الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديني ليس هو التاريخي - الجاحظ إمام العقل

مختار العربي

2005 / 9 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الجاحظ قراءة في وعيه ومجتمعه..
الجاحظ بصري ولد في مدينة البصرة في عهد كانت فيه البصرة مدينة حبلى بالثقافات وملتقى إبداعي فاعل (لنا أن نحزن عليها اليوم أشد حزن وأعظم إيلام فالبصرة بين في التاريخ تتنكر لبصرة اليوم ، لكن لنا في وعي الإنسان إيمان كبير )، والثقافات والأفكار والمذاهب التي انتشرت سببها فعل الترجمة الذي بلغ أوجه في صدر الدولة العباسية التي شجع ولاتها وأمراؤها حركة الترجمة والنقل ، وقد احتلت مدينة البصرة مكانة ثقافية مرموقة بفضل تقابل وتلاقح العقائد والثقافات والمذاهب نستطيع أن نتبين ذلك من خلال المناظرات التي سجلتها كتب الأدب والفرق والتي كانت تدور في مجالس الحكام والأعيان ، يتفق تراجمة الجاحظ بأنه ولد سنة 159 هجرية في خلافة بني العباس وفي عهد الخليفة المهدي ثالث الخلفاء العباسيين، وكانت وفاته في خلافة المهتدي بالله سنة 255 هجرية، فعاصر بذلك 12 خليفة عباسياً هم:
(المهدي والهادي والرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي بالله )
وقد ولد الجاحظ في مثل هذه البيئة التي أثرت بالطبع في تكوين شخصيته الثقافية ويمكننا أن نعدد أوجه أو مفاتيح قراءة حقيقة لهذه الشخصية التي أسهمت بالقدر الكبير والوافر في إنشاء مفاهيم عقلانية وظل الجاحظ مدافعاً منافحاًَ عن أصالة العرب ولغتهم وآدابهم في وجه الآخر الرافض لفكرة تمازج الحضارات.
كان صبيًا يبيع الخبز والسمك في سوق البصرة، ثم بدأ يأخذ العلم على أعلامه.. فأخذ علم اللغة العربية وآدابها عن الأصمعي وأبي عبيدة وأبي زيد الأنصاري، ودرس النحو على الأخفش، وتبحر في علم الكلام على يد إبراهيم بن سيار بن هانئ النظام البصري..
كان الجاحظ موسوعة تمشي على قدمين، وتعتبر كتبه دائرة معارف لزمانه، كتب في كل شيء تقريبًا؛ كتب في علم الكلام والأدب والسياسية والتاريخ والأخلاق والنبات والحيوان والصناعة والنساء والسلطان والجند والقضاة والولاة والمعلمين واللصوص والإمامة والحول والعور وصفات الله والقيان والهجاء.

تلقي الجاحظ علومه الأولى عن أعلام كانوا من المؤسسين لآداب العربية وأخبارها ويكفي ان نذكر منهم الأصمعي وأبا عبيدة وأبا زيد ، وقد كان الجاحظ يتردد إلى المربد أيضاً في ضواحي البصرة ليستمع إلى مناظرات اللغويين.
(راجع : طه الجابري ، الجاحظ حياته وآثاره ، مكتبة الدراسات الأدبية ، ط2 – صـ100- 130).
وقد عاصر الجاحظ حركة الترجمة الكبرى للآثار اليونانية . اما المكون الأساسي لفكر الجاحظ ومذهبه الثقافي تبنى الجاحظ لمذهب المعتزلة الذي نشأ أول الأمر في مدينة البصرة فهي مهد المعتزلة ، كما كان الجاحظ من رواد مسجد البصرة وقد عرف عنه شغفه وانقطاعه إلى هذه المناظرات المسجدية حتى سموا جماعة المسجد بـ(المسجديين) ، وقد كان الجاحظ منهم ويخبرنا صاحب الأغاني أن مجلس الأعيان كان يضم أسماء منها :( عمرو بن عبيد ، وواصل بن عطاء ، وبشار الأعمى ، وصالح بن عبد القدوس ، ، وعبد الكريم بن أبي العوجاء ، ورجل من الأزد) كانوا يجتمعون في مجلس الأزدي ويختصمون عنده.
( راجع :أبو الفرج على بن الحسين الأصبهاني ، كتاب الأغاني ، 24 ج – القاهرة : دار الكتب المصرية ، القسم الأدبي ، 1927- 1974م ج3)
ومعروف أن الأول والثاني هما المؤسسان لمذهب الاعتزال ، في حين أن الآخرين عرفوا بمذهبهم المانوي. وكانت ديانة المانوية منتشرة بين الفلاسفة والأعيان ولا يحفل بها العامة ببساطتهم لأنها عقيدة نخبة لما تحمله من مفاهيم أبعد ما يكون وعي العربي إلا إذا كانت يملك إعداداً فلسفياً ، وقد انقطع الجاحظ إلى مهنة (العلم) التي أصبحت صناعة ، تعرف بها وتنقطع إليه فئة مميزة ، كانت غالباً من الموالي ، كالجاحظ نفسه ، ذلك أن الأرستقراطية القرشية تتعالى عن طلب العلم ، بما في ذلك العلم الذي يخصها مبشارة ، كلغة وكماض ، أي علوم العربية وأخبار العرب ، وهو ما أكده الجاحظ قبل ابن خلدون بزمن طويل :
( ليس ينبغي للقرشي أن يستغرق في شيء من العلم ، إلا علم الأخبار ، فأما غير ذلك فالنتف والشذر من القول ) ومن رسائل الجاحظ المهمة ( في ذم أخلاق الكتاب) فقد كان الجاحظ ناقماً وساخراً من وضعية الكتاب ويعتبرهم خدم للسلطة أي للسلطان! مما دفع الجاحظ ليقول :( بنى أنه لا يتقلدها إلا تابع ، ولا يتوالاها إلى من هو في معني الخادم) ( راجع البيان والتبيين – تحقيق عبد السلام محمد هارون – القاهرة مكتبة الخانجي ، بغداد مكتبة المثنى 1960 – ج 1 ، ص 402) وله أيضاً رسالة هزلية في هجو أحد الكتاب وهي ( رسالة التربيع والتدوير) ، ولنا أن نقول أن الجاحظ عروبي ولكن ليس بمفهومها العصري ، أي مراعاة أن العروبة ليست بالدين فقط بل بالعرق والانتساب ، وعلى الرغم من توجه الجاحظ العروبي فقط كان ملماً بالآثار الفارسية وعرف عنه استعماله للمنقولات اليونانية أيضاً ، فإن مبدأً وقضية الجاحظ الأولى هي الدفاع عن التراث العربي الأصلي (وإن كان الدين يعني له تراثاً عربياً خاصاً ، استخدمه ليدفع به بعض خصومه!) واستقصاء هذا التراث لغة وأدباً وأخباراً للدفاع عن الجنس العربي وتفوقه ، فالتراث العربي (الخالص) الذي اعتني الجاحظ بجمعه وتبيينه أنما لكي يساجل به تراث الآخر (العجم بما فيهم من الفرس معتقداتهم الدينية والثقافية) وقد اهتم الجاحظ أيضاً بمعرفة تراث هذا الآخر حتى يكون على بينة وهو يرد عليه.
وكان موقف الجاحظ من صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الرفض في القول بأنهم في مكانة أعلى من البشر، بحيث لا يحق لأحد أن يفعل النقد في أفعالهم ويقيمها ، فهو يرى أن من حق المؤرخ أن يتناول أعمالهم بميزان العقل، لأنهم بشر كالبشر يخطئون ويصيبون، وليسوا ملائكة، وإذا كانت صحبتهم للرسول -صلى الله عليه وسلم- تعطيهم حق التوقير فإن هذه الصحبة نفسها تجعل المخطئ منهم موضع لوم شديد؛ لأنه أخطأ رغم صحبته وقربه من الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ورفض الجاحظ بشدة القول بأن سب الولاة فتنة ولعنهم بدعة"، وعجب من أن الذين يقولون بذلك الرأي مجمعون على لعن من قتل مؤمنًا متعمدًا، ثم إذا كان القاتل سلطانًا ظالمًا لم يستحلوا سبه ولا لعنه ولا خلعه، وإن أخاف العلماء وأجاع الفقراء وظلم الضعفاء..، فالجاحظ -كمعتزلي- كان يرى ضرورة الخروج على الإمام الظالم في حالة وجود إمام عادل، مع الثقة في القدرة على خلع الظالم وإحلال العادل محله، دون إحداث أضرار أكثر مما يتوقع جلبه من المنافع.
وكان الجاحظ يؤكد أن العقل الصحيح أساس من أسس التشريع.
بذا يحقق الجاحظ فقه الفلسفة وعقلانية الوعي ... أحييكم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟