الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراقي وامريكا

محمد لفته محل

2015 / 4 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ينظر العراقي لأمريكا نظرة تختلف عن أي دولة أخرى نظرة شيطانية تقول للشيء كن فيكون، فهي مصنع المؤامرات ضد العرب والإسلام، وهي ترسم المستقبل لهم وفق خطة هندسية محبوكة لا تحيد عنها لسنين مقبلة، وهي لا تخطيء أو تغفل أو تسهو عن أي قضية بالعالم أبدا، فسميت بالشيطان من قبل سلفيو الشيعة وافترضوا أنها قد تكون (الأعور الدجال) وسماها سلفيو السنة (الصليبون) وهذه النظرة الشيطانية تتأثر بالانقسام الطائفي بالعراق فالسنة يعتقدون إن أمريكا هي حليف سري للشيعة ضدهم بدليل تحالفها مع إيران في السيطرة على العراق، والشيعة يعتقدون إن أمريكا هي حليف السنة ضدهم بدليل تحالفها مع السعودية والخليج العلني، وكل طرف يعتقد أنها تدعم الجماعات المسلحة التابعة له بالسلاح والمال، وكانت هناك إشاعات عن نقل الطائرات والهمرات الأمريكية للمسلحين لمناطق النزاع الطائفية لتأجيج الحرب الأهلية الطائفية بالعراق وكانت هناك إشاعات سنية عن الدعم الإيراني للقاعدة وأن بعض عناصرها كان يحمل الباجات الإيرانية أو يتكلم لغتها والأدهى أن بعض قادتها ذو أصل يهودي! بدليل شهادة من زوجة لأحد قادة القاعدة كما يزعمون عندما اكتشفت أن زوجها غير مختون! وعندما ظهرت داعش اتهموها بال(فصيل الإيراني)! بينما كان الشيعة يعتقدون بالأصل الوهابي اليهودي لداعش! حيث تمدهم أمريكا بالسلاح وتقصف الجيش والحشد لتمكين داعش! وأنها مؤامرة أمريكية ضد الشيعة وكذلك السنة كانوا يعتقدون بالمؤامرة الأمريكية الإيرانية في ظهور داعش! طبعا ليس هناك أسهل من دحض هذه الإشاعات لكن تفسيرها أهم كثيرا من دحضها لأني على قناعة بأن منطق الجماعة يختلف عن منطق الفرد، ومحاكمة منطق الجماعة بمنطق الفرد خطأ كبير يقترفه كل من لا يفرق بينهما، ولابد أن نستخدم منطق الجماعة لفهم أي جماعة، فلماذا هذه النظرة الشيطانية لأمريكا ومن أين جاءت؟ إن هذه النظرة تستعمل مصطلح ديني هو الشيطان النقيض النوعي للإله ذو القدرات شبه الإلهية على إغواء وإغراء البشر على الخطيئة، فهو استخدام ديني على ظاهرة سياسية اسمها أمريكا؟ وهناك تشابه بين أمريكا والشيطان من حيث القدرة ومن حيث أساليب الإغراء فبيدها المال والتكنولوجيا والعلم وهي أيضا تغري بالحرية والديمقراطية والرفاهية لكنها تحبك بالسر المؤامرات وتضرب بقوة وبالعلن أو السر أي دولة تتحدى وتهدد أمنها ومصالحها، فهل هذا التشابه هو الذي جمع مصطلح ديني مع ظاهرة سياسية؟ لكن العراقي يسمي أمريكا (يهود)؟ وهذا المفتاح هو الذي يقودنا للغز، فاليهود والشيطان في الذهن العربي وجهان لعملة واحدة وهما الاسمان يطلقان على أمريكا، فاليهود كانوا الخصم اللدود للدعوة الإسلامية واستخدموا الدسائس ضده، وهم من يحرّف الكتب الدينية والنظريات العلمية لصالحهم كالنظرية الداروينية ونسميها (اسرائيليات) ويسيطرون على العالم عبر الماسونية كما يتصورها العرب، وهم الآن يشكلون جماعة ضغط في أمريكا لها القدرة على تقرير الرئيس الذي يحكمها والذي يشترط صعوده ولائه المطلق لدولة إسرائيل، وكتاب (بروتوكولات بني صهيون) له شعبية كبيرة عند العرب الذي يؤكد كل تصوراتهم الشيطانية عن اليهود والصهاينة (لا فرق عندنا بين المفهومين)، ونحن نقول عن الشخص الذكي الماكر (تفكير مال يهود أو تفكير شيطان) وإذا أردنا أن ندافع عن شخص نقول عنه (قابل يهودي) باعتبار أن اليهود هو ألد عدو للعرب لا يمكن الدفاع عنه ويجب محاربته، فصورة أمريكا العربية والعراقية مستمدة من التاريخ الذي نعتاش عليه بصورة عامة ونكون أفكارنا عن الحاضر منه دون أن نستطيع خلق تصورات معاصرة تلائم المرحلة والعصر، وهذه النظرة خصت فيها أمريكا لكونها إمبراطورية تفرض هيمنتها على العرب وتريد منهم أن يبقوا متخلفين وضعفاء تستغل مواردهم النفطية والاقتصادية لصالحها ونفوذها، وتنحاز لإسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب، والعربي يحيل أي عدو له للتاريخ، فلأن اليهود كانوا أعداء الإسلام الأوائل أصبح أي عدوا يشبه به أو يرجع أصله له، فحين ظهر التشيع ضد الدولة الأموية اُتهم باليهودية، ولازال إلى يومنا هذا يعتبر التشيع يهودي في الفكر السني السلفي ولا زال عامة الناس تعتقد بالحلف السري المتين بين إيران وإسرائيل بسبب الأصل المشترك بينهم! وكذلك الشيعة لازالوا يتهمون الوهابية بالأصل اليهودي وعامة الشيعة تعتبر السعودية وإسرائيل على اتفاق سري وثيق بسبب الأصل المشترك بينهما! فأمريكا وإيران (الشيعة) والوهابية (السنة) ليست إلا (يهود) في نظر الطرفين وهذه هي وحدة الصورة الكاملة للمشهد تجاه أعدائنا أو خصومنا. وهكذا فالتاريخ هو من يقيم (أعدائنا) وليس الواقع هو مصدر التقييم، فنضيع فرصة معرفة هذا العدو والتعامل معه لصالحنا للتفوق عليه أو تجنب شره، أو حتى كسبه إذا عرفنا دوافع الخصومة تجاهنا كما في حالة السنة والشيعة.
نحن العرب بصورة عامة ننظر لأعدائنا باستهزاء من منطلق نرجسيتنا كخير امة وأفضل دين، ومن منطلق بدوي كأعرق واشرف نسب رفيع، وما أن يهزمنا هذا العدو حتى تتحول صورة التحقير والاستهزاء إلى التضخيم والشيطنة، وخير مثال على ذلك هو حرب 1967 مع إسرائيل فقد كانت الصحف تكتب إننا سنلقي بالصهاينة إلى البحر بساعات دون أن نكون مضطرين إلى استخدام أسلحتنا المتقدمة، ونهزمهم شر هزيمة(1) لان الجيش الاسرائلي عبارة عن مجموعة شراذم ومرتزقة ولا يملك القدرة على الحركة والمرونة والتعبئة، لأننا أمام كيان هش اجتماعيا وسياسيا وإعلاميا واقتصاديا وعسكريا لا يستحق حتى الجهد الذي عبئناه ضده من سلاح ومقاتلين أشداء، لتنقلب الصورة بالعكس بعد الهزيمة حيث كان عدونا مدجج بتكنولوجيا وعلوم متقدمة يضم المتخصصين والخبراء في صفوفه من كل الأصناف لنبرر الهزيمة(2) بتضخيم العدو، وهذا يذكرني بموقف العراقي من الاحتلال الأمريكي الذي هُزم أمامه بسهولة فراح يتهمه بتجنب المواجهة المباشرة واعتماده على القصف الجوي جبنا منه! وان جنوده مرتزقة بدأو ينتحرون ويفرون إلى تركيا بزي الجلاليب (دشاديش)! وأنهم يخفون ضحاياهم عن الإعلام والأهالي! وهكذا راح العراقي يحقق نصرا خياليا لتضميد الجرح النرجسي الذي طال كبريائه وكرامته جراء الهزيمة العسكرية النكراء التي طالته، مع ذلك العراقي لا يتردد في اعتبار أمريكا أشبه باله لا يخطي ويقول للشيء كن فيكون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1_محمد مبارك، محاولة في فهم شخصية الفرد العراقي، الطبعة الثانية، 2010، دار ميزوبوتاميا، العراق_بغداد_شارع المتنبي، ص85.
2_نفس المصدر، ص86.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي