الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهبوط في القرآن الكريم/ قراءة في منهج التغافل والتفريغ

محمد السباهي
(Mohamed Ali)

2015 / 5 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وردت كلمة (الهبوط) في القرآن الكريم، وبحسب اشتقاقها، عدة مرات. منها:
1- ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) البقرة
2- قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48) هود
3- وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) البقرة

والهبوط لغةَ:
ــــــــــــــــــ
(هبط من السطح، وهبط من بلد إلى بلد. وهبطوا الوادي: نزلوه، ومكة مهبط الوحي، وأهبطته وهبطّته، ولهذا الجبل صعود وهبوط صعب. وهم في هبطة من الأرض: في وهدةٍ. وهبّط العدل فتهبّط: مهّده على البعير). أساس البلاغة
(هَبَطَ الإِنْسانُ يَهْبِطُ إذا انحدر في هَبْوطٍ من صَعُود والهّبْطةُ: ما تطامَنَ مِنَ الأرض، وقد هَبَطنا أرضَ كذا وكذا، أي نزلناها ، وُيقالُ للقوم إذا كانوا في سَفالٍ: قد هَبَطوا يَهْبِطون، وهو نقيض ارتفعوا. قال:
كلُّ بني حُرَّةٍ مَصيرهُمُ ... قُلٌّ وإنْ أكْثَرَتُ من العَدَدِ
إنْ يُغْبَطوا يُهْبَطوا وإن أُمِرُوا ... يوماً فهُمْ لِلْفَناءِ والفَنَدِ
وفَرْقَ ما بين الهَبُوط والهُبُوط: أنّ الهَبُوطَ اسمٌ للحَدُور، وهو الموضع الّذي يهبطك من أَعْلَى إلى أَسْفَلَ. والهُبُوط: المصدر). العين.
(ويقال: هَبَطَ الشيءُ يهبِط هُبوطاً، إذا انحدر، فهو هابط. والهُبوط: ضد الارتفاع). جمهرة اللغة
وعلى ما تقدم يمكن القول: إن الهبوط على عدّة انحاء، منها:
1- النزول من علو. (والعلو ينقسم إلى: حقيقي، كالجبل، وتشريفي، كالسماء= الوحي).
2- الانتقال من مكان لمكان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

ينبغي لنا قبل الشروع في دراسة وبيان معنى الهبوط ومستوياته، التوقف عند نقطة مركزية في هذا البحث، وهي:
إن أمر الهبوط كان مقدراً في علم الله من يوم خلق آدم (عليه السلام)، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾-;---;-- البقرة/30 ، ومعنى الخلافة، هنا، مختلف عليه، هل هي خلافة لله تعالى، أم خلافة لآدم أسبق لآدمنا هذا، لقول الإمام الباقر/ الصادق (عليهما السلام): قبل آدمكم هذا ألف آدم. وعلى المعنيين، يكون أمر الهبوط مقرر سلفاً على أمر الخلق والنفخ والتشريف بالخلافة. والأكل من الشجرة كان علة تامة للهبوط
وقال تعالى: (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) الأعراف/24.

وقفة:
ــــــ
1- إن الخروج لا يساوي الهبوط.
2- إن الهبوط كان لآدم وحواء فقط.
3- إن إبليس برفضه السجود لآدم، لم يهبط من الجنة.
4- إن عقوبة إبليس لم يكن منشأها عدم السجود.
ـــــــــــــــــــــــــــ

1- الخروج لا يساوي الهبوط.
قال تعالى: ( قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) الأعراف.
نلاحظ هنا، في الخطاب الأولي للحق تعالى، قال: (فأهبط منها)، والهبوط، - كما قدمنا- ، قد يكون هبوط مكاني، وقد يكون هبوط تشريفي. وهنا، نضيف مستوى آخر للهبوط، هو هبوط (رتبي). فإبليس هنا، لم يهبط مكاناً، ولم يكن هبوطه تشريفي، لأننا حددنا الهبوط التشريفي بالوحي، فلم يتبقَ لنا سوى الهبوط (الرتبي/ هبوط مكانة) وهذا هو المتعين، لأن استمرارية الخطاب تؤدي بنا إلى قبول هذا الفرض. قال تعالى:(قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) لأن استمرارية الخطاب تكون هكذا:
أهبط ←-;---;-- أخرج ، وليس خطاب (أهبط ↓-;- أخرج ←-;-). لاستحالة صحة تطبيق الأمر. لأن (الهبوط) لو سلمنا بهذا الأمر يكون مساوق (للخروج)، فلا يحتاج لبيان الأمر لخطابين (أهبط، أخرج). لأن الهبوط (المكاني) يساوي الخروج فلا يحتاج لخطابين. كان عليه أن يكتفي بالأمر الأول وهو (فأهبط منها) ولا يحتاج لأمر آخر، وهو (فاخرج منها).

دليل آخر:
إننا لو قلنا ب(هبوط) إبليس هبوطاً (مكانياً) في الخطاب الأول (فاهبط منها) لاستلزم منه التعارض مع قوله تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ). فوسوسة الشيطان كانت لآدم وحواء في الجنة، بناءً على قوله تعالى: (وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ).
فهبوط الرتبة الذي تحدثنا عنهُ، اتبعهُ تحول كبير في خصائص إبليس وفي عمله. فلم يبقَ لإبليس تلك المكانة الأولى في الملكوت، فتأخر رتبة وحلّ محلهُ (جبرائيل). والذي - يبدو لي- أنه كان لسان حال الملائكة الذي عرضوا أنفسهم بديلاً عن آدم (الخليفة).
فمن خلال هذا التغير في خصائص إبليس، أدى إلى تغيير في عمله من خلال ما عرضه على الحق تبارك وتعالى، فتحول من (عابد) إلى (غاوي): (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17). (والوسوسة)، فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ/ من شر الوسواس الخناس).

وهذا الهبوط، وتغير عمل إبليس، تبعه تغير أكبر، وهو تحول (إبليس) إلى (شيطان). فإبليس في حقيقته، ليس معناه، (المبلس من رحمة الله تعالى). فهذا تأويل المدرسة التقليدية، والذي جاء من باب قرب (الاشتقاق) وليس هو المعنى الحقيقي لوصف (إبليس). فإبليس، وصف وليس (اسم). وهو (إله القمر) (بل+ يس). فالمعبود (هبل) (الهاء) فيه للتعريف، و(بل) هو الإله المعبود، ومنه بابل( با+ بل) =باب الإله. و(يس) هو (القمر). في الديانات القديمة. وهو الأب، وهو (طاووس الملائكة)، وهو الشخص الثاني في ذلك العالم.
و(الشيطان) يقولون: من شطن، بمعنى، أحترق، أو المحترق. وهو أيضاً وصف لإبليس، الذي هو اسم ل(طاووس الملائكة). وهذا الوصف اشتق من (الحرق). لأن (إبليس) لما نزل رتبة، فقد من صفات خلقه الأول الشيء الكثير، فتحول من (مارج من نار) إلى (شيطان)، بمعنى، (طين مشوي). وهذا التحول، مهم، حتى يتسق / يتوافق مع خلق (آدم). ف(آدم) من (طين لازب)، وال(شيطان) من (طين مشوي). و(الجان من مارج من نار) والإنسان ( من صلصال كالفخار).
قال تعالى : { خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار } [ الرحمن : 14 ، 15 ].
وإبليس: (فسجدوا إلا إبليس كان من الجنّ ففسق عن أمر ربّه ). الكهف/ 50

فإبليس، هو (الشيطان) وهو (الجان)، وهو من (الملائكة).( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) الحجر.
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ)الكهف/50.
فظن إبليس أن الخطاب غير متوجه.


2-إن الهبوط كان لآدم وحواء فقط.
وردت كلمة (الهبوط) في القرآن الكريم، خمس مرات، مرة بصيغة المفرد (فأهبط)، واخرى بصيغة التثنية (أهبطا)، وتارة أخرى بصيغة الجمع (أهبطوا). والذي يبدو لأول وهلة من هذا التقسيم، أنه تقسيم طبيعي. على اعتبار أن أول هبوط كان (لإبليس) وهو مفرد، حين رفض السجود لآدم، و(أهبطا) صيغة تثنية اختصت ب(آدم وزوجه)، بعدما أكلا من الشجرة، والخطاب الثالث (أهبطوا)، وهو خطاب الجمع. توجه للجميع (إبليس وآدم وزوجه) لعصيانهم الأمر المولوي.
لكن هذه النظرة الأولية غير دقيقة. لأننا قلنا أن خطاب (فأهبط) المتوجه ( لإبليس)، كان خطاب (هبوط رتبة). بل أن هذا الخطاب الموجه لإبليس قد جاء متأخراً عن رفض السجود لآدم. قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) البقرة.
فهو هنا لم يتعرض لعقوبة (الهبوط والخروج)، لكن ينبغي ان لا يفوتنا أن هنا مقدمة مطوية، وهناك بيان شاف لهذه القصة نجده في سورة (البقرة- الأعراف- وطه).
ولو رجعنا لخطاب (فأهبط) الموجه لإبليس لوجدنا أن إبليس لم يهبط مكاناً، بدلالة قوله تعالى: (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) الأعراف
وخطاب (الوسوسة) لآدم وزوجه، قال تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) الأعراف.
هذه المقدمة لبيان، إن هبوط إبليس، كان هبوط رتبة، ولم يكن هبوطاً مكانياً. والهبوط المكاني، كان لآدم وزوجه.
قال تعالى: (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) الأعراف.
خطاب، (أهبطوا)، هنا، خطاب الجمع، بدلالة واو الجماعة. والاثنان، ليسوا بجماعة، عند الشيعة، لذلك لا تصح صلاة الجماعة بفردين. لكن عند باقي الفرق، تصح بالاثنين. فالاثنين جماعة. يكفي لإقامة صلاة الجماعة اثنان ؛ إمام ومأموم ، وقد ورد في البخاري : ((باب اثنان فما فوقهما جماعة ))، في حديث مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا ) البخاري 658 .

قال الحافظ ابن حجر: ( بَاب اِثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَة ) ...، وقد ورد في سنن الترمذي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وحده فقال : ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه ، فقام رجل فصلى معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذان جماعة ).كتاب الصلاة- باب ما جاء في فضل الجماعة.

لكن يبقى السؤال هنا، كيف صلى النبي (ص) في مهاجره من مكة إلى المدينة، هل صلى فرادى أم صلى جماعة؟ والأقرب للمنطق، أنهما صليا جماعة، لأن النبي (ص) كان إمام الأمة بلا منازع، فهو الإمام وصاحبه المأموم.
لكن هذا ليس مرادنا، لأن سياق الآية يُشير إلى أن الخطاب لم يكن يشمل (الشيطان) الذي وسوس لهما.
قال تعالى: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) الأعراف.
نلاحظ بداية الخطاب: (قالا). و(قالا) خطاب تثنية، وليس خطاب جمع. ونلاحظ جواب الحق تبارك وتعالى: ( قال أهبطوا بعضكم لبعض عدو). ولو استمرينا مع الآية الكريمة، لوجدنا ان الحق تبارك وتعالى، كان قد افترض منذ البدء بعمارة وخلافة آدم للأرض، قال: (ولكم في الأرض مستقرٌ ومتاع). فخطاب (الجمع) أهبطوا متوجه للاثنين، (آدم وحواء). ولم يشمل الخطاب (إبليس).

فالخطاب، على رغم انه كان بصيغة الجماعة، إلا أنه كان متوجها للاثنين، (آدم وحواء). ربّما لاعتبار اجتماعهما ، والذي اشتق منه (الجماع). وهناك ما يؤكد لنا صحة الفرض بكون الخطاب موجه (لادم وحواء) دون (الشيطان). قال تعالى: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) طه. فخطاب (جميعاً) هنا، هو خطاب (التثنية) بدلالة (ألف الاثنين)، (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا). ولو كان مراد الحق اشراك (الشيطان) في هذا الهبوط، لكان الخطاب، هكذا: (قال أهبطوا منها جميعا).
قال تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)). البقرة.

لو قمنا بتفكيك خطاب الآية الكريمة، لتبين لنا:
1- إن الهبوط كان موجه (لآدم وزوجه) بدلالة توجه الخطاب إليهما.
2- إن ما جرى كان سبباً لتحقيق أمر الحق تعالى ومراده من خلافة آدم للأرض. وهو قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾-;---;-- البقرة/30
3- الآراء حول مكان هبوط (آدم وحواء) كثيرة، منها ما رواه ابن عباس - رضي الله عنه- قال نزل آدم بالهند ونزلت حواء بجدة فجاء في طلبها بدأ يبحث عنها في الأرض حتى اجتمعا وتعارفا بعرفات وبذلك سُمي عرفات تعارفا فيه آدم وحواء ثم بث الله سبحانه وتعالى البشر وبث منهما رجالا كثيرا ونساء. ونحن هنا ليس غايتنا تتبع مكان النزول أو تقصي أصح الآراء في مكان النزول، بقدر ما نريد بيان أن آدم وحواء قد نزلا بمكانين منفصلين، ولم ينزلا في مكان واحد، إمعاناً في العقوبة، واعتبارهما (عدو) بعضهم لبعض. وفي هذا بيان واضح لصحة الفرض، بكون الهبوط والعداوة كانت لادم وزوجه، وليس لإبليس.
4- إن الاستقرار في الأرض والمتاع فيها هو خاصة لبني آدم وليس لإبليس وقبيلته.
5- إن كلمات التوبة آدم كانت محصورة بين هبوطين. قال تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)).
أهبطوا ↓-;---;-- بعضكم لبعض عدو ولكم مستقر ومتاع.
أهبطوا ↓-;---;--فإما يأتينكم مني هدى ...
ومن الواضحات أن الخطاب لا يختص ب(إبليس)، لأن الهدى غير متوجه إليها، لأنه كان من المنظرين إلى ميقات اليوم المعلوم.
6- لكن ما هو الهدى الذي يمكن أن يأتي لآدم وحواء، وهما كان في الجنة ولم يمتثلا بعدم الأكل من الشجرة، المنهي عنها؟. الجواب، إن الهدى في هذه الآية هو التعارف بين آدم وحواء، وليس مراد الحق تبارك وتعالى من (الهداية) إرسال رسالة وبعث شريعة. لأسباب، منها:
1- إن آدم وحواء كانا مفردين، وكانا في الجنة. فلا معنى من إرسال رسالة وبعث شريعة وهما بمفردهما.
2- إن الشرائع كانت على عهد شيث كما تذكر كتب التفسير والتلمود اليورشليمي. لأن الناس قد تكاثروا واحتاجوا لتنظيم حياتهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تناقض في التفسير
علي جواد ( 2015 / 10 / 5 - 21:04 )
1 بارك الله فيك على هذا التحليل لكن كيف لا يحتاج ادم وحواء الى شريعة وهل حياتهم كانت غير منظمة حسب قولك
2 كيف يمكن ان يكون الخطاب بعضكم لبعض عدو موجه لادم وزوجته والله تعالى يقول ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا وقال تعالى الذي خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة فكيف تصف ذلك عداوة انا لا اتفق معك انما العداوة مع الشيطان

اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال