الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عزيزتي المرأة المصرية، نعم أنت عنصرية

جيلان صلاح

2015 / 4 / 25
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


"أنت داخلة على النار حدف!"
"دينا الراقصة دي لها نار لوحدها هتتشوي فيها."
"شفتو اللي حصل لباسمة وهبي، أظن عقاب ربنا لها بالسرطان هو أكبر دليل لنا من ربنا على إننا صح."
...
البداية كانت مع عملي في الحكومة، تابعة لإدارة صحية ما، كنت فيها –تقريباً- المسلمة الوحيدة غير المحجبة، هذا لو صنفنا التصنيف الديني والذي أكرهه كثيراً لأنه لا يعبر عن هوية الانسان الحقيقية المجردة من أي تصنيفات مجتمعية وأرضية.
دكتورة هدى –وهي نموذجنا العنصري المصري النسائي لحلقة اليوم- هي امرأة ثلاثينية عادية يمكن أن يقابلها أي منا في أي مكان. ليس بها ما يميزها سوى ربما أنها بيضاء البشرة، وهذا لمن لا يعلم بونط إضافي يضاف للمصري أو المصرية دونما مجهود من جانبه، وأنها متزوجة، مما يعني أنها صعدت درجة في السلم الاجتماعي، خاصة كونها تزوجت في سن صغير للغاية، أو أن هذا ما ظننته. فقد اكتشفت أنني الوحيدة التي ترى 23 سنة سناً صغيرة جداً للزواج. دكتورة هدى أيضاً لديها من الأبناء بنين وبنات، مما يجعلها مستوفاة كافة الشروط المجتمعية التي ينتظرها من المرأة بشكل عام، ولن تتعرض بالتأكيد لأسئلة محرجة من نوعية "إمتى هتخاويهم؟" أو "مافيش حاجة جاية في السكة؟" والتي تتعرض لها أي امرأة متزوجة مر على زواجها تقريباً أسبوع.
هل يشعر أحدكم بالدهشة؟ لماذا؟ كثير من الفتيات يحملن ليلة الدخلة، نظراً لخوفهن المرضي من أن يتسبب تأجيلهن للحمل في عقمهن. كلام طنط فلانة وعمتو علانة ومدام س والحاجة ص يلتصق بالجمجمة أكثر من كل ما درسنه في كليات "القمة" الطبية والتي دفعن من أعمارهن وأعصابهن سنوات وسنوات في جنباتها، فقط ليتخرجن منها مثل أمهاتهن وخالاتهن وبنات عمهن.
لا يجب أن تشذ واحدة عن القطيع، وإلا كان مصيرها النبذ. وما أدراك ما النبذ في المجتمع المصري العظيم. ستقاطع طنط فلانة أم الفتاة المنبوذة بل وستحرض صديقات وقريبات أخريات على مقاطعتها. أو –في وضع معكوس- ستقاطع الأم صديقاتها وأخواتها لما تسمعه يومياً من الكلام المسموم أو الفخر بأبناء الابنة التي تتمتع بخصوبة عالية وأمومة فطرية.
"الواد يوسف ما شاء الله، بقى بيعد من واحد لعشرة بالإنجليزي."
"البت جودي هاتك يا رقص قدام التليفزيون، ولا صافيناز."
"عبد الرحمن، اسم الله عليه، كمل خمس شهور ونص!"
ليس هناك أحاديث في أرض النساء سوى عن الأبناء والأولاد. هؤلاء البشر نسيوا تماماً أن هناك حياة أخرى بعيداً عن الصحة الإنجابية والتوعية بتطعيم شلل الأطفال ومقاسات الحفاضات وأنواع اللبن الصناعي. كل هذه المواضيع –سيداتي آنساتي- قد تكون غير ذات أهمية لامرأة عشرينية أو ثلاثينية أو –شهقة- أربعينية مصرية "عادية كدة زينا."
"...عادية زينا، تصوروا؟"
أول مرة تكشفت لي إحدى ملامح شخصية دكتورة هدى كانت عندما سمعتها تعلق علي بهذه الجملة المريبة لواحدة من زميلاتنا. اكتشفت أنها تقصد أنني مسلمة، وهو الاكتشاف الذي أدهشها دهشة تامة نظراً لعدم ارتدائي الحجاب.
"معلش أصل أنا كنت عايشة في السعودية، وهناك أنا وصاحباتي كلنا اتحجبنا من 14 سنة."
عظيم، أنا أيضاً ظننتك من كوكب عطارد يا مدام هدى، فأنت لا تستمعين لباخ ولا ليست ولا تشايكوفسكي، وبالتأكيد لا تعرفين من هو تيرينس ماليك وما الفارق بين سينما مارتن سكورسيزي وكوينتين تارانتينو، كما أنك في حياتك لم تستمعي لشريط روك.
"هو أنا فاضية؟ الأولاد واخدين كل وقتي، ما أنتي لو عندك ولاد، كنت حسيتي قد إيه الوقت بيضيع وقد إيه الوقت مالهوش قيمة."
رغم أنني غير مقتنعة بتبريراتك، عزيزتي، إلا أنني أريد أن أفهم؛ ماذا عن قبل الزواج والإنجاب؟
"المذاكرة كانت واخدة كل وقتي."
أوه!
دكتورة هدى متزوجة من رجل يكبرها بأكثر من 10 أعوام. زيجة تقليدية صالونات طبعاً والتي بررتها هدى بأنها حدثت لأن "العرسان كانوا بيجولي من ثانوي، وبابا كان مخضوض، أنا كمان طول سنين الكلية كنت في حالي، ماكلمتش ولد، وجوزي راقبني مرة وأنا خارجة من الكلية وانبهر بأخلاقي وأدبي، وهو ده اللي خلاه يتقدم، حتى لو كان حاول يكلمني ماكنتش هرد عليه."
ربما يكون غريباً أن ترى دكتورة هدى تتنصت على محادثات زميلاتها العازبات وتنقلها –مع بعض التوابل- إلى بقية الزميلات والموظفات.
"وهي بتكلم ولاد الموكوسة دي؟ يخيبها، ماهو عشان كدة مش هتتجوز!"
بالطبع كانت نظرتها للأمور أحياناً تخيب، وتتزوج فتاة كانت تراها منحلة –بمقاييسها الأخلاقية- للغاية قبل فتاة أخرى كانت تثير إعجاب وشفقة دكتورة هدى لعدم زواجها حتى الآن.
الوكسة في عالم النساء هو عدم التحصل على عريس. كل فتاة غير متزوجة حزينة منكسرة إلى أن تثبت العكس. وإذا أثبتت العكس، فهي منحلة، صايعة، لها حياة جنسية منفتحة بعرض التايتانيك، وتبدأ دكتورة هدى في تحليل شخصيتها بالقلم والمسطرة، مدللة على التصرفات التي أكدت لها انفلات وانحلال هذه البنت.
في موقف عنصري لطيف، كانت ابنة الدكتورة هدى معها في مقر العمل. ذهبت لأداعبها لأجد الطفلة منكمشة إلى جانب أمها، وغير متفاعلة. تسأل زميلة دكتورة هدى عن السبب، فتجيبها في ثقة،
"بنتي بتخاف من غير المحجبات. عشان طول الوقت شايفاني أنا وماما وحماتي وعماتها وخالاتها بالحجاب، فأي حد مش لابس حجاب بتخاف منه."
أوه!
عزيزتي دكتورة هدى، هل أخبرك أحد يوماً عن معنى العنصرية؟ هل تخيلتي ليوم في حياتك التي تفنينها في صبغ شعرك لزوجك، أو كي بناطيل أبناءك الذكور، أو التهرب من العمل بحجة دروس أبناءك الخصوصية أو قضاء يومي الجمعة والسبت في النادي مع حماتك وأمك، أن أحداً سينعتك بالعنصرية؟
هل فكرتي أصلاً في العنصرية التي تشربينها لأبناءك، لمن حولك، للشكوك التي تزرعينها في قلوب كل أولئك الذين تقابلينهم؟ هل تخيلتي للحظة أنك بمقاييسك الدينية أسوأ من راقصة تتعرى كل يوم وتكشف "جسدها" الذي "تخفينه" لأنها لا تتحدث عن أحد بسوء، ولا ترمي الفتيات بما ليس فيهن، ولا تنشر الكراهية والشك في النفوس، ولا تحاول اكتشاف ال "فضائح الأخلاقية" التي حالت دون زواج فلانة حتى الآن، رغم أنها اقتربت من عامها الثلاثين.
عزيزتي، هل تذكرين اليوم الذي أبكيتي فيه تلك الزميلة الثلاثينية؟ دعيني أخبرك...
كانت تتحدث إليك في مواضيع شتى فنصحتيها بالزواج، عندما حاولت تغيير الموضوع، أرهبتيها، مارست عليها القهر المجتمعي ببراعية قد يحسدك عليها رؤساء دول قمعية شمولية عتيدة، هددتيها "كأخت وصديقة" بأن تلاقي مصير مثيلاتها من اللائي لم يتزوجن؛ النبذ أو العزلة الاختيارية. أخبرتيها بقصة سين وصاد "اتنين أصحابي ماتعرفيهومش"، واللاتي فات كليهما قطار الزواج. سين اختارت العزلة الإجبارية، ارتدت الخمار ثم النقاب، وانزوت في بيت أمها لا تخرج منه إلا لدروس تحفيظ القرآن، أو لحضور احتفاليات يوم اليتيم التي تنظمها الجمعيات الخيرية الإسلامية.
"عشان تعوض يا عيني حرمانها من الأطفال."
أما صاد فاختارت الطريق الأسود. احتالت على أزواج صديقاتها المتزوجات، وأخذت تتنقل من علاقة لأخرى حتى طالت سمعتها المدينة كلها.
"مافيش واحدة تآمن لصاحبتها المش متجوزة، هتخطف جوزها منها بأي وسيلة، عشان كدة ما ينفعش تخلي علاقتك قوية بصاحبتك اللي لسة ماتجوزتش، وأنتي كدة كدة هتنشغلي عنها يعني في البيت والأولاد"
هل ذكرتها بهذه المقولة العظيمة؟ كنت تقصينها على مسامع بقية الزميلات بينما الثلاثينية الباكية غير موجودة، حمدت الله بعد أن قلتها أنها ليست في الغرفة، لكنك تناسيتني عن قصد أو ربما عن غير قصد، من يعرف؟ ربما يا عزيزتي أنا "لسة صغيرة" ولا خوف مني، وربما كنت تحاولين تحذيري من مصير السابقات، قبل أن يفوت الأوان.
عزيزتي دكتورة هدى، أنا أعترف الآن بأنني حقاً أمل حديثك عن أطفالك. أعترف بأنني اشمئززت منك عندما تشفيت في بسمة وهبي المذيعة لأنها أصيبت بالسرطان بعد أن خلعت الحجاب، أعترف أنني أجدك شخصية جاهلة متبلدة المشاعر، وأعترف أن شكلك في الحجاب الخليجي يثير سخريتي خاصة وأنك تظنين نفسك في قمة الأناقة.
عزيزتي دكتورة هدى، أعترف أيضاً أنني كنت جبانة ولم أدافع عن تلك الثلاثينية البائسة والتي دفعها حديثك المسموم إلى زيجة من رجل يكبرها بإثني وعشرين عاماً، يذيقها كل يوم ألوان الهوان. كما أعترف أنني أخجل من نفسي لعدم وقوفي أمام عنصريتك المريضة أنت وأمثالك من النساء الفاشلات انسانياً واللاتي لا تفعلن شيئاً سوى إنجاب المزيد من الدواعش في مجتمعنا في البائس.
عزيزتي دكتورة هدى، نعم، أنت عنصرية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضجة في لبنان بعد الكشف عن عصابة -تيكتوكرز- تستدرج الأطفال لا


.. من بينهم مشاهير في تيك توك.. عصابة -اغتصاب الأطفال- في لبنان




.. كل الزوايا - سارة حازم: الرئيس السيسي أكد على دعم المرأة الم


.. المشاكل الأيكولوجية والحلول بوجهة نظر علم المرأة فيديو معدل




.. رئيسة الجمعية الدكتورة منجية اللبان