الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرق بين الطائفة والطائفية

محمد لفته محل

2015 / 4 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


غالبا ما يتم الخلط بين مفهوم الطائفة والطائفية يؤدي إلى نتائج خطيرة اجتماعيا ترسخ الانقسام والتكاره والاستعداء والتعبئة للحرب الأهلية بين فئات المجتمع وذلك بجعل معنى الطائفة يساوي معنى الطائفية وليس العكس، وعليه لابد من التمييز بين المفهومين حتى لا يتم الخلط الذي غالبا ما يكون دوافعه أما سياسية أو جهل، وهذا الموضوع تأتي أهميته لي من الصراع السني الشيعي بين المسلمين في العراق عندما لعب السياسيون على الخلط بين المفهومين للبقاء بالسلطة وضمان الانتخاب.
إن احد أسباب انتشار الطائفية هي تحريف مفهومها بحيث يعطي معنى الطائفة! لان هذه الأخيرة هي هوية موروثة اجتماعيا، مغروسة في نفسية الفرد والجماعة وليس هناك أفضل من استثمارها لزج الطائفية معها، الطائفة هي النظرة للجماعة الداخلية أي أل(نحن) وهذه النظرة موروثة اجتماعيا، لها قراءة خاصة للتاريخ والدين الإسلامي ولها طقوسها ومعتقداتها، أما الطائفية فهي النظرة للجماعة الخارجية أي أل(هم) وهذه النظرة مكتسبة سياسيا، لها رؤية خاصة للآخرين دونية تمييزية استعدائية، الطائفة هي حصر الخلاف التاريخي بالماضي، أما الطائفية فهي سحب الخلاف التاريخي من الماضي إلى الحاضر، فالطائفة هي مفهوم اجتماعي أما الطائفية فهي مفهوم سياسي، الطائفة حق مشروع للجماعة أما الطائفية فإنكار لهذا الحق لكل ما عدانا بممارسة التمييز والتحيز والتفرقة ضدهم، ومن حق الطائفة أن تعتقد بامتلاكها الحق والحقيقة لكن ليس من حقها أبدا سلبها من الآخر واتهامه بالظلال والباطل وهذا ما تقوم به الطائفية. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن كيف يتم الزج بالطائفية في معنى الطائفة رغم الفوارق النوعية بينهما؟ والجواب حسبما أتصور إن زج الطائفية في الطائفة يستوجب تغير في نظرة الجماعة إلى نفسها، أي تغير في معنى الطائفة، واهم طريقة في هذا التغيير هو استلامها للسلطة السياسية وحدها، فتدفع الطوائف الأخرى إلى حقها المذهبي بالسلطة، خصوصا في مجتمع بنائه الاجتماعي قائم على المذاهب، فتستأثر بالسلطة مذهبيا وتدعي أن لها حقا مقدسا بالسلطة! فتتغير النظرة إلى الأنا الجمعي من الحب والانتماء والاعتزاز إلى التعصب والمغالاة والتضخم النرجسي حتى نرى كل ما عدانا أدنى منا، وبهذه الطريقة تتسلل الطائفية خلسة في الطائفة فتترسخ وتتحصن في نفوس الجماعة تحت مسمى الحفاظ على الطائفة وهذا حق مشروع يراد به باطل، بالضبط كالفايروس حين يستقر بالخلية ويتحكم بها لصالحه.
إن الطائفي يعتبر الطائفية (قول حق) إذا كان هو المتكلم، ويعتبرها تفرقة وطائفية إذا تكلم بها الآخر، هو يسميها باسمها (طائفية) كتهمة ضد الآخر، لكنه يرفض هذه التسمية على نفسه حين يكون هو من يتحدث بها كحق! هي إذن قول حق في منظور الطرفين حين يكونوا هم المتكلمون، وهي طائفية حين يكون الآخرون هم المتكلمون بها، إنهم يعتقدون إنها صراع بين الحق والباطل، الحقيقة والكذب، الصح والخطأ، الهدى والظلال، لهذا نسمع الطائفي دائما يقول (خاف نحجي الصدك ويزعلون) وهذه التسميات (قول الحقيقة، الطائفية) هي تشريع للطائفية لصاحبها وإدانة لنظيره، لكن إذا كانت الطائفية قول حق في نظر صاحبها، لماذا تستخدم التورية والاستعارة والتلميح والمجاز في تعابيرها ولا تستخدم الصراحة المباشرة إلا نادرا؟ أليس هذا يتناقض مع مفهوم قول الحق؟ والساكت عن الحق شيطان اخرس كما يقول الدين؟ هل لاعتقاده أن هذا (الحق) يستدعي التفرقة والتحيز والفتنة وحتى الحرب الأهلية التي ليس فيها غالب ومغلوب بل الخاسر الأكبر هم المسلمون من كل الطوائف، وتاريخ الحروب بين السنة والشيعة هو مصداق على ذلك؟ أو لان غرضها التفرقة يلجأ الفكر الطائفي إلى التورية مدعيا إنه يبتغي الحق والاتحاد بين المسلمين؟ إن الطائفي يريد من الآخر أن يكون من نفس مذهبه بعد أن يعترف هذا الأخير ببطلان مذهبه! وبأحقية مذهب الآخر، ليحقق نصران يلغي مذهب الآخر ويفرض نفسه كبديل! دون أن يغير نظرته لهذا الآخر غير متناسيا تاريخه مذكرا بأصله (جان من جماعتهم وصار من جماعتنا) فهو لن يقبل به متساويا معه، بسبب تاريخيه وسيبقى أدنى منه، هذا ما يريده الطائفي العبودية المعنوية ورفض المساواة مع المذاهب الأخرى وطرح نوع من العنصرية المذهبية الجديدة! باسم (التفوق المذهبي، الفرقة الناجية، حزب الله، الطائفة المنصورة من الله) وأي عملية ثأر من الآخر سيكون المستهدف هذا الآخر المتحول لأنه سيبقى مشكوك بولائه ويحن إلى أصله لان العرق دساس كما يتصور هذا الطائفي، وقد قامت المليشيات الطائفية بقتل المتحولين بين المذاهب على أساس أصولهم المذهبية التي تركوها أثناء الحرب الأهلية الطائفية بالعراق. فالطائفي يعيش حالة تناشز معرفي فهو يرى الطائفية (قول حق) له وطائفية عند غيره، ويلجأ إلى التورية والتلميح في قول هذا (الحق)!.
ما هو الحد الفاصل بين الطائفي والغير طائفي؟ الذي بموجبه نقول (هذا الشخص أو الكلام طائفي) فيكون هذا الحد هو معيارنا في التشخيص؟ حتى أن الطائفي نفسه يشكوا من الخلط بين الطائفي والغير طائفي! إذ يقول (بس نحجي الصدك كالوا عنا طائفيين) كنت في الماضي اعتقد أن الطائفية نابعة من اعتقاد صاحبها إن طائفته هي الصحيحة وذلك من خلال ما يردده في كلامه من الأحاديث والآيات والتاريخ في إثبات مذهبه لكن لو كانت الحقيقة هي بذاتها سبب الصراع والنزاع فنحن كثيرا ما نختلف في أرائنا بالسياسة والعمل والحياة دون أن يحدث نزاع وصراع بيننا؟ إذن مالذي يميز (الحقيقة الطائفية) عن غيرها بحيث تؤدي إلى الصراع والنزاع؟ وهنا افترضت أنها يجب أن تكون (مقدسه) لكني سرعان ما لاحظت أن المذاهب تختلف فيما بينها بنصوص مقدسه دون أن يحدث نزاع وصراع اجتماعي؟ فالمذاهب السنية الأربعة فيما بينها لا تتصارع باختلافاتها والمذاهب الشيعية فيما بينها كذلك؟ إذن هناك مصادر أخرى للحقيقة الطائفية (وهو تعبير مجازي الغرض منه كشف الآليات وراء الظاهرة الطائفية) تأتي من خارجها فلا (الحقيقة) ولا (القداسة) سبب الطائفية، ذلك أن الطائفية كما يتصورها الفرد ويتكلم بها تختلف عن حقيقتها كأسباب موضوعية، وهنا لابد أن ينتقل الحديث من الطائفية كما يتصورها الفرد إلى الطائفية كما هي كظاهرة اجتماعية خارج الفرد بالمجتمع. فأول الأشياء في الظاهرة الطائفية هي أنها جمعية وليست فردية، وأنها لا تعتمد على الأوهام أو التفسيرات الخاطئة للنصوص كما يحب أن يوفق البعض بين المذاهب، بل على وقائع تاريخية حقيقية، ومشاعر الحقد والتكاره لم تنشأ من عدم بل من صراع سياسي على السلطة من الماضي حتى الحاضر، والتأويل للنصوص له دوافع سياسية واجتماعية واقعية، والطائفية ظاهرة سياسية ولا ننسى تاريخيا أنها نشأت من الصراع السياسي بين علي ومعاوية وولديهما فيما بعد لتتعمق باستلام السنة السلطة والشيعة المعارضة، فقمع الأول الثاني ولم يعترف بوجوده ومارس التمييز والتفرقة والتحيز ضده، وحارب الثاني الأول، فمصادر الحقد والكره هي سياسية تعرضت له الطائفتان واحدة دافعت عن وجودها سياسيا وأخرى دافعت عن وجودها مذهبيا، وكلاهما يدعي حقه المقدس بالسلطة! ومن الأخطاء التي يقع بها كثيرون هو اعتقادهم أن النصوص الدينية التي تحث على الكره والإقصاء هي المسؤولة عن التمييز والحقد الطائفي بدليل أن الطائفي لا يكره المسيحي ويحقد عليه مثلما يكره ويحقد على المذهب الآخر (سني أو شيعي) رغم الاختلاف ليس المذهبي وإنما الديني أيضا؟ وهناك نصوص صريحة تنعت المسيحي بالكافر والصليبي؟ فلماذا لم تدفع النصوص الطائفي إلى التمييز والحقد والكره على المسيحي؟ بل يبقى مجرد اختلاف بالدين؟ ذلك أن المسيحي لم يستلم السلطة ليقمع المذهب الآخر بعكس الصراع المذهبي الذي دار على الصراع على السلطة بين السنة والشيعة، فهذه النصوص الطائفية هي حصيلة الصراع السياسي وليست السياسة حصيلتها، وهذا دليلي في أن الصراع الطائفي هو سياسي وليس ديني. فالحد الفاصل بين الطائفي من عدمه هو الكره والاستعداء للآخر الذي يستمد طاقته من التاريخ بمجرد استئثار نظيره بالسلطة، فاعتقادي أن مذهبي هو الحقيقة المقدسة غير كافي لان أكون طائفي لابد أن أتجاوز هذا الاعتقاد إلى كره الآخر واستعدائه فامنع حقه من التعبير ولا اعترف به واطعن بشرعيته الدينية واسقطها، والطائفي يكره مذهب الشخص الآخر أكثر من الشخص نفسه فقد يكون صديق له من الطائفة الأخرى مع ذلك يكره مذهبه.
والصراع الطائفي بالعراق لازال يستمد حقده من التاريخ السياسي الإسلامي الأموي والعباسي والعثماني والصفوي والبعثي والحكم الطائفي المعاصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر