الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معلمة كافرة وسيد يغتصب الأطفال

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2015 / 4 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


معلمة كافرة وسيد يغتصب الأطفال

على مائدة الغداء، وأثناء تناول الطعام مع مجاذبة أطراف الحديث مع الأسرة، اخبرني طفلي الذي لا يتجاوز السادسة من العمر بكل براءة وعفوية يحملها هذا العمر بأن المعلمة "ستيفاني" والتى تعلمه أحد المواد التدريسية في إحدى المدارس الخاصة بأنها كافرة، هكذا وبدون أي مقدمات أو معرفة حتى بمعنى الكفر والإيمان. هنا صعقت جدا من هذه العبارة، ومر أمامي شريط تنشئته طوال هذه الفترة البسيطة من العمر، سألته أنا وأمه ماهو الكفر؟! فقال لا أدرى..وسألناه مرة أخرى لماذا هي كافرة؟!!. فأجاب بعد تردد وربما خوف مما قاله، علما بأننا لم نمارس عليه أي أسلوب تخويفي أو حتى زجره. بل كان الهدف أن نعرف من وراء إطلاق هذا التوصيف على معلمة أطفال. فقال لنا بأن أحد زملائه في الفصل أخبره بأنها كافرة لأنها تضع وشما على قدميها.!!..وشما يضعه الكثير من الشباب والشابات حتى في البلاد الإسلامية دون خوف. إذن هنا ترسخ في وعي هذا الصغير بأن الكفر هو سلوك يمارسه الإنسان بغض النظر عن دينه ومذهبه، فهو حد علمه أو ما تم تلقينه. ولنا أن نتخيل إذا لم يتم تصحيح هذا الإعوجاج في الحكم والتربية على الأفراد أن نجد مستقبلا أجيالا باستطاعتها أن تفتي وربما تقتل الآخر لمجرد أنه كافر لم يلتزم بسلوك المسلمين أو خالف معتقداتهم. وفي قصة أيضا غريبة على مجتمعاتنا العربية والخليجية، حدثتني زوجتي بما أن الشيء بالشيء يذكر، بأن إحدى صديقاتها لها طفلة لم تتجاوز الرابعة عشر ربيعا تدرس في إحدى المدارس الخاصة في الكويت، وإن صديقة ابنتها بنفس المدرسة سألتها هل مازلتي عذراء؟!!.فأجابتها بعد خوف وترقب: ما هذا الكلام ولماذا تقوله وكيف تجرأت أن تسألها!!..المأساة لم تنتهى هنا. بل أن صديقة الطفلة أخبرتها بأن الشيعة وحين تبلغ لهم طفلة فإن أحد السادة من المذهب الشيعي يقوم باغتصابها لتنال البركة والخير.!!
هنا أنتهت القصتين، ولكن فتحت جروحا كثيرة وآلاما لما وصلت اليه بنية التفكير في مجتمعاتنا العربية. فمن المسؤول عن هذا النمط من التفكير؟!!. ولماذا عجزت الأسرة العربية في أن تحافظ على التربية الصحيحة لأطفالهم.؟!!. هنا تقريبا لن نتهم أسلوب التدريس، وإن كان من المفترض أن يكون لهم دور في مثل هذه الأمور لوأد انتشار مثل تلك الأفكار، ولكن كيف يكون لهم دور والأطفال يمارسون عنصريتهم وفجاجتهم خلف سمع المعلمين مما يلقي باللائمة على مؤسسات المجتمع المدني وتقاعسها عن التوصل الي حلول بعد انتشار كبير لمثل تلك القصص والتى أكاد أجزم بأنها منتشرة بدرجة كبيرة. ولكن هذا يتطلب أولا قرارات إدارية ومناهج وطرق تدريس ربما تواجه بعض المعيقات لعدم وجود ثقافة علمانية في المجتمع تفصل بين الدين والدولة، ولعدم وجود ثقافة تقبل الآخر والتسامح معه، ولعجز الحكومات عن التدخل لمصلحة المجتمع ووحدته. فهذه القصص التى حدثت إنما جاءت كرد فعل لثقافة دينية وقبلية ومذهبية متجذرة في بنية العقل العربي وربما تحتاج دراسات وعمل جدي طويل للتخلص منها أو موائمتها إنسانيا. لكن في كلا القصتين كان المتهم هو زملاء الأطفال، أي عائلات أخرى، أي ثقافة مازالت موجودة في كثير من البيوت العربية نتعايش معها يوميا، في المدرسة والعمل والمسجد والسوق، وسواء كنا أطفال أو بالغين راشدين. إذن تقع المسؤولية الكبري إذا ما أردنا تحديد المأزق عن انتشار مثل تلك القصص والحكايا التى تتصادم مع الروح الإنسانية هي الأسرة. فماذا أو ما الذي جعل الأسر تتجه الي التقوقع على ذاتها لتفرض سلوك الكبار على عقلية الأطفال لتتوالد نفس الأفكار ونفس الكراهية ونفس السلوك ضد الآخر المختلف؟!!
لا شكّ في أن غياب مفهوم الحقوق والضمانات الاجتماعية، مثل العدالة والمساواة بين الجنسين وتكافؤ الفرص، وغياب التعامل من قبل المؤسسسات الحاكمة مع المواطن على أساس مواطنته وبمعايير محددة ومعروفة مثل الحقوق والواجبات والكفاءات داخل المؤسسسات وتوسع الفجوة الطبقية مع ضمور الطبقة الوسطى وتغير وظيفتها نتيجة للاقتصاد الريعي، وتقييد الحريات الفكرية والسياسية، ومسألة الهوية الوطنية في مواجهة التفتت القبلي والطائفيِ... كلها قضايا مترابطة تتعلق بحياة البشر اليومية وبتغيير مفاهيمهم نحو الدولة وبالتالي مؤسساتها كلها بما فيها التعليم.
فمن العبث طرح أي مشروع نهضوي لا يتعامل مع قضايا المواطن، ولا يحدد موقفا منها، فلقد أصبح النجاح في طرح قضايا التعليم والدين والمذهب مرتبطا بمدى تفاعلها مع قضايا المواطن وخدمتها لصالحه، أي أن وجود الحلول لأزماتنا وخصوصا في التعليم ينبع من الإعتراف بوجود المشكلة لا التغاضي عنها ونسيانها أو الإعتماد على أن الأطفال سرعان ما يكبرون. فهذه الحلول لا تجد ردة فعل واقعية وسليمة إنما هي تؤجل إنفجارها الي المستقبل بشكل أكثر دموية ووحشية. ففي غياب حماية الدولة للوحدة الوطنية يؤدي ذلك الى الاحتماء بالطائفة والقبيلة وتفشي الفساد وغياب الرقابة، وهو ما يؤدي بالتالي الي تعميق الطائفية والقبلية واستمرار بذور الصراع، مما يؤدي لاحقا الى اختلالات أسرية واضحة، وقلق وغموض المستقبل الذي ينعكس على الجميع خاصة الاطفال مما يؤثر على صحة ونمو الأسرة.
إن الإنطلاق الي معالجة تلك المعطيات، تجعلنا نسأل أسئلة لابد لنا من الإجابة عليها حتى نضمن أن التعليم من جهة، والأسرة من جهة ثانية يسيران في قارب واحد، أي أن أحدهما يكمل الآخر بلا انفصال بينهما أو تشدد في أحد الأطراف. فحين تستطيع كل أسرة أن تعرف ما الدور المنوط بها أساسا في تربية الأبناء؟، وما الدور المكلف به كل أب وأم تجاه أبنائهما؟ سواء في الرد على استفساراتهم أو في أحاديثهم العادية طوال اليوم؟، وهل هناك سلوكيات لابد على الأسرة أن تتبعها تجاه أبنائها وجيرانها ومعارفها في ظل الأجواء الطائفية والقبلية؟، حتى تعمق فيهم مفهوم الانفتاح وتقبل الآخر والحفاظ على المشتركات الإنسانية؟!!. هنا باستطاعة الطفل أن ينجو من براثن الطائفية والمذهبية. وهنا أيضا لا يجب أن نتغافل عن دور الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي الحديثة، فكلها أصبحت اليوم بمثابة تعليم حديث يلقي بظلاله على معطيات الأسرة والمجتمع والدولة. فالعلم وثورة التكنولوجيا والتطور غير المسبوق فى الإعلام الاجتماعى، وهو ما ارتبط بالعولمة، أنتج مخاطر جديدة فى العصر الحديث، أبرزها المخاطر الناتجة عن التطور في وسائل الإتصال ووقوعها بيد الأطفال، ولكن هذا لا يجب أن يمنعنا من غرس المبادئ الرئيسية والأساسية في سنوات الطفل الأولى وهي السنوات التى سينظر بها الي الآخر معه في المدرسة أو في المجتمع.
كما وإن على البالغين، أي مؤسسات المجتمع المدني والدور الحكومي أن يكونا أكثر وعيا وجدية في رصد المخاطر الإجتماعية المؤثرة على النمو السليم للنشء، وإيلاء ثقافة الدولة خطوطا عريضة من مفاهيم التسامح والتعددية وقبول الآخر، فهذه كلها تعاني من صعوبات أصلية في المناهج التعليمية، ومن صعوبات مدنية في أن تكون الخطاب الرسمي للدولة، بعد تنازلات قدمتها الحكومة لفئات متطرفة لبث الوعي التكفيري ضد الآخر، وهو ما نراه من استضافات لأشخاص معروفين بالتشدد والتطرف أن يكونوا دعاة يلقون علينا المواعظ من على منابر المؤسسات الدينية والثقافية. نحـن في الواقع إزاء قنابـل موقوتة قابلة للانفجار فى أية لحظة، فـى وجـه الجميـع، ذلـك لأن مصـادر الخطـر من التطرف والتعصب لن تقتصر على قطاع دون آخر أو فئة اجتماعية دون أخـرى، ولكـن نصـبح جميعنا أمـام "كـرة الـثلج" التـى تتحـرك مـن مكـان إلـى آخـر، وتتـدحرج لتطـول الجميـع.
فمــن المهــم فــى هــذه اللحظة الزمنية، ومشهد العولمـة مـن جانـب، والمتغيـرات علـى السـاحة العربيـة مـن جانـب آخـر، من المهـم القـراءة النقديـة للنتـائج التـى يخرج بها التعليم، وأن يتم تبنى رؤى جديدة لتفهم نسبية المخاطر التى تتعرض لهـا المؤسسـة الأولـى للتنشـئة الاجتماعيـة والتـى اعتـدنا أن نراهـا الأهـم وهي الأسرة، فقـد تراجـع دور الأســـرة اليوم كمـــا تراجـــع دور الدولـــة وتأثيرها بشكل كبير مما يعني ضرورة تغييـــر فلســـفة السياســـات الاجتماعيـــة للدولـــة مـــن رعائيـــة إلـــى تنمويــة، وبناء شراكة فاعلة حقيقية، تستند إلى الثقة، والتوافق حول أهداف وطنية مشتركة، فهذا هو المخرج الممكن من مأزق تعدد وتنوع المخاطر الاجتماعية، والتى تهدد المجتمع بالتوتر الاجتماعي، وعدم الاستقرار السياسي، وتهدد أى جهد يبذل فى التنمية البشرية.

د. عبدالعزيز عبدالله القناعي
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا