الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الأطفال الأحداث :ضرورة تغيير السياسات الأمنية ..*

محمود الزهيري

2015 / 4 / 27
المجتمع المدني



أزعجتني كثيراً السياسة الأمنية / الشرطية التي تبني علي مفاهيم تجاوزها العصر الحديث بمراحل , وتصر الأجهزة الأمنية علي إعادة تدويرها وانتاجها من جديد بصور مفتقدة للتحضر والتمدن والأنسنة , بل , ومتخاصمة مع الدساتير والقوانين والمعاهدات والمواثيق والعهود والأعراف الدولية التي صارت جميعها بمثابة قوانين دولية انسانية يتوجب علي كل دول العالم أن تنضوي تحت لواء منطوق نصوصها الواجبة النفاذ والتي وقعت عليها الدول ونشرتها في الجريدة الرسمية .
ما أزعجني حقيقة تلك الحملة العشوائية القائمة علي فكرة القبض علي الأطفال الأحداث ممن لم يتجازو عمرهم 18 عاماً , والزج بهم في دهاليز أقسام الشرطة ومراكز البوليس , والنيابات , وساحات المحاكم بعد أن تقرر النيابة العامة حبسهم احتياطياً لمدة 15 يوماً , ليقضوا هذه الفترة ومضاعفاتها في السجون وأماكن الإحتجاز التي يغيب عنها المعني الإنساني سواء من ناحية المعاملة اللا أخلاقية , أو البيئة المكانية التي يتواجد فيها هؤلاء الأطفال الأحداث مع المجرمين والإرهابيين , ليتم في نهاية الأمر تشويه نفسية وعقلية هؤلاء الأطفال الأحداث وتحويلهم إلي مشاريع إجرامية سواء في المستقبل القريب أو البعيد, عبر سياسات أمنية مخطئة بكافة مقاييس الخطأ أو الخطيئة المتعمد ارتكابها في حق المجتمع والدولة تجاه حقوق هؤلاء الأطفال الأحداث القاصرين , والمشولين بولاية آبائهم , تلك الولاية الطبيعية العاجزة بل والمنقوصة عن عمد , وبإرادة إجرامية صادرة من سياسات إجرامية لاتعي حقوق الأطفال , قبل وعيها بحقوق المجتمع الذي تم تشويهه عبر تلك السياسات الأمنية طوال تاريخها في ممارسة أدوارها بالعنف والصلافة والتكبر والتجبر , وكأن المواطنين أعداء طبيعيين للشرطة وللأجهزة الأمنية .
إن المخاطر صارت غير مكلفة للدولة المصرية عبر ممارسات أجهزتها الأمنية , بل وأجهزتها التنفيذية , لدرجة صارت معها حياة المواطنين أقرب إلي الموت المجاني , وإن صدق القول , يكون القتل المجاني بإرادة تلك الأجهزة , ومن هنا يكون التساؤل عن مفهوم الدولة في حالة صيرورة المخاطرات المجانية بحريات وحياة المواطنين , خاصة وأنه في إطار هذه الدولة من يحمل الأر بي جي , والأسلحة الثقيلة , والقنابل الهيكلية , والعبوات الناسفة , وتفجير أبراج الكهرباء , وإعلان العداء الكامل للدولة أولاً , وللشعب ثانياً في صورة العداء للدولة .
كان يتوجب علي الدولة أن تعي هذه المخاطر المجانية التي تمارسها وتمارس ضدها , وفي النهاية تمارس ضد الشعب , وأن تعمل عبر كافة أجهزتها المعنية , وخاصة الأجهزة الأمنية علي التحام أبناء الشعب المصري حول صناع القرار السياسي , ومشاركتهم فيه , أما أن تقصيهم عن المشاركة في صناعة حاضرهم والتأسيس لمستقبلهم , فهذه جريمة , والجريمة الأخري تتم عبر الممارسات الأمنية ضد الشعب المصري بالإنتقام من الآباء بالقيام بالقبض علي أطفالهم في صورة مزعجة تسيطر علي البال والخاطر وكأنها عودة لزوار الفجر في أقبح صورها المجرمة , ليتم اختطاف الأطفال الصغار من بين أحضان آبائهم وأمهاتهم, والذهاب بهم حيث أقسام الشرطة ومراكز البوليس , والتحقيق معهم علي اعتبارهم مجرمين , وهم لايستوعبوا المعني الكامل للجريمة بعد !
ماكان للدولة أن تكون هذه ممارساتها تجاه المعارضين البلهاء والمعارضين السفهاء , فهؤلاء سواسية في الجهل والتخلف , ولكن بعض الممارسات الصادرة من أبنائهم ليست بطبيعة الحال تمثل حالة التطابق مع أفكار أبائهم ورؤاهم وتصوراتهم , حتي وان كانت رؤي وتصورات وأفكار هزيلة , لأنه في الجانب الآخر نري أفكار ورؤي وتصورات الأجهزة الأمنية هي الأخري في حالة من الهزال والضعف الذي يتستر خلف ممارسات أمنية عنفية أو تلفيقية , سواء من باب الحفاظ علي الأمن أو النكاية والكيد في الأباء بالقبض علي أبنائهم , وهذا الأسلوب لاتمارسه إلا بعض الحواري الشعبية المنحطة أخلاقياً , وأعتقد أن هذه الحارات قد تخلصت من أمثال هذه الأساليب وارتقت إلي اساليب أخري متطورة .
بالفعل :الدم يواجه بالدم , والعنف يواجه بالعنف إذا كان هناك دماء وسلاح في مواجهة الدولة والمجتمع ,عبر التعدي علي مؤسسات الدولة أو المجتمع .
وسلوك الدولة يجب أن يكون سلوك خاضع للدستور والقانون , لأن الدولة تقوم بدور الرقابة علي تنفيذ القانون وتسعي لإتخاذ كافة التدابير للحيلولة دون الخروج عليه أو العمل علي أختراقه .
هذا السلوك اللادستوري واللاقانوني يجعل الدولة ومؤسساتها في جانب , والمجتمع في جانب آخر , ويجعل الضغط الشعبي يزداد , خاصة وان هناك جانب صار يمتلك الخبرة والمعرفة والدراية في صناعة أدوات الإرهاب من قنابل هيكلية وعبوات ناسفة , وكذاالأر بي جي , والأسلحة التي تستخدمها الشرطة والجيش , وهذا بمثابة عبء كبير علي الأجهزة الأمنية , ويجعلها في حالة حياد , ويعمل في نهاية المطاف علي تعزيز الصراع الدموي المسلح بين الشعب والدولة ومؤسساتها , مما ينذر معه بالخراب والدمار للدولة والمجتمع .
مادفعني لكتابة هذا المقال ماصنعته السلطة بـ اتجاه الطفل الحدث /إبراهيم ناصر الزهيري , محمد أحمد شاكر , والذي مازلت أراني متواجد معه علي أرضية واسعة من المشتركات الإنسانية , ومازلت أري أن الإختلاف هو الأساس , وليس التوحد في الرؤي والأفكار والتصورات , لأننا لسنا قوالب طوب متراصة تتشابه في الطول والعرض والإرتفاع , ومازلت أكتب هذه السطور والحسرة والألم يلمان بي , ويضغطان علي عقلي وأعصابي ومشاعري , متصوراً أن مايحدث لـ إبراهيم ناصر الزهيري , محمد أحمد شاكر , قد يكون مصير أحد من أبنائي كمصيرهم في قضية من القضايا التي مازال الأطفال الأحداث يرون أنهم أبطال , وتصر الأجهزة الأمنية , أن تصنع منهم أبطال في الحاضر أوالمستقبل عبر أدوار كان من الممكن أن تكون أدوار خادمة للمجتمع والدولة , عبر مؤسسات الدولة ذاتها أو عبر المنابر والمؤسسات الإجتماعية والأحزاب السياسية , ,وما زلت أتذكر مواقف إبني عمار الزهيري , وهو يقف علي جانب مغاير للموقف الذي أقتنع به , فهل أجعله مضطراً لتغيير موقفه بالضغط عليه وجعله يساير موقفي في حالة إنسانية مشوهة ومغلوطة ؟!..
الحل يكمن في تفعيل الدستور والقانون علي الدولة قبل الشعب , حتي يتسني مجابهة كافة المخاطر التي تواجه المجتمع والدولة , وهنا يمكن إعادة النظر في السياسة الأمنية والشرطية الموجهة ضد الأطفال الأحداث التي تتم ممارستها ضد الآباء نكاية فيهم وفي توجهاتهم السياسية أو الدينية المغلوطة بدوافع تغييب الديمقراطية والعدالة الإجتماعية وبالطبع الحريات الفردية والإجتماعية , والعمل علي تغيير السياسات الأمنية تجاه الأطفال الأحداث , وتجاه المجتمع ككل!



* من وحي القبض علي إبراهيم ناصر الزهيري , محمد أحمد شاكر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخبار الساعة | اعتقال 4 مسؤولين في أنقرة بتهمة التآمر ضد سيا


.. فرحان حق: الأمم المتحدة شكلت لجنة لتقصي الحقائق في الهجوم عل




.. الأونروا تحقق في لقطات نشرها الجيش الإسرائيلي


.. تونس في عهد سعيّد.. من منارة -حرية التعبير- إلى -ساحة استبدا




.. تونس: المرسوم 54.. تهديد لحرية التعبير ومعاقبة الصحافيين بطر