الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التضحية كُرمى المتخيل والتهرب عن أداء واجب الموجود

ماجد ع محمد

2015 / 4 / 22
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


يُصرِّح مراقبٌ قائلاً: لا زلتُ مندهشاً من قدرة شخصٍ لديه كل الاستعداد لأن يكون القُربان الدائم من أجل شيء لم يراهُ، ولا طمأنه أحد العائدين على وجود ما سيموت من أجله، مقارنة بمن يرى كل الأشياء الحقيقية التي حلم بها طويلاً أمامه ولكنه غير مستعد للتمرغ في نار واقعيتها، بعدما كتب آلاف البيانات لبلوغها، ودوَّن مئات القصائد في غيابها.
وبعيداً عن الروايات التي عوضت بعض الناس عما كانوا يبحثون عنه عدة ساعات، وبعيداً عن قدرة الأفلام السينمائية في خطف ألباب المُشاهدين لِلحظات، فهل يا تُرى غدا الحلم بالوطنِ أهم من الوطن نفسه؟ حتى تاهت بالناس الخطوات الى هذه الدرجة المحيرة بين حس الانتماء واللاانتماء، والتي تشير الى تضارب الموقف من الوجود وعدمه، بين وطنٍ موجود ووطنٍ نبحث عنه لنوجده، فيتبعوا متلهفين أثر الشيءِ أو ينتظروه عشرات الأعوام بحماسٍ مبالغ فيه، وإن صار قاب قوسين من التحقق يروا ونرى أنفسنا معهم وقد فترت هِممُنا، وبرد توقنا الى ما كنا نصبو إليه معهم طويلاً.
ولعل بوسعنا القول بأن سطوة المتخيل ما كان ليدوم لدى المتطرف الديني إلا لأنه غير قابل للتحقق؟ وأن الاستحالة هي التي تجعل المهووس بالمغانم الغائبة عن بصره دائم الاشتعال رغبوياً، بما أن إمكانية العيش هناك لا تزال غير مؤكدة من الناحية العلمة، وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني إطالة عمر التطرف الى أجلٍ غير مسمى، ما دامت الأشواق ستبقى متأججة والخواطر منصبة نحو ما هو غير موجود أصلاً، وقد يبقى وجوده محصوراً ضمن نطاق المخيلة لا أكثر، لكن مع ذلك تصيبنا الدهشة عندما نقارن بين قدرة التضحية من أجل تحقيق الغاية والهدف لدى الراديكاليين الدينيين وبين العلمانيين المنتمين قلباً وقالباً الى هذا العالم، فالمتعلق بأذيال الآخرة بالرغم من عدم تأكده فيما إذا كان سيصبح من الفائزين في ديار خالقه، أم محروماً من تلك المُتع التي قدم روحه وجسده قرباناً على طريق الوصول إليها، بينما الوجودي الذي يرى أمامه كل شيء مما يناضل من أجله، حيث يلمسه، يحسهُ، يتذوقهُ، يعيشه بالحواس الخمس، ومع ذلك يبقى باهت الحماسة في الدفاع عن موجوداته، وبخلافه نرى الجيشان الشعوري في أتم وهجتها لدى من يُكافح من أجل اللاموجودات في عالمه، ومثالنا الأقرب هو الشخص الكردي الدنيوي الذي ناضل عشرات السنين من أجل قضية شعبه ووطنه المسلوب، القضية التي من المفروض أن تكون أكثر سمواً باعتبار أنها تتجاوز الحالة الشخصية للفرد، مقارنةً بالمتطرف أياً كانت هويته فهو بالنهاية غير مشغول بفكرة الفوز الجماعي، إنما الغاية الشخصية لبلوغ الهدف هي الأصل لديه، فالداعشي مثلاً لا يموت إلا عندما يضع نصب عينيه بلوغ الملذات التي سيحظى بها بعد أن يُفدي بنفسه كرمى بلوغها، بينما المواطن المنتمي الى هذا العالم والذي لديه هدف جماعي وغاية كلية، أي أنه ليس ملك نفسه فقط إنما هو ملك مجتمعٍ وقضية، فتراه دون المستوى الاندفاعي المطلوب اسوةً بقرينه المدجج بالخيالات الثيوقراطية، مع العلم أن الكائن الوجودي والذي يدافع عن قضية موجودة على الأرض وليس بعدها أو ما وراءها من المفروض أن تكون إمكانية التضحية لديه أقوى من ذلك الذي يكون مشروعه الشخصي في خليج الملذات أبدى من كل الجماعة، ولكن مع ذلك الصورة معاكسة تماماً، فالمتدين الذي لم يحصل على أي صكٍ يضمن فوزه في عالمه المفترض بعد الذي سيخسره مما يمتلكه هنا، تراه أكثر قدرة على التنازل عن كل شيء من ذلك الذي يدعي بأنه داس على الجزء كرمى صعود الكل، وتأكيداً على ذلك نرى بأن المتطرف الاسلامي يقطع مسافة المئات من الكيلومترات ليصل الى المناطق الساخنة في الشرق، المناطق التي يرى بأنها جديرة بأن ينقضي على ترابها كآخر حلقة من حلقات وجوده في العالم، فينتهي مشوار حياته على البسيطة من أجل غايته الماورائية، الغاية التي لم يؤكد أحد العائدين حقيقتها حتى الآن، أو حتى ماهية المغانم التي قد يحصل عليها لاحقاً كل عشاق الملذات اللامرئية، مع ذلك لا يبخل بجسده وروحه كرمى ذلك الهدف، بينما الكردي السوري ـ وأنا لستُ بعيداً عنهم ـ فمجرد فكرة الدفاع عن ترابه غير واردة لديه الآن، وليس لديه أي هاجس يحضُه لأن يكون ولو مجرد حارس في تخوم بلدة من بلدات بلاده، هذا إذا ما أبعدنا عنه كلياً فكرة الدفاع عن الأرض حتى الموت، ما يعني بأن الأحزاب الكردية التي كانت تؤلف القصائد والتراتيل القومية والوطنية لعشرات السنين، لم تكن ربما تقصد الوطن الحقيقي المُعاش، إنما لعل الوطن المتخيل هو الذي كان يُشغلهم آنذاك، الوطن الموجود فقط في الملاحم والقصص والروايات والأغاني، وليس الوطن الحي المعلوم والملموس جغرافياً وبشرياً، وهذا للأسف إن دل على شيء فهو يدل على أن الأحزاب الكردية ربما تكون قد نجحت في تأليف الأغاني وإيصال الشكاوي والنواح ونشر البيانات، ولكنها فشلت في أن توائم بين الانسان والوطن كحجر وشجر وبشر وتراب، وربما تكون قد فلحت فعلياً في خلق حالة الكراهية للتراب والقضية لدى أغلب المنتمين الى تلك الجغرافيا، وساهموا فعلياً في نفور الناس من وطنهم.
ولا شكَ بأن من بلغ مرتبة الأستذة في خلق حالة الكره لكردستان كبقعة جغرافية حقيقية مُعاشة، من خلال الممارسات المشينة هم الآن حزب الاتحاد الديمقراطي وفي أكثر من مكان، أي ذلك الفرع السوري من الشجرة الأوجلانية التي بسطت ظلها في فترةٍ من الزمن على الجهات الأربع من كردستان الحُلم، وبكل تأكيد ليس كردستان الواقع كما تشير الى ذلك ممارساتهم اليومية المستمرة على الأرض منذ عدة سنوات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيوعيون الروس يحيون ذكرى ضحايا -انقلاب أكتوبر 1993-


.. نشرة إيجاز - حزب الله يطلق صواريخ باتجاه مدينة قيساريا حيث م




.. نشرة إيجاز - حزب الله يطلق صواريخ باتجاه مدينة قيساريا حيث م


.. يديعوت أحرونوت: تحقيق إسرائيلي في الصواريخ التي أطلقت باتجاه




.. موقع واللا الإسرائيلي: صفارات الإنذار دوت في قيساريا أثناء و