الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما جففت المسيحية مستنقعات الجمود والتعصب

طلال شاكر

2005 / 9 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المسيح والمسيحية والمسيحيون مضمون واحد لفكرة ضميرية واحدة في نقائها الامثل ، وبعدها الروحي والانساني المتسامح والمتفاني ، كما اراده لها أباؤها وروادها واتقيا ؤها في سجيتهم الصافية الاولى، وهم ينثرون فوق هامات البشر بذور التاخي والسلام والتسامح المقطوفة من اخلاقية ومحبة واخلاص السيد المسيح للانسانية ، وهو يحمل في روحه تعاليم المسيحية في تسامي فكرتها الجوهرية النبيلة من اجل خير البشرية وخلاصها من شرور الخطايا التي بها وعليها، كمبادئ و ممارسة تسير نحو استعذاب التضحية والآيثار، من اجل محبة الاخرين وسعادتهم حتى لو كانوا اعداءً، كما جسدها المسيحيون المخلصون في مختلف الازمان والظروف. ان ما اكتبه بروح قلمي في هذه اللحظة ، دواعي اثارتها في نفسي رسالة قصيرة كتبها لي احد الاخوة المسيحييين ولم يذكر اسمه ووقعها(م.أ) رسالة تفيض بالمحبة ونبل المشاعر والموضوعية تطلب مني التفهم والمودة ازاء مانختلف عليه رغم اني في مقاييس الايمان المحض ربما كدرت خواطرالاخوة المسيحيين الذين قرأوا مقالتي في احد اعداد صحيفة الحوار المتمدن الالكترونية الاثيرة، ومنهم كاتب الرسالة المحترم ، عندما تناولت قضية ايمانية حساسة تستأثر برفعتها عند المؤمنين المسيحين بجفوة القلم ( وبعقيدة علمانية فائضة) وكان هنالك سبيلاً مرناً اخرلتناولها دون ادوات معرفية حادة في نطاق محاورة هادئة. في هذه اللحظة اخذتني تأملات الموضوع نحو مكونات الثقافة ودورها واهميتها في اطفاء جذوة التعصب ونوازع الاحتقان الايماني، وتساءلت كيف تنامت تلك الثقافة والتربية في نفس ذلك المسيحي الذي بعث لي برسالة يفوح منها شفيف الكلمة الحلوة وتساميها رغم شدة رأيي بالنسبة له وكان بأمكانه على الاقل ان يشتمني .بلاشك انها منافذ التربية المسيحية السمحة في موقعها الصحيح وفي ردائها المدني والانساني المتحضر، عندما خرجت من استحكامات العقيدة المتعصبة وحولت تعاليمها ووصاياها وارشاداتها الى مقتضيات ضميرية حرة . المسيحية كديانة وتعاليم مرت بأدوار وظروف تاريخية مختلفة ،فصفاؤها الاول وتضحية اتقياءها ونبل مواقفهم ضيعه وشوهه الاباطرة والامراء والاقطاعيون وفرسان التعصب ، بابوات واساقفة وكنائس فاسدة ، وفي كل وقفة يدفع المسيحيون المخلصون ارواحهم ثمناً للاصلاح والتغيير ضد تلك المنظومات الفاسدة، وفي مجرى الكفاح انقسم المسيحيون مذاهباً وكنائس ومرجعيات مختلفة ومتعددة لكن الكفاح من اجل اصلاح الكنيسة وتنقية المبادئ التي حملها السيد المسيح، ظل مستمراً ومتواصلاً ومر بادوار ومخاضات عصيبة، ومنذ القرن الرابع عشر وقبله والاصلاح الديني رسم طريقه بثبات نحو الجسد الذاوي للمسيحية ولم يتوقف هذا الاصلاح وهو يصارع المتشددين والمتعصبين، بالطبع لم يكن ذلك بمعزل عن بزوغ وتطور الفكر المدني النهضوي بصيغه المختلفة ومدارسه المتعددة في اوربا بمصليحيها ومتنوريها.لقد اعطى ذلك الاصلاح والتقويم المستمر للمسيحية في ترابطها وتطورها مع الحياة امكانية واقعية لاداء مهامها ودورها بمرونة وانسيابية. عندما افترقت عن معاصي واشكاليات الدولة واعطت للحياة وتكويناتها المدنية الجديدة الفرصة للعمل والنشاط غير المقيد باعباء النص المسيحي بمنظوماته وقدسيته رغم وجوده كتعاليم ومبادئ، لانها ابقت الحلال والحرام خارج منطوق الويل والثبور، مما اتاح للضميرفسحته واريحيته في رسم وصياغة علاقته بربه ومعتقده دون وصاية اواكراه. لقد تحولت المسيحية الى اخر سامي ضمن البنية التعددية الفكرية والثقافية في الغرب وفي ثقافة المسيحيين العامة، وامتلك المؤمنون المسيحيون الحرية في رفع المقدس الى اي سمو ودرجة رفيعة يردونه ويضعونه في ارواحهم وضمائرهم كاحرارومؤمنين كاختيار مفتوح، وبهذا اجلت واحترمت المسيحية مؤمينيها، فاحترمها المسيحيون وتفاعلوا معها في رحاب حر ممتد والحديث طويل. وهذا لايعني ان الامور كلها سارت وتسير في نسقها المثالي بدون عوارض اوسواتر اوتعصب اوالتباس. عندما تعرضت لهذا الموضوع الحساس فذلك انطلاقاً من فهم الاخر في نطاق منظومته المتسامحة وبعدها الانساني، والمسيحية ليست بحاجة الى من يقدمها اويدافع عنها بشكل مداهن اومرائي وهي لاتتشرف بموقف لايحمل مقاصده النبيلة. لقد اثارت رسالة ذلك المسيحي النبيل بواعث رغبتي لاخذ الموضوع في وشائجه الانسانية وابعاده الملموسة في صورة الثقافة وملامحها الجميلة عندما تنأ ى عن الغلو والبشاعة، كشجرة خضراء تسر ناظريها وفي ظلالها الوارفة يحتفظ فيها المادي بيسر المسافة التي تقربه من المؤمن في رحاب ثقافة الاعتراف بالاخر واحترامه ، وانا كمسلم عالماني اجد التلاقي في منتصف الطريق ممكناً ، وبالتالي اكافح في سياق انساني ودوافع مجردة لعرض وتقديم مقاربات خارج الترجيحات والافضليات ، بمعايير فهم الدين والايمان من هذا الموقع اوذاك . فانا مازلت اعتقد ان ثقافتنا الايمانية كمسلمين بحاجة الى نقلة نوعية جريئة تنقلها ضمن المديات الاجتهادية الرحبة تتجاوزمنظوماتها القسرية وقيود الخوف التي تلازم المسلم وحياته الايمانية من سلطات متعددة و هذا يعني اخراج نصوص ارتكازاتها من عبودية تاويلاته وتفسيراته من قبل ذهنيات متحجرة تحشر انفها في اختيارات الناس وحريتهم الشخصية. فمصالح المسلمين كبشر ينبغي ان تكون في رحاب الحياة وضرورتها وليس في ذمة نص ملتبس يستعصم في كهف صناعته وميول وانحياز هذا المذهب اوذاك اوفي ذمة هذا الفقيه او ذاك لمصلحة هذه السلطة اوتلك، حتى يتسنى للايمان واهله ان يتواشجوا في تلاوين الضمير وفضائه المفتوح، لينجز المسلم فرائضه وهو مسترخي غير مرتعش بدون نواهي الحلال والحرام في احكامها المتعصبة والجبرية، من منطلق الايات الكريمة( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ( ان الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء) (وجادلهم بالتي هي احسن ) في هذه النصوص ثمة مقاربة بين مرونة النص ومقتضيات الحياة كممارسة وضمير ينبغي ان يتحركان في مديات ثقافة ايمانية حرة خارج عبودية التاويل وسلطته المطلقة. على اية حال لقد اعطت رسالة ذلك المسيحي الشجاع فكرة طيبة عن التسامح وهويجسد انسانية ثقافته الايمانية، وكم كنت تواقاً لرؤية ثقافة ايمانية مسلمة متسامحة مرنة ناخذها بالمحبة والاحترام، ولاتأخذنا بالخوف والرهبة، غير مضطرين ومحاذرين ان نستظل بمخاتلة المفردة ونحن نحاور ونكذب ونداهن عندما نقترب من التباسات مقدسنا وفي دواخلنا نزعات كرهنا له وكرهه لنا، لاننا لم نتحاور ونتفاهم في نطاق ثقافة الحياة والق الضمير بعيداً عن نصه ونصنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah