الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا والثورة الشيوعية... سرد تأملي مختصر... ما قبل الثورة (1)

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2015 / 4 / 21
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


لروسيا مكانة دولية كبيرة ومؤثرة لم تنتقص منها مسألة انهيار الاتحاد السوفيتي السابق؛ فلا تزال في موقع التأثير كقطب ثانٍ رغم كل الأحاديث الدارجة حاليًا عن العالم أحادي القطبية باعتبار الولايات المتحدة هي القطب الأوحد في العالم. لا أتفق مع هذا الحديث، وأؤمن تمامًا أن روسيا لا تزال قطبًا مؤثرًا في الشأن العالمي. حقًا ليس كما كان الحال في أيام الحقبة الشيوعية، ولكنها لا تزال مؤثرة، ولا أدل على ذلك من وجودها كلاعب مؤثر في الملفات الساخنة في العالم مثل الملف الأوكراني والأزمة السورية والوضع في اليمن والبرنامح النووي الإيراني.
ربما يتفق المرء أو يختلف مع التوجه الروسي في هذه الأزمة أو تلك، ولكن النقطة التي لا خلاف عليها هي أن روسيا الآن قطبًا ثانيًا في العالم، وللدقة يمكننا أن نقول إنه يأتي في المرتبة الثانية بالطبع بعد الولايات المتحدة التي استغلت الفترة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي في محاولة الاستياء على العالم، وهو ما كادت تنجح فيه لولا برز الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين لإعادة روسيا لوضعها الطبيعي في المنظومة الدولية.
وفي سلسلة المقالات هذه، سوف نحاول إلقاء الضوء على الثورة الشيوعية في روسيا على سبيل السرد المختصر لأبرز المحطات فيها، مع الانحناء أحيانًا نحو الواقع العربي في فترة ثورات الربيع الحالية، بهدف مقارنة الواقع الثوري الروسي بالواقع الثوري العربي إن جاز استخدام هذا التعبير. وسوف يكون السرد كما قلت مختصرًا بالإضافة إلى كونه انتقائيًا؛ بحيث ينتقي بعض المحطات الرئيسية في تاريخ الثورة الشيوعية منذ انطلاقها وحتى انهيار الاتحاد السوفيتي.
ولكن قبل البدء، يبرز سؤال: لماذا روسيا الآن؟!
الإجابة تتمثل في القول إن وقائع الثورة البلشفية مثيرة، والواقع السابق على الثورة البلشفية مماثل تمامًا لما هو قائم في العالم العربي. وبالتالي، كان من الضروري دراسة ما جرى في روسيا قبل الثورة وبعد الثورة للتعلم وللقدرة على قراءة ما يجري في عالمنا العربي حاليًا، وكذلك توقع ما يمكن أن يحدث في المستقبل.
إنها دراسة للعبرة إن جاز التعبير.

روسيا القيصرية... باختصار تفصيلي
من البديهي أننا يجب أن نتناول واقع الروس قبل الثورة البلشفية، وذلك قبل أن ننطلق في تناول الثورة نفسها ووقائعها، ومن البديهي أيضًا أن يكون هذا التناول مقسمًا إلى جوانب وأركان، وليس مجمعًا؛ لأن التقسيم قد يساعد في فهم تطور ما مستقبلي ربما حدث حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
كانت الامبراطورية الروسية تحت حكم الامبراطور نيكولاس رومانوف أو نيكولاس الثاني تحتل سدس مساحة اليابسة بما أدى إلى أمرين فيما يتعلق بالسكان؛ الأول كبر حجم السكان الذي كان يبلغ حوالي عشر سكان العالم أو أقل قليلًا، والأمر الثاني هو التنوع في عدد السكان؛ حيث كان هناك العديد من الأعراق والقوميات ومن أبرز هذه القوميات كان الروس الذين كانوا يمثلون ما يزيد على الـ55 مليونًا من عدد السكان، بينما يأتي الأوكران في المرتبة الثانية بما يقل قليلًا عن الـ23 مليونًا، بالإضافة إلى عشرات المجموعات العرقية التي يقدرها البعض بأنها تجاوزت الـ100 عرق وقومية، وهو ما كان يمكن أن يكون مصدر قوة للامبراطورية لولا السياسات الديكتاتورية التي اتبعها القياصرة بخاصة القيصر نيكولاس الثاني الذي كان الفلاحون يعرفونه باسم "بابا" في دلالة على محبتهم فيه، ولكن هذه التسمية سرعان ما تحولت إلى "نيكولاس الدموي" بعد أحداث الأحد الدامي عام 1905 التي قمعت أول مظاهرة حقيقية مطالبة بالإصلاح المعيشي في روسيا القيصرية، وهي الأحداث التي سوف نأتي على ذكرها قريبًا.

نظرة سريعة على واقع الزراعة والصناعة في روسيا القيصرية
هذا التجمع السكاني الكبير والمتنوع كان في غالبيته من الفلاحين؛ حيث تشير الإحصاءات إلى أن نسبة الفلاحين إلى عدد السكان في فترة حكم نيكولاس الثاني كانت حوالي 87%، بينما كانت نسبة العمال حوالي 1.5% تقريبًا، وهو الأمر الذي يعتبر مثيرًا للدهشة، إذا أدركنا أن الواقع الزراعي في روسيا كان صعبًا للغاية في وقتها؛ حيث كانت المساحة القابلة للزراعة في الامبراطورية الروسية تقدر بما لا يزيد عن الـ10% في ظل وجود الصحراء الجليدية في الشمال، والصحراء القاحلة في الشرق والجنوب. هذه المساحة الضئيلة إلى جانب الظروف السيئة للغاية للمزراعين بسبب تحكم الإقطاعيين في الأراضي الزراعية كان من شأنها أن تجعل مواطني الامبراطورية يفرون إلى المجالات الأخرى، ولكن الأمر لم يسر على هذه الوتيرة للعديد من العوامل. فما أبرزها؟!
من أبرز هذه العوامل أن القطاع الصناعي لم يكن بأفضل حالًا من القطاع الزراعي، بل ربما كان أسوأ بكثير؛ فعدد ساعات العمل كان رسميًّا 10 ساعات طيلة أيام الأسبوع عدا يوم واحد إجازة، بينما كان الكثير من العمال يعملون لعدد أكبر من ذلك قد يصل إلى 12 ساعة. كذلك كانت المصانع غير مؤهلة إطلاقًا لحماية العمال من درجات الحرارة المنخفضة، مما كان يودي بحياة الكثير من العمال.
أيضًا لم تكن هناك شبكة طرق رئيسية بين أقاليم الامبراطورية؛ مما كان يجعل من الصعب التنقل بين الأقاليم المختلفة، وهو ما كان يدفع المواطنين إلى البقاء في أماكنهم، مما كان يعزز من فكرة العمل في الفلاحة بدلًا من العمل في الصناعة، حتى ولو كان ذلك في صيد الأسماك، نظرًا لأن الظروف لم تكن مواتية للعمل في البر، فما بالنا بالعمل في البحر؟!

الواقع السياسي
كانت السلطة مكرسة في يد القيصر، الذي كان يستطيع أن يحكم بما يشاء دون أن يعقب أحد على حكمه؛ فقد كانت سلطته مطلقة بالمعنى الحرفي للكلمة. وكان يحيط به طبقة من النبلاء والأصدقاء، إلى جانب البرجوازيين، الذين كانت ثروتهم تفوق في بعض الأحيان ثروة النبلاء وأصدقاء القيصر، ولكن هذه الفئة الأخيرة كانت أكثر نفوذًا من البرجوازيين؛ حيث كان يختار القيصر منها الوزراء وكبار رجال الدولة.
كذلك كانت القوانين تصب في مصلحة هذه النخبة الحاكمة التي يمكن أن يطلق عليها التعبير الدارج في الأوساط العربية وصفًا لزمن الإقطاع وهو "مجتمع النصف في المئة"، كما كانت الصحف تخضع للرقابة الشديدة بحيث كانت الصحيفة التي تتجاوز في انتقاداتها للسلطات حدًا معينًا تلقى مصيرًا معينًا، والحكايات كثيرة عن السجون القيصرية، وما كان يحدث فيها، وهي السجون التي لا تختلف بقدر كبير عما يحدث في سجون عالمنا العربي الكبير...!!

لم ينته استعراض ما كان قائمًا في فترة ما قبل الثورة البلشفية فهو كثير، ولم تنته محاولتنا الاستقصاء والاختصار دون إخلال. وعلى أية حال، التاريخ واسع وكبير، وعلى المرء أن يكون حذرًا في محاولاته قراءة أحداث التاريخ واستخلاص العبر منها؛ فهو في يوم من الأيام سوف يكون تاريخًا يدرسه آخرون ويحكمون عليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الترجي التونسي يستضيف الأهلي المصري في ذهاب الدور النهائي|#ه


.. الوصل يحقق انتصارا تاريخيا على النصر ليتوج بكأس رئيس دولة ال




.. لماذا تخاف إسرائيل من مخيم جنين؟


.. شهيدان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في مخيم بربرة وسط رفح جنوب




.. مطعم للطاكوس يحصل على نجمة في دليل ميشلان للمطاعم الراقية