجرائم التي أرتكبت بحق شعب ما عبر التأريخ.
هذه الذكرى الأليمة يستذكرها بخشوع العالم المتمدن ومحبو السلام ودعاة الحرية والتنوير إحتراماً وتقديرا لأرواح أكثر من مليون أرمني تم تعذيبهم وحرقهم وذبحهم من قبل جندرمة السلطان عبد الحميد الذي أشتهر بإستبداديته وببطشه لجميع شعوب الإمبراطورية العثمانية ، السلطان الذي أصدر فرماناً إلهياً فوض فيه قواته "الحميدية " بالقضاء على الأرمن دون تهمة أو محاكمة أو سبب معقول.
في هذه الذكرى الحزينة تتهيأ الجاليات الأرمنية في بلدان المهجر لتنشر رايات الحزن والألم مناشدة العالم المتمدن لإعتماد أن ماحدث في عام 1915 للشعب الأرمني في تركيا كان مجزرة إبادة جماعية عانى منها الأرمن على مدى مائة عام دون أن يتم رد الإعتبار لضحاياهم الأبرياء ولعوائل الشهداء والمعذبين.
في الذكرى المئوية للمجزرة ، ستتعطل المدارس الأرمنية وستتوقف الأعمال والنشاطات ، حداداً على أرواح الشهداء الذين لم يتم إنصافهم بعد.
في هذه الذكرى ، سيستذكر كبار العمر والشيوخ قصصاً عن المجزرة ، وسينقلونها إلى الأحفاد والأجيال الجديدة ليس فقط إيفاءً لذكرى الشهداء بل تعبيراً عن سخطهم على نكران العالم وعدم إعترافه بالجريمة.
في هذه الذكرى ، وبالتحديد بيوم 24 نيسان من العام 2015 ستقرع أجراس الكنائس الأرمنية في العالم مائة مرة وبوقت واحد تضامناً مع كنائس يرفان وأرمينيا.
في هذه الذكرى سيحتج الأرمن متجمعين في الساحات والشوارع والكنائس وأمام القنصليات التركية وسفاراتها ليعبروا بإسلوب سلمي ومتحضر عن سخطهم وحزنهم وخيبة أملهم من الجرائم العثمانية والإهمال العالمي لهم.
على العالم أن يتذكر أن عمليات الإبادة الجماعية والتهجير لأسباب عرقية ودينية ماهي سوى مؤشر على أن منفذي تلك العمليات الإجرامية يحملون مشاعر إجرامية معادية للبشرية، وعلى الهيئات العالمية المختصة الإقتصاص منهم ليكونوا عبرة لغيرهم من الأنظمة التي تنوي ممارسة مثل هذه الجرائم خاصة عندما يتعلق الأمر بإتباع الديانات والمذاهب المختلفة. أن حرية الإعتقاد والإيمان بدين أو مذهب معين هي حرية شخصية كفلتها كل الشرائع السماوية والقانونية المتمدنة وليس من حق أحد أو دولة أو نظام أن يمنع شخصاً أو شعباً من ممارسة طقوسه الدينية بأي طريقة من الطرق.
لقد تفنن الأتراك في تنفيذ عمليات الإبادة الأرمنية ، فلم يكتفوا بتدمير وحرق القرى الارمنية بل كانوا يتقاسمون الأرمنيات ومن ثم يتم أطلاق النار عليهن أو ذبحهن ودفنهن في مقابر جماعية بعد ان يتم سرقة كل ما في حوزتهن حتى ثيابهن. كانوا يمنحون رجال الدين الأرمن أسلحة ومن ثم يوجهون الإتهام لهم بحيازتها وإيوائهم للثوار الأرمن في كنائسهم ودور العبادة ليكون ذلك حجة لإعدامهم وتدمير الكنائس أو تحويلها لجوامع. كانت عمليات التعذيب تتم في الشوارع والساحات عن طريق ضرب النساء والرجال بالسياط ومن ثم رميهم في الأنهر ومن يحاول السباحة يطلق عليه النار من بنادق الجندرمة.
شعب عريق تمتد جذوره التأريخية لآلاف السنين ويمتلك حضارات سامية كانت الأقوى والأفضل بين حضارات المنطقة لزمن طويل ، يتم تعذيبه بقسوة متناهية ، ويحرق مواطنوه وهم أحياء ، ثم يمثل بجثثهم بدون حياء ، وتدمر كنائسه وأماكن عبادته دون أعتبار خلقي أو إنساني ، وتحرق قراه ودور سكنه ، وتسلب ممتلكاته وتنهب حاجاته . جرائم يقشعر لها البدن ويندى لها الجبين وتشعرنا بالغثيان بسبب من رعونتها وقسوتها وبشاعتها. إن فظاعة الجرائم التي أرتكبت دون سبب معلن رغم مرور قرن كامل توحي بأن ماجرى لم يكن سوى مجزرة بشرية بشعة تم إهمالها لأسباب مجهولة.
أن ممارسات السلطات العثمانية ضد الشعب الأرمني بتلك الطريقة اللاإنسانية تستدعي التذكير والضغط على تركيا للإعتراف بها وتقديم الإعتذار الرسمي للشعب الأرمني وتعويضه عن تلك الجرائم وآثارها وتبعاتها النفسية التي عانت منها العوائل الأرمنية وإنشاء نصبٍ تذكارية ومتاحف في المناطق التي كانت مسرحاً لتلك الجرائم يكون ريعها مخصصاً لرعاية أسر الشهداء الأرمن.

-;--;--;-

ومما يذكر أن دولة ارمينيا قد تعرضت للكثير من الهجمات والغزوات والحروب عبر تأريخها خاصة من قبل الفرس والأتراك والعرب والبيزنطينيين والمغول والروس القيصريين حتى انها قسمت في النهاية إلى دولتين أحداهما ذهبت إلى تركيا وهي القسم الأكبر من أرمينيا والثانية هي دولة أرمينيا الحالية التي كانت إحدى دول الإتحاد السوفيتي السابق وتمثل القسم الأصغر منها. تلك الحروب والغزوات التي وقعت أحداثها على أرض أرمينيا جعلت من الفرد الأرمني مقاتلاً عنيداً وشديداً وصلباً. ورغم ذلك فإن هول الكارثة التي حدثت لهم في القسم التركي مابين 1894 – 1915 قد شتتهم فهاجروا هربا وقصدوا جنوبا سوريا وإيران بعد ذلك أنتشروا في بقية دول العالم حتى باتت لديهم جاليات أرمنية كبيرة في دول كثيرة. ويتصف الأرمن أيضاً بمهارات علمية وعملية ومهنية وحرفية عديدة وهم صناع مهرة وتجار موهوبون ، وفي كل المجالات التي يمكن حصرها وهم مخلصون ومتفانون في أعمالهم حتى باتت شهرتهم في هذا المجال بمثابة توصية طبيعية لمنحهم فرص عمل جيدة في أغلب الدول التي سكنوها.
أن توزعهم على بلدان العالم وتأقلمهم مع الحياة الجديدة في دول المهجرالمختلفة وضعف الإرتباط بالوطن الأم نتيجة الظروف السياسية التي مرت بها دولة أرمينيا والجزء المتواجد في شرق تركيا قد كان له تأثير مباشر على مدى إستفادة أرمينيا من أبنائها ومواطنيها من جانب وتأثير ذلك واضح إقتصاديا بالدرجة الرئيسية. كما أن اندماج العوائل ذات الأصول الأرمنية بالمجتمعات الجديدة قد خفف من المطالبة بحقوقهم المشروعة التي سلبت وتم التجاوز عليها من خلال مذابح الأتراك لهم قبل مائة عام ومع أن ذلك لايعني بالضرورة أن ارتباط الأرمن الوطني بأمتهم وبقضيتهم المصيرية قد تم تناسيها أو نسيانها لكن ظروف الحياة الجديدة ومتطلبات البناء العائلي والعملي وتوفير حياة بظروف معيشية مناسبة قد خفف من ارتباطاتهم السياسية بالقضية وبالتالي تدني مستوى الضغط الشعبي على المنظمات الإنسانية والعالمية من أجل تحقيق مطالبهم بالإعتراف بالمجزرة التي حلت بهم وبشعبهم الأرمني في الجزء المحتل من قبل تركيا.

-;--;--;-

ويعيد التأريخ نفسه ، فيتعرض اتباع الديانة المسيحية وأتباع الديانات والمذاهب الأخرى مثل المندائية والإيزيدية والشبك والكاكائية والبهائية والشيعة وحتى السنة لأسباب دينية وطائفية وعنصرية في مناطق كثيرة من الشرق الأوسط وبالتحديد العراق وسوريا لجرائم إبادة جماعية لاتختلف في أهدافها ومضامينها عن تلك التي مورسـت ضد الأرمـن. كما نستذكر هنا الممارسـات الإجراميـة التي تعرض لها يهود العراق فيما يعـرف بــ" الفرهود" خاصة ماحدث ببغداد يومي الأول والثاني من حزيران 1941، تلك الجرائم البشعة التي يندى لها جبين الإنسانية . أن ما تقترفه المنظمات الإرهابية الآن أيا كانت تسمياتها من عمليات ذبح وقتل وتصفية ماهي إلا ممارسات إجرامية كتلك التي تعرض لها الشعب الأرمني في الجزء الغربي المحتل من قبل تركيا. أن الإختلاف في الإيمان بدين أو مذهب دون آخر ليس سبباً للقيام بمثل هذه الجرائم البشعة والفظيعة. كما أن عمليات التهجير والتسفير لمواطنين من أراضيهم ومناطق سكناهم ودورهم والإستيلاء على ممتلكاتهم تعتبر من الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية وعلى المنظمات الدولية والدول التي تملك حق القرار أن تقوم بمحاربة هذه المنظمات فمسؤولية القضاء على الإرهاب المبرمج لم يعد من مسؤولية دولة معينة بل العالم بأجمعه .

-;--;--;-

أن العالم المتمدن مطالب اليوم وبمناسبة الذكرى المئوية للمحرقة برفع الصوت عالياً من أجل أنصاف الأرمن وتقديم الإعتذار لهم وتعويضهم عن الجرائم البغيضة التي ارتكبت بحقهم.
-;--;--;-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج


.. 101-Al-Baqarah




.. 93- Al-Baqarah


.. 94- Al-Baqarah




.. 95-Al-Baqarah