الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقال: المقريزي، للباحث محمد جابر عامر

محمد عادل زكي

2015 / 5 / 4
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تقى الدين أحمد بن على المقريزى , مؤرخ العصر المملوكى الذى لا يدانيه احد من مؤرخى عصره , له ما يزيد عن ثلاثين مؤلف يعرض فى اهمها تاريخ المجتمعات المصرية المتعاقبة . مؤلفاته العديدة لم تقتصر على علم التاريخ وحسب ,بل احاطت علوم شتى كعلوم الدين والاوزان والمقاييس وعلم الحشرات وتاريخ النقود الاسلامية فى مؤلف صغير بعنوان " شذور العقود فى ذكر النقود" . كما يأتى تفرده بالبحث وتحليل ونقد النواحى الاقتصادية فى عرضه لتاريخ المجاعات التى مرت على مصر حتى كتابته لمؤلف " اغاثة الامة بكشف الغمة " سنة 808 ه .
- يفرد المقريزى مؤلفه هذا فى ذكر حوالى 26 مجاعة, ست منها قبل الاسلام وعشرون بعده حتى عام 808ه. ويتناول فيه المجاعات بالوصف واسبابها بالنقد حتى يخلص فى النهاية الى فكره لانهاء ما شاع فى الناس من ازمات .
- يُرجع تقى الدين الازمات "المجاعات" فى معظمها الى اسباب وكوارث طبيعية وهى " قصور جرى النيل , الافات , الرياح وعدم نزول المطر" . وهى اسباب لازمات حدثت قبل ازمة عامى 796 ه 808 ه وهى الازمة التى عايشها المقريزى وماتت فيها ابنته لانتشار الطاعون .
- يُرجع المقريزى الازمات الى ثلاثة اسباب . الاول والثانى منها يتعلق بالانتاج .
- اولها الفساد فى تولى المناصب بالرشوة , كالوزارة ونيابة الاقليم وولاية الحسبة فيتقلدها كل جاهل بسائر اعمال الناس وسرعان ما يشرع هؤلاء فى الاخذ من انواع المال للترف فيُحتاج الى فرض الضرائب , فتزداد المغارم على اهل الريف -خاصة مع الضرائب المرتفعة التى كان يجرى تحصيلها عينا الامر الذى ادى لاحتكار الدولة للغلال ومنع الوصول لها الا بما احبوا من الاثمان- فيهجروا اراضيهم , مما ادى لنقص الانتاج لقلة ما يُزرع من الارض .
- السبب الثانى هو غلاء الاطيان وفيه زاد خدمة الامراء فى ايجار الاراضى على مستأجريها من الفلاحين حتى بلغ اجر الفدان"ريع الارض" الى عشرة امثال ما كانت عليه قبل ذلك ,وازداد فى مقابل ذلك اجر العمال لحرث وبذر وحصاد الارض . وبالتالى زادت تكاليف الانتاج على الفلاحين .
مع نقص الانتاج"لتعطل معظم الاراضى عن الزراعة" ,وارتفاع تكلفته"لغلو البذر وقلة المزارعين وارتفاع اجرهم ", وفرض الضرائب العينية الهائلة واحتكار الغلال بايدى اهل الدولة, ادى لغلاء عامى 796ه,808ه الذى تشرد فيه الفلاحين ومات فيه ما يزيد عن نصف اهل الاقليم بالجوع.
- السبب الثالث الذى يُرجع المقريزى هذا الغلاء اليه هو رواج ما يسمى "الفلوس" جمعُ الفلس وهى عملة معدنية من النحاس كان لضربها الحاجة الى نقد قيمته اقل من قيمة نقدى الدرهم والدينار للتعامل به فى ما يسمى "محقرات الاعمال" وهى المعاملات التى تقل فى قيمتها عن قيمة الدرهم والدينار وضربت لاول مرة ايام محمد الكامل بن العادل حوالى 596ه , ولتبيان اثر الفلوس على ازمة الغلاء , يسرد المقريزى تاريخ النقود الاسلامية الى ان يخلص ان نقد مصر فى المعاملات كان الذهب فقط وان الفضة كانت للحلى والاوانى, حتى عهد الفاطميين فى سنة 397ه أيام الحاكم بامر الله الذى عرفت الدراهم فى حكمه. واستمر الامر على ذلك حتى صارت عامة قيم الاعمال واثمان المبيعات تنسب الى الدراهم فى بقية دولة بنى ايوب حتى ضرب الفلوس من سنته كما ذكرنا "ولا يكاد يوجد منها الا النذر اليسير" فى كميتها , "ولا يُشترى بها شىء جليل البتة" بالنسبة لقيمتها . فى عام 650ه زاد ارباب الدولة من ضرب الفلوس لما سيعود عليهم من فائدة تحصيل الدراهم الفضية فى مقابل تصريف الفلوس ,حتى زادت كميات ما يضرب منها فى عهد العادل كتبغا 694ه ,والظاهر برقوق 784ه وفى خلال ذلك كانت الدولة تزيد من قيمة الفلوس فى مقابل قيمة نقدى الدرهم والدينار لتزيد فائدتها اكثر فى تحصيل النقدين , حيث بلغت قيمة الدرهم ما يساوى 24 فلس بعد ان كانت قيمته تساوى 48 فلس , وبالتالى انخفضت القوة الشرائية للدرهم لزيادة كمية النقود فى مقابل نقص فى انتاج السلع والمنتجات ,حيث يزكر المقريزى " فأنكاهم ذلك موقعه لما فيه من الخسارة ,لانه صار ما يشترى بدرهم هو ما كان يشترى بنصف درهم من قبل " وهو ما ادى لاضطراب الاسواق " تعذر وجود المطلوبات لاختلاف النقود" اى النقص فى طلب السلع والمنتجات نتيجة الزيادة فى اثمانها واختلاف قيمة الدرهم بالنسبة للفلوس من وقت لاخر . ونيجة للزيادة الشديدة فى ضرب كميات كبيرة من الفلوس بالاضافة للزيادة فى قيمتها ,اصبحت هى النقد الذى تنسب اليه قيم الاعمال واثمان المبيعات فى نهاية حكم الظاهر برقوق, ذلك فى ظل وجود قيمتين للدرهم ,قيمة كنقد وقيمة كمعدن , حيث تزيد قيمتها كمعدن عن قيمتها كنقد فى مقابل نقد الفلوس مما ادى لسبك الدراهم "سبك ما بأيدى الناس منها لاتخاذها حليا منذ تفنن امراء السلطان واتباعهم فى دواعى الترف" لتعود عليهم بمنفعة اكبر من استخدامها كنقد بجانب نقد الفلوس . بعد ان ينتهى المقريزى من هذه الاسباب , نجده يطرح فكره ليخرج المجتمع حينها من ازمته. هذا الفكر لم ينشغل كثيرا بالتركيز على سببى الازمة من حيث الانتاج , انما كان ما يشغله هو الاضطراب الشديد فى المعاملات من حيث قيم النقود. لذا فان المقريزى يقدم طرحه المنهجى لحل الازمة ابتداءً من حل اشكالية هذا الاضطراب , هذا الحل يكمن كما يراه المقريزى فى عودة الامور من حيث التبادل النقدى الى ما كان علية قبل هذه الازمة , اى ان تنسب عامة قيم الاعمال واثمان المبيعات الى نقدى الدرهم والدينار .
ولكى يحدث ذلك يجب ان تزيد قيمة كلا من الدرهم والدينار كنقد عن قيمتيهما كمعدن ,عندها يكف المجتمع عن سبك الفضة والذهب الى حلى ويذهب الى استخدامها فى المعاملات لما سيعود من وراءها بمنفعة اكبر . يضرب المقريزى مثالا لذلك , لنفترض ان سعر الفضة الخالصة التى يمكنها ان تعطى عدد 150 درهم قيمة تساوى 5مثاقيل من الذهب وهى بذلك قيمتها كمعدن قبل ضربها كنقد , عند ضربها سُيدفع فى المقابل ما يعادل ربع دينار "اجر" للصناع لقاء قوة عملهم , فتصبح بهذا العمل الذى اضافه الصناع الى الفضة الخالصة لتحويلها لنقد "قيمة"تضاف الى قيمة المعدن , فتصبح بهاتين القيمتين تعادل 5مثاقيل وربع دينار , ويكون صرف كل مثقال من الذهب 24 درهما من الفضة المعاملة , اما الفلوس فيرى المقريزى ان تثبت صرف الدرهم الفضى ب 140 فلسا , على ان هذه الفلوس يتم المعاملة بها فقط فى محقرات المبيعات. عند هذا تعود اثمان المبيعات وقيم الاعمال الى ما كانت علية قبل تلك المحنة وتنحط الاسعار مرة اخرى ويزيد النفع على الناس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قارورة مياه تصيب رأس #دجوكوفيتش بعد تأهّله


.. الداخلية العراقية تؤكد عزمها ملاحقة عصابات الجريمة المنظمة ف




.. مخاوف من تلف المواد الغذائية العالقة أمام معبر رفح بسبب استم


.. واشنطن تنتقد طريقة استخدام إسرائيل لأسلحة أميركية في غزة




.. قصف وإطلاق نار مستمر في حي الزيتون جنوب مدينة غزة