الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السوفطائية نسبية المعرفة ووهم الأنطولوجيا

عبدالحق رحيوي

2015 / 4 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




السفسطائية: نسبية المعرفة ووهم الأنطولوجيا
1.تقديم
إن الثورة الفلسفية التي أحدثها الفزيائيون الأوائل تتمثل قبل كل شيء ، في تحويل الفكر من مستوى الأسطورة إلى مستوى العقل و اللوغوس،ومن المتعدد الى الواحد، بحيث ساهمت كل المدارس ما قبل سقراط في إرساء حقل للعمل الفكري ،يتمثل في البرهنة و استعمال العقل مكان الاعتقاد و الخيال ، أي الانتقال من السرد الأسطوري إلى الفكر التأملي أو بمعنى آخر الانتقال من "الأسطورة " إلى "الفكرة" .
لما ظهرت السفسطائية كحركة طلائعية، و جدت هذا الحقل المعرفي جاهزا فحولت الفكر من الاهتمام بالطبيعة إلى الاهتمام بالإنسان،و جعلت من الإنسان موضوعا أساسيا و محورا للتفكير .ويعد هذا التحول ثورة كبرى في تاريخ الفلسفة ، لكن و لسوء الحظ و تحت تأثير أفلاطون و أرسطو اعتبرت الحركة السفسطائية ،حركة هدم و تمويه وتلاعب ،لذلك ظلت منسيتا على هامش الفلسفة إلى حدود القرن التاسع عشر الذي سيعرف في بعض جوانبه وعند بعض رواده تجسيدا واضحا للفكر السفسطائي و خاصة في فلسفة نيتشه
من جملة ما اهتمت به السفسطائية البحث في الإنسان و القول والأخلاق و السياسة و إمكان المعرفة بالإضافة إلى العلم و المنهج المعرفي الصحيح . لذلك شكلت ثورة معرفية هامة بما أنها و لأول مرة حولت الفلسفة من الاهتمام بالظواهر الخارجية إلى الاهتمام بالمعرفة و شروط إمكانات المعرفة.
2: نسبية المعرفة
إن السمة التي ميزت بداية النظريات الفلسفية هي التعارض ، وهذا ما كان يبشر بعدم إمكان قيام أي معرفة على إطلاق في النظر السفسطائيين لذلك أعلنوا أن المعرفة لا يمكن اكتسابها ، لذلك سيعلنوا أنها ليست بذات أهمية و المهم هو الرأي المفيد، و النجاح هو العامل الحاسم في تحديد قيمة أي نظرية.
فإذا كانت الأفكار الفلسفية المتفرقة عند الفزيائيين الأوائل، جاءت على شكل إقراري و دوغمائي دون أن تفسح المجال للتضاد المنهجي ، و لما كان منهج السوفسطائيين هو الجدل "البناء" الذي يطرح الموضوع للدرس لاستخراج العيوب و الحسنات ،بحيث أصبح النقد عندهم عملية منطقية هامة.
فإذا كان المفكرون الأوائل يطابقون بين الفكر و الواقع ، و يرتقيان بالعقل إلى درجة إدراك الجواهر و الماهيات بل ذهب بعضهم إلى إقامة تطابق بين المعقول و الحقيقي، و المحسوس و الزائف ، فإن السوفسطائية تتبنى منهجا مضادا للمعرفة و الفلسفة محدود ببعدها الوظيفي ، بمعنى آخر أنها فلسفة لا تهتم لا بالماهيات و لا بالجواهر. كما تبتعد عن أي تفكير صامت قد يوجه الفلسقة إلى مستواها الأنطولوجي. و تقتصر هذه الفلسفة على الخطابة و الفصاحة فاللوغوس "الخطاب" هو محورها الأساسي.
تستند الفصاحة و الخطابة عند جورجياس إلى نظرية معرفية عدمية في جوهرها ، و قد عرفها في كتابه " الطبيعة و اللآوجود" فيها ينفي وجود الأشياء وكذلك المعرفة المطلقة بهذه الأشياء مستحيلة لإن المعرفة تستند إلى الحواس ، و الحواس متغيرة و نسبية بتغير الظروف و الأشخاص ، و بما ان الحواس تختلف باختلاف الأفراد فإنه من المستحيل نقل المعرفة من شخص إلى آخر , و هذا هو جوهر نظرية المعرفة في الفلسفة السوفسطائية ، و هذا الموقف المتشائم من إمكانية تحقيق معرفة مطلقة هو الذي سيجعل من "اللوغوس " محور التفلسف بما أن نظرية المعرفة عند السوفسطائية هي نظرية العدم و النسبية ، و التنوع النافي للجوهر و الحقيقة الواحدة .
بهذا المعنى تكون السوفسطائية معادية للبحث العقلي ذلك لأن تلك النظرة كانت متسمة بشك يائس،وكانت تشكل موقفا سلبيا من مشكلة المعرفة.يتلخص هذا الموقف في الكلمة المشهورة "لبروتاجوراس"القائلة:"الإنسان مقياس كل شيء الأشياء الموجودة على أنها موجودة والأشياء غير الموجودة على أنها غير موجودة."وهكذا فرأي كل إنسان صحيح بالنسبة إليه ولا يمكن البث في الخلافات بين الناس على أساس الحقيقة،يؤدي إذن مذهب "بروتاغوراس"إلى إنكار وجود عالم موضوعي مشترك بين الجميع وإلى تحطيم التمييز بين الواقع والظاهر وبين الظن والعلم وتصبح الحقيقة ظاهرة في المحسوسات أما الحقيقة الموضوعية فهي خرافة،لأن كل واحد منا له حقيقته الخاصة وبما أن الظن هو العلم بالأشياء والرأي هو الحقيقة يعزز بروتاغوراس قوله بقدرته على تكوين قولين مختلفين ومتضادين فليس هناك ما يفند قولا ويقر آخر أي أن السوفسطائيين لا يعترفون بوجود مقاييس منطقية خارجية للحقيقة و لا يعترفون بتوافق أو تطابق الفكر مع العالم الخارجي و لا يقرون بشمولية التفكير ، لكن هذا لا يعني أنهم يقرون باعتباطيىة الحكم و المعرفة فالظن عملية عقلية تفرضها الظروف و المناسبات و الحقيقية مستحيلة إذا تجاوزت هذه الظروف وعلى السوفسطائي أن يكيف القول حسب الحاجيات فلا غرابة أن تؤدي هذه النسبية إلى نظرية سلبية في الحقيقة و العلم و هي نظرية تقوم أساسا على عدم توحيد العلم و الإدراك الحسي في المعرفة
3. الأنطولوجيا
إن انطولوجيا ولدت في أحضان الفلسفة إن لم نقل أن الفلسفة ولدت كمبحث في الوجود،لذلك سيحتل السؤال الوجودي مكانة أساسية في الفكر الفلسفي وقليلة هي التيارات الفلسفية التي أقصت مبحث الوجود من دائرة الفلسفة ،من بينها التيارات السوفسطائية التي حولت الإهتمام من الوجود إلى القول بحيث أصبح الكلام هو موضوع الكلام والقول لا يشير إلى العالم الخارجي ولا إلى الموجود بل إلى نفسه فقط .ليس هناك إذن مكان لتمييز الدال عن المدلول بل تضمحل كل دلالة عن اللغة ،بما أن المحسوسات تنقل من شخص لآخر هل يعني هذا أن السوفسطائيين قد قتلوا الأنطولوجيا في المهد؟
لم يخف ذلك هايدغر إذ أقر بالعودة إلى الفلاسفة ما قبل السقراطيين لفهم مسألة الوجود حيث يقول هايدغر"فقد خطت الفلسفة خطواتها الأولى في فهم مشكلة الوجود عندما تخلت عن سرد الخرافات يعني عندما أقلعت عن تحديد أصل الموجود كموجود باللجوء إلى موجود آخر كأن للوجود صفة موجود ممكن."
يعلن جورجياس بصراحة أن معرفة الوجود مستحيلة ولا نعتقد ذلك يعني أن الفلسفة مستحيلة بدورها اللهم إذا مزجنا الفكر الفلسفي بالأنطولوجيا.يدل ذلك على أن المعرفة هي قبل كل شيء إبتعاد عن الوجود وتكسير لكل وحدة مزعومة.
بالنسبة للسوفسطائيين يكون المحمول مستحيلا وبذلك يستحيل كل تحديد وكل توحيد للوجود كموجود وتصبح العلاقة إذن بين الوجود والفكر علاقة انفصال وبذلك تغادر الفلسفة مكان ولادتها "الأنطولوجيا"لتصبح هائمة متشردة تتصل بميادين اجتماعية اخرى كالشعر والموسيقى والأخلاق والسياسة الخطابية...
إن إقرار بنية المعرفة والاكتفاء في هذه العملية بما هو محسوس ونفي للحقيقة الموضوعية واعتبارها حلما فقط لذلك لن تكون هنالك على الإطلاق معرفة أنطولوجية توحد الوجود بالجوهر،ربما لهذا السبب اعتبر السوفسطائيون أعداء للفلسفة لأنهم رفضوا إقحام تفكيرهم في مسألة وإعطاء صبغة أنطولوجية لفلسفتهم.
4:الأخلاق
لقد سطر السوفسطائيون خطا فاصلا بين الدين والعلم وبين الإيمان والعقل وتركوا جوانب مأساوية المصير الذي نجده مثلا في ملحمة "هوزيود" وأبدلوها بنظرية واقعية يغزوا بها الإنسان مصيره بنفسه، يصبح الإنسان عندهم مركز الوجود ،
بما أنه بدأ يعي أهميته في النظام الاديولوجي و مركزه في العالم أخذ يفقد شيئا فشيئا انتماءه إلى الوجود السحري و الإلهي .
إن الفعل الأخلاقي ليس بالضرورة فعل قيمي لذلك ترفض السوفسطائية الحديث عن قيمة القيم و جوهرها لأن القيم اجتماعية ولن نستطيع فهمها إذ لم نربطها بخاصيات الفرد و المجتمع و العصر ، لذلك سيعتبر نيتشه أن السوفسطائية هي من قامت بأول نقد للأخلاق ، فبإقرارها للتعددية المعرفية و الأخلاقية تكون قد حطمت عقلنة الأخلاق و جعلت من معادلة سقراط:العقل= المعرفة =الفضيلة =السعادة. مستحيلة فالقيم في نظر السوفسطائيين لا ينتجها العقل و هي ليست من و ضعه , و إنما من صنع المجتمع ، فالممارسات و العادات هي من تشكل صلب القيم الأخلاقية . و هذه هي ميزة الفكر السوفسطائي في كونه يرفض عقلنة الأخلاق ويقر نسبية القيم فالقيم مسألة شخصية ، و في نهاية المطاف يقول جورجياس " إن القوانين الأخلاقية إجتماعية وليست عقلية ، وأصل و مصدر هذه القوانين لا يكمن في قوة خارجية عن المجتمع أو في الأفراد بل في الحس العام ."
خلاصة

عندما تصبح المعرفة قولا فإن "الحقيقة" تصبح مطلبا مستحيلا يقول جورجياس "الحقيقة لا توجد و إن و جدت لا تعرف و إن عرفت لا تقال " فعندما يصبح الإنسان عاجزا عن إدراك الجواهر والماهيات فإن الفكر الأنطولوجي يصبح مستحيلا ، لذلك سيعتبر السوفسطائي قضية الوجود زائفة ، فالعالم خادع بطبيعته و كل قول يؤيد تجميد الحركة و إثبات حقيقة العالم المتحول هو قول خادع وزائف ، فتصبح المعرفة الأنطولوجية عديمة الفائدة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا