الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور التقدم العلمى فى حل مشكلات التنمية المستدامة رؤية متفائلة لمستقبل البشرية 2 من 5

فتحى سيد فرج

2015 / 5 / 4
التربية والتعليم والبحث العلمي


العلم بعد مائتى عام
كان أول الكتب التى وجهت نظرى لمستقبل البشرية هو كتاب "العلم بعد مائتى عام . الثورة العلمية والتكنولوجية خلال القرنين القادمين" الذى يعتبر جزء من تقرير كبير جرى إعداده فى معهد هدسون فى بداية السبعينيات من القرن العشرين بمناسبة الاحتفال بمرور مائتى عام على استقلال الولايات المتحدة الأمريكية " لقد جاء الاحتفال والعالم تعتصره الأزمات، والجدال يدور حول مستقبل البشرية، ومراكز البحث عاكفة على استبيان حقيقة المستقبل : أزمة فى الطاقة بلغت ذروتها مع حظر البترول العربى عام 1973، أزمة اقتصادية تشي بنفاد الموارد الطبيعية والطاقة، أزمة فى التنمية، أزمة فى النمو السكانى العالمى، وفى الطعام، وندرة المياه ... الخ، وكما يقول مؤلفوا الكتاب : " نحن فى زمن ذاعت فيه دراسات تشير إلى أن مستقبل البشرية مظلم وكئيب" وبدأ السؤال يلح ما العمل ؟ وما هو المصير؟ ترى هل البشرية تنتظرها كارثة محققة؟ هل من سبيل للخلاص! . (6)
حيال هذه الأزمات تباينت النماذج حسب تباين أهداف ومناهج أصحابها، وكان أول هذه النماذج هو النموذج المعروف بـ"حدود النمو" لنادى روما، ففى عام 1968 اجتمع ثلاثين من علماء الطبيعة، الاقتصاد، التربية، رجال أعمال، وسياسيون بدعوة من الدكتور اورليو بيتشىDr .Aurelio Peccei" فى روما بقصد مناقشة حاضر الإنسان ومستقبله، كان هدفهم هو تقديم فهم جديد ليكون أمام صناع القرار السياسى والرأى العام العالمى حتى يتسنى وضع مبادرات سياسية جديدة، وأكد الجميع أيمانهم بأن مشكلات العالم باتت شديدة التعقيد والتداخل بحيث لم تعد تجدى المؤسسات والسياسات التقليدية لمواجهتها . (7)
قدم نادى روما "مشروع مستقبل الإنسان" الذى يعالج فيه مركب المشكلات التى يعانى منها سكان البلدان كلها : فقر وسط وفرة، تدهور البيئة مع تقدم تكنولوجى، أزمات اقتصادية ونقص فى الموارد، فقدان الثقة فى المؤسسات، انتشار غير محكوم لعملية التحضر أو اتساع المدن، فقدان الأمن، اغتراب الشباب ورفض القيم التقليدية، التضخم وغيره من المشكلات المالية، تلوث البيئة مما يهدد مستقبل البشرية ... الخ، وذهب نادى روما إلى أن هذه المشكلات لها خصائص ثلاث مشتركة : فهى تحدث تقريبا فى كل المجتمعات، وتنطوى على عناصر اجتماعية واقتصادية وسياسية، ثم الأهم من ذلك أنها تتفاعل جميعها وقد أدى عجز الإنسان فى رأيهم، عن فهم منشأ ودلالة وتداخل هذه العناصر إلى عدم صدور استجابات صحيحة وملائمة . ويرجع هذا العجز إلى إننا نعالج كل عنصر على حدة ونغفل الكل ناسين أن الكل أهم، وأن التغير فى الكل يغير الجزء .
أثار نموذج "حدود النمو" موجات متتابعة من الجدل بين مؤيد يضيف ومعارض يفند ويكشف عما فى هذا النموذج من تهافت وقصور، وتمخضت هذه الحركة عن ظهور سلسلة متتابعة ومتباينة من النماذج العالمية، وتمثل محور النقد لهذا النموذج فى أنه ينظر إلى العالم باعتباره كتلة متجانسة، وأن الطبيعة ثابتة، ولهذا نرى النماذج التالية عليه تعنى بتقسيم العالم إلى قطاعات إنتاجية، ومن النماذج التى استهدفت صوغ رؤية شاملة متجنبة أخطاء نموذج حدود النمو، نموذج "ميزاروفيتش" الذى كان يرى أن الكارثة ليست وشيكة ولكنها حتمية، ونموذج مؤسسة "بارليوتشى" بالأرجنتين وهو أساس كتاب " كارثة أم عالم جديد؟" ويتميز بأنه نموذج عقائدى أو ايديولوجى، حيث يحدد أنه يتبنى قضية العالم الثالث وينحاز لها، ويرد مشكلات العالم إلى طبيعة النظام الاقتصادى العالمى القائم على الاستغلال، لذا فأنه يرى أن السبيل إلى تفادى الكارثة هو بناء مجتمع اشتراكى ينتفى فيه الاستغلال وتتأكد المشاركة الشعبية والعدالة الاجتماعية . (8)
وأصدرت الأمم المتحدة فى آخر 1976 نموذجا عالميا عنوانه " مستقبل الاقتصاد العالمي ." The Future of the World Economy. UN Department. of Economies & Social Affairs ناقش مستقبل الاقتصاد العالمى من 1970 إلى عام 2000 .
وفى عام 1975 صدر كتاب " العالم بعد مائتى عام" الذى يطرح نموذجا متميزا من حيث البعد الزمنى لاستشراف المستقبل . ذلك أنه الوحيد الذى يمد مدى الرؤية المستقبلية إلى مائتى عام قادمة، كما أنه على النقيض من النماذج السابقة يرى أن هناك حلولا لكل المشكلات، ويؤكد أن الثورة العلمية والتكنولوجية قادرة على حل المشكلات التى تواجه العالم، وأن النمو سيستمر لأجيال عديدة، بفضل إتباع سياسة حكيمة مع التقدم العلمى والتكنولوجى، فهناك وفرة فى المواد الخام، وبدائل جديدة لكل مادة بخصائص متميزة توفر الطعام الطبيعى والصناعى لكل فم، كما يوضح الكتاب أنه توجد فرص عديدة لدول العالم الثالث للاستفادة من هذا التقدم العلمى
والسيناريو الذى يعرضه هذا الكتاب، يمكن تلخيصه فى أن : مائتى العام الماضية كانت البشرية فيها قليلة العدد نسبيا، فقيرة، تعيش تحت رحمة الطبيعة، وأننا نتوقع على مدى مائتى العام القادمة أن تكون البشرية كثيرة العدد، غنية، قادرة على التحكم فى قوى الطبيعة، وهناك منظورين عن المستقبل، يمكن أن يراهما البعض متفائلين، بيد أننا نراهما واقعين، المنظور الأول والذى نسميه "المرتكز على الأرض" يقضى بأن الغالبية من البشر سيواصلون على مدى المائتى عام القادمة سكنى الأرض، وأن النشاط الخارج عن حدود الأرض سيقتصر على عمليات الاكتشاف فى الفضاء، كما أنه لن يحدث تحولا جذريا فى معدل نمو اجمالى الناتج العالمى، ويقضى المنظور الثانى المسمى "الممتد إلى الفضاء" بأن الإنسان مع مطلع القرن 21 سيبذل جهودا فعالة فى مجال الفضاء الخارجى، بما فى ذلك إقامة مستعمرات كبيرة مستقلة فى الفضاء يكون عملها إنتاج المواد الخام والطاقة والسلع المعمرة سواء للإنتاج المحلى أو تصديرها للأرض، وربما نصل إلى مستعمرات أخرى فى المجموعة الشمسية، وسوف يؤدى هذا الى هجرة واسعة من الأرض، وخلق أنماط جديدة ومغايرة من السكان ونمو الإنتاج . (9)
تسرى روح متفائلة بعد ذلك فى فصول الكتاب، من خلال شرح المنظورين السابقين والمقارنة بينهما، فيرى أن معدلات النمو السكانى سوف تنخفض ليصل مجمل السكان الى عدد ثابت، بينما التحرك الاقتصادى يشهد معدلات نموعالية، أما بخصوص الطاقة فيرى أنها سوف تنتقل من الطاقة التى تنفذ الى الطاقة التى لا تنفذ،، وعن المواد الخام يرى أن المستقبل واعد ببدائل لكل المواد الخام بمواصفات أكثر جودة وأرخص سعرا، وسوف نكون قادرين على إنتاج طعام غير تقليدى بأسلوب غير تقليدى فمع التقدم التكنولوجى سيصبح بالإمكان استخلاص الطعام من أى مادة عضوية بما فى ذلك الخشب وأوراق الأشجار ومادة السيليلوز والبترول ومن نفايات المدن والمزارع، ولن تكون هناك ندرة فى الأراضى الزراعية أو مياه الرى، وسنتمكن من وجود هواء نظيف وماء نقى وطبيعة جميلة، والوصول لبيئة بدون تلوث، ويتميز هذا الكتاب الذى بدء فى إعداده عند بداية السبعينيات من القرن الماضى بأن أكثر تنبؤاته تم الوصول إليها وأصبحت واقعا ملموسا فى السنوات التالية .

رؤى مستقبلية
بحلول نهاية القرن العشرين حدث تحول كبير، فقد وصل العلم إلى نهاية حقبة، وبداية حقبة جديدة . فقد أدى التوصل إلى القوانين الأساسية للمادة (نظرية الكم) وقــوانين الحياة (البيولوجيا الجزئية) وتطور (تكنولوجيا الكمبيوتر)، وشكلت هذه العناصر الثلاثة أعمدة العلم الجديد، فتحطم نواة الذرة واكتشاف أسرارها، وفك شفرة نواة الخلية التى أدت إلى ثورة الـ DNA، وتطوير الكمبيوتر، والأهم من كل ذلك الترابط بين هذه العناصر وضعنا أمام عتبة ثورات علمية جديدة (10) فى إطار هذه الرؤية قدم (ميتشيو كاكو Miehio Kaku (1947-) في كتابه " رؤى مستقبلية . كيف سيغير العلم حياتنا فى القرن الواحد والعشرين" تنبؤات للتطورات العلمية ستتم عبر مراحل ثلاثة : "المرحلة الأولى من عام 1998 وحتى عام 2020 والمرحلة الثانية من 2020 إلى 2050 والمرحلة الثالثة من 2050 وحتى نهاية القرن الحادي والعشرين" وذلك اعتمادا على التطورات العلمية فى الثورات الثلاثة .
في المرحلة الأولى : سيحدث انفجار لم يسبق له مثيل في النشاط العلمي، من خلال التطور في مجالي الكمبيوتر وتكنولوجيا العلوم الحيوية، فبالنسبة للكمبيوتر ووفقا لـ"معدل النمو الهائل كميا بواسطة قانون مور الذي ينص على أن طاقة الكمبيوتر ستتضاعف مرة تقريبا كل 18 شهرا، وبسبب القدرة على نقش شرائح سيليكونية بترانزستورات سوف تزداد صغرا باستمرار، مما سيؤدى إلى تصنيع حواسب أحدث وأرخص ، وبحلول 2020 ستكون الكمبيوترات أرخص من الورق ، وسيتم توزيعها في كل شيء فيما يسمى " البيئة الالكترونية " مما يتيح لنا وضع أنظمة ذكية فى كل مكان، وسيغير هذا كل شئ من حولنا بما فى ذلك طبيعة التجارة وثروة الأمم والطريقة التى نتصل ونعمل ونلعب ونعيش بها، وسيقدم لنا هذا بيوتا وسيارات وتليفزيونات وثيابا ومجوهرات وأموال ذكية" و"سوف نتكلم مع أجهزتنا كما أنها سترد علينا، ويتوقع العلماء أيضا أن يتم ربط الكون بأكمله من خلال ملايين الشبكات الخاصة بالإنترنت خالقة " كوكبا ذكيا " يتوفر من خلالها لكل فرد إمكانية التعرف على كامل الخبرة البشرية من المعرفة والحكمة المتراكمة منذ بداية التاريخ المكتوب" (11).
إما التكنولوجيا الحيوية فستشهد منحنى مدهشا، بفضل تضافر البحث البيوجزيئي مع الكمبيوتر وباستخدام الإنسان الآلي، من أجل أتمتة عملية تسلسل DNA لآلاف الكائنات الحية من نباتات وحيوانات، ورسم خريطة كاملة لمكونات الحياة على كوكب الأرض، وإمكانية نقل الجينات من هنا وهناك، وتعديل وربما تخليق صفات وراثية جديدة، وسيكون لهذا معان عميقة فى الطب والبيولوجيا، وسيتم التخلص من عدد من الأمراض الوراثية، وعلاج أصناف عدة من السرطانات دون الحاجة إلى جراحة أو معالجة كيميائية، وبالمثل فإن عددا من الكائنات الدقيقة التى تسبب الأمراض المعدية ستقهر عن طريق البقع الجزئية الضعيفة فى جهاز مناعاتها، وستتقدم معرفتنا الجزئية بتطور الخلية بحيث نتمكن من تربية أعضاء كاملة فى المعمل بما فى ذلك الكلى والكبد" (12)
وعندما تصغر الشريحة الالكترونية إلى مستوى حجم الجزيئات فسوف ينتهي العصر الأسطوري للسليكون، وهذا سيشكل بداية لتدخل قوانين فيزياء الكم لاكتشاف أساليب جديدة للتعامل على مستوى جزيئات المادة لنصل إلى إمكانية تصنيع سفن وطائرات ومعدات طبية صغيرة جدا تستطيع السباحة داخل الأوردة والشرايين البشرية .
المرحلة الثانية : أن التنبؤ بالنمو السريع بعد عام 2020 قد يستمر رأسيا بشكل لا نهائي، ولكن حتما سيصطدم باختناقات ويصادف عقبات ضخمة بسبب محدودية شريحة السليكون، وسنضطر أخيرا إلى ابتكار تكنولوجيات جديدة لم تكتشف بعد من أجهزة كمبيوتر بصرية أو جزيئية ، وإذا أمكن التغلب على هذه الصعوبات، فقد يمكن الدخول إلى أنواع أخرى مبنية على تحكم لإنسان آلي حقيقي يفهم لغة البشر، ويدرك الأجسام ويتحكم فيها، يتعلم من أخطائه وله قدرة على التمييز السليم، ومن المحتمل أن يغير هذا التطور علاقتنا بالآلات إلى الأبد .
وبالمثل فستواجه التكنولوجيا الحيوية مجموعة من المشاكل، وسيتحول التركيز عن تسلسل DNA إلى فهم الوظائف الأساسية للجينات، ويمكن التعرف على ملايين الجينات التى لا نعرف وظائفها، وكذلك التفاعل المعقد بين الجينات الذي قد يحل شفرة بعض الأمراض المزمنة، كما يمكن الوصول إلى استنساخ البشر، وعزل جينات العمر التي تتحكم في تقدم السن، سامحة لنا بأن نمد في حياة الإنسان .
ونتوقع أيضا الوصول إلى تكنولوجيات مدهشة تختمر في مختبرات الفيزياء، وستكون ثمارها أجيال من الليزرات وأجهزة تلفزيون ثلاثية الأبعاد، والى الاندماج النووي، وقد نجد الموصلات الفائقة التي تعمل عند درجة الحرارة العادية، مما سيولد ثورة صناعية ثانية .
وستنجح نظرية الكم في القدرة على تصنيع آلات بحجم الجزيئات، وبالتالي تقدم نوعا جديدا تماما من الآلات بمواصفات لم تعرف من قبل تدعى " النانوتكنولوجى" وربما نصل إلى بناء محركات صاروخية أيونية قد تجعل السفر بين النجوم أمرا شائعا .
المرحلة الثالثة من 2050 وحتى نهاية القرن : أي تنبؤات لها هذا البعد قد تكون غامضة وغير واضحة، إلا أنها احتمالية بدرجة عالية من خلال تكنولوجيات جديدة، فقد يتطور الإنسان الآلي إلى درجة تمكنه من اتخاذ قرارات مستقلة، وقد نصل عن طريق التطور في تكنولوجيا الجينات إلى نقل عديد منها من كائنات إلى كائنات أخرى متيحة لنا أن نزيد من إمدادات غذائنا، والتحكم في صحتنا عن طريق تكييف التكوين الجسدي وربما العقلي لأطفالنا، وقد يصل الأمر إلى ابتكار أنواع جديدة من الكائنات العضوية .
وسيكون تأثير نظرية الكم قويا خاصة فيما يتعلق بإنتاج الطاقة، فقد نتمكن من رؤية بدايات الصواريخ التي يمكنها أن تصل إلى النجوم القريبة، ووضع خطط لتشكيل المستعمرات الأولى فى الفضاء .
ويرى بعض العلماء تقاربا أكبر للثورات الثلاث، عندما تقدم لنا نظرية الكم دوائر ترانزستور وآلات كاملة بحجم الجزيئات، متيحة لنا أن ننسخ النماذج العصبية للدماغ على كمبيوتر، وخلال هذه الحقبة سيفكر العلماء جديا في مد فترة الحياة عن طريق تربية أجسام وأعضاء جديدة بواسطة التحكم في تشكيلتنا الجينية، أو حتى الاندماج مع مخلوقات جديدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناخبون في تشاد يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس للبلاد


.. مقتل 4 جنود إسرائيليين بقصف لحماس والجيش الإسرائيلي يبدأ قصف




.. الانتخابات الأوروبية: أكثر من نصف الفرنسيين غير مهتمين بها!!


.. تمهيدا لاجتياحها،الجيش الإسرائيلي يقصف رفح.. تفاصيل -عملية ا




.. تهديد الحوثي يطول «المتوسط».. خبراء يشرحون آلية التنفيذ والت