الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ذاكرة التاريخ : صدام يزج العراق بالحرب ضد إيران/ 2/3

حامد الحمداني

2015 / 5 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


حاول حكام العراق بكل الوسائل والسبل وقف الحرب ووسطوا العديد من الدول والمنظمات كمنظمة الأمم المتحدة والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، لكن كل محاولاتهم ذهبت أدراج الرياح، فقد كان الإمبرياليون يسعون بكل الوسائل والسبل إلى استمرار الحرب، وإفشال أي محاولة للتوسط في النزاع، فقد قتل وزير خارجية الجزائر عندما كان في طريقه إلى إيران، في محاولة للتوسط بين الطرفين المتحاربين، حيث أُسقطت طائرته، ولف الحادث الصمت المطبق وبقي سراً من الأسرار.

كما اغتيل رئيس وزراء السويد [ أولف بالمه ] الذي بذل جهوداً كبيرة من أجل وقف القتال في أحد شوارع العاصمة السويدية، وبقي مقتله سراً من الأسرار كذلك، وقيل أن توسطه بين الأطراف المتحاربة لوقف القتال كان أحد أهم أسباب اغتياله، هذا بالإضافة إلى موقفه النبيل من قضايا التسلح النووي والحرب الفيتنامية التي عارضها بشدة.

لقد كان إصرار حكام إيران على استمرار الحرب من أعظم الأخطاء التي وقعوا فيها، ولا يمكن تبرير موقفهم ذاك بأي حال من الأحوال، فقد أدى استمرار الحرب حتى الأشهر الأخيرة من عام 1988إلى إزهاق أرواح مئات الألوف من أبناء الشعبين، العراقي والإيراني، وبُددت ثروات البلدين وانهار اقتصادهما، وتراكمت عليهما الديون، وأُجبر حكام إيران على شراء الأسلحة من عدويهما إسرائيل وأمريكا،( كما كانت شعاراتهم تقول)، ولا أحد يعتقد أن الإمام الخميني وحكام إيران لم يكونو عارفين أن تلك الحرب كانت حرب أمريكية وتصب في خانة الولايات المتحدة وإسرائيل الإستراتيجية في المنطقة، وكان خير دليل على ذلك قيام الولايات المتحدة وحلفائها بتزويد الطرفين بالأسلحة، والمعدات وقطع الغيار والمعلومات التي كانت تنقلها الأقمار الصناعية، والتجسسية الأمريكية لكلا الطرفين، من أجل إطالة أمد الحرب، وعليه كان الإصرار على استمرار الحرب جريمة كبرى بحق الشعبين والبلدين الجارين، بصرف النظر عن طبيعة النظام العراقي وقيادته الفاشية المتمثلة بصدام حسين وزمرته، والتي كانت تدفع أبناء الشعب العراقي إلى ساحات الموت دفعاً، وحيث كانت فرق الإعدام تلاحق الهاربين من الحرب، أو المتراجعين أمام ضغط القوات الإيرانية في ساحات القتال.
ومن جهة أخرى كان النظام الإيراني قد أدرك أن الإمبرياليين يساعدون الطرفين، ويمدونهم بالسلاح والمعلومات العسكرية، وعليه فإن استمرار تلك الحرب كان يمثل خدمة كبرى للإمبرياليين، وكارثة مفجعة لشعبي البلدين وللعلاقات التاريخية وحسن الجوار بينهما ؟
لقد أعترف صدام حسين عام 1990، بعد إقدامه على غزو الكويت في رسالته إلى الرئيس الإيراني [ هاشمي رفسنجاني ] أن تلك الحرب كان وراءها قوى أجنبية كانت لها يد في الفتنة.

ولكن صدام حسين لم يقل الحقيقة كاملة وبشكل دقيق،لأن الحقيقة تقول أن صدام حسين أشعل الحرب بأمر أو تحريض أمريكي، وظن أن بإمكانه تحقيق طموحاته في التوسع والسيطرة، ولعب دور شرطي الخليج، وليصبح للعراق منفذاً واسعا على الخليج إضافة إلى السيطرة على منابع النفط الايرانية.

لقد أراد صدام حسين أن يزاوج مصالح الإمبريالية بأطماعه التوسعية، ولكن حسابات البيدر كانت غير حسابات الحقل، كما يقول المثل، ودفع العراق ثمناً غالياً من دماء أبنائه، وبدد صدام حسين ثروات البلاد، واغرق العراق بالديون، ودمر اقتصاده، ولم يستفد من تلك الحرب سوى الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهم، وليذهب شعبا البلدين المظلومين من قبل حكامهما، ومن قبل الإمبرياليين إلى الجحيم.

ربما فكر الإمام الخميني بأن استمرار الحرب يمكن أن يحقق له أهدافاً في العراق كقيام ثورة [ شيعية] تسقط النظام الصدامي، لكن هذا الحلم كان غير ممكن التحقيق لسبب بسيط هو أن الإمبريالية لا يمكن أن تسمح بقيام نظام ثانٍ في العراق على غرار النظام الإيراني، ولا حتى تسمح بأن يسيطر صدام حسين على إيران ليشكل ذلك أكبر خطر على مصالحهم في المنطقة، ولا تسمح لأحد المنتصرين الجلوس على نصف نفط الخليج، وليس أدل على ذلك من إعلان الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في خطابه أمام الكونجرس الأمريكي، في 23 كانون الثاني من عام 1980 والذي عرف بـ [مبدأ كارتر] وجاء فيه ما يلي :

{ إن أي محاولة من جانب أي قوى للحصول على مركز مسيطر في منطقة الخليج، سوف يعتبر في نظر الولايات المتحدة الأمريكية كهجوم على المصالح الحيوية بالنسبة لها وسوف يتم رده بكل الوسائل، بما فيها القوة العسكرية}.
هذه هي حقائق الوضع في منطقة الخليج، والتي جهلها أو تجاهلها حكام البلدين، ليغرقوا بلديهما وشعبيهما في ويلات أطول حرب في القرن العشرين.

لقد حاول صدام امتصاص غضب الشعب واستياءه من تلك الحرب وكثرة الضحايا برشوة ذويهم، وذلك بتقديم سيارة ومبلغ من المال، أو قطعة أرض، او شقة، أو دار، وكانت الحكومة السعودية، وحكام دول الخليج الأخرى تدفع الأموال الطائلة لتمكن صدام حسين من دفع تلك الرشاوى، ولشراء الأسلحة والمعدات للجيش العراقي بعد أن أستنفذ دكتاتور العراق كامل احتياطات البلاد من العملات النادرة البالغة 36 ملياراً من الدولارات والذهب، واستنفذ كل موارد العراق النفطية التي كانت تقدر بـ 25 مليار دولار سنوياً، هذا بالإضافة إلى إغراق العراق بالديون.

لقد كان من الممكن أن يكون العراق في مصاف الدول المتقدمة في تطوره ومستوى معيشة شعبه، نظراً لما يتمتع به من ثروات نفطية ومعدنية، وأراضي زراعية خصبة، ومياه وفيرة، ولكن الدكتاتور آثر أن يسوق الشعب العراقي نحو الجوع والفقر والموت، والوطن نحو الدمار والخراب.

كاد صدام يفقد صوابه بعد أن تطورت الأوضاع على جبهات القتال لغير صالح العراق، وبدأ يعبئ كل موارد البلاد لخدمة المجهود الحربي، كما أخذ يطلب المساعدة من دول الخليج ومن السعودية بشكل خاص، وشعر حكام الخليج أن الخطر قد بدأ يتقدم نحو المنطقة، فسارعوا إلى تقديم كل أنواع الدعم والمساعدة المالية، وحصل العراق في تلك الفترة على 12 مليار دولار، وكان عدد من الدول العربية كمصر والسعودية والكويت تقوم بشراء الأسلحة لحساب العراق .

غير أن حكام العراق وجدوا أخيراً أن السعي لإنشاء مصانع الأسلحة ذات الدمار الشامل يمكن أن تكون أداة فعالة لدفع الخطر عن البلاد، وتم إنشاء هيئة التصنيع العسكري، بمساعدة الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، وبدأ العراق بإنتاج الأسلحة الكيماوية مستفيداً من خبرة عدد من العلماء المصريين وبعض العلماء الأجانب الذين سبق وعملوا في برامج الأسلحة الكيماوية.

ثم بدأ العراق في إنتاج وتطوير الصواريخ من طراز[ سكود ] وطور مداها لكي تصل إلى ابعد المدن الإيرانية، وكان الإيرانيون قد حصلوا على عدد من تلك الصواريخ وضربوا بها العاصمة بغداد وبعض المدن الأخرى، حيث كانت تلك الصواريخ تطلق نحو العراق كل بضعة أيام أو أسابيع لتصيب الأهداف المدنية وتفتك بالأبرياء، فقد أصاب أحد تلك الصواريخ مدرسة ابتدائية في بغداد، وقتل العديد من الأطفال وجرح أعداد أخرى، وكان الشعب العراقي ينتابه القلق الشديد كل يوم من هذا السلاح الخطير، حيث لا أحد يعلم متى وأين سيسقط الصاروخ، وكم سيقتل من الآمنين.

تمكن العراق من الحصول على أعداد كبيرة من تلك الصواريخ، وبدأ في تطويرها وزيادة مداها، وبدأ حكام العراق يطلقونها على العاصمة الإيرانية والمدن الأخرى بكثافة، حتى جاوز عدد الصواريخ التي أطلقوها على المدن الإيرانية أكثر من [1000 صاروخ ] منزلين الخراب والدمار بها، والخسائر الفادحة في صفوف المدنيين، وأخذت الحرب تزداد خطورة وأذى للسكان المدنيين.

كما تمكن العراق من إنتاج كميات كبيرة من الأسلحة الكيماوية واستخدمها في صد هجمات القوات الإيرانية منزلاً بها الخسائر الجسيمة في الأرواح، كما راح حكام العراق يعبئون صواريخ سكود بالغازات السامة كغاز[الخردل] و[السارين] السامّين ، ثم بدءوا يتطلعون إلى تطوير ترسانتهم الحربية في مجال الأسلحة البيولوجية والجرثومية، وتمكنوا من إنتاجها وتعبئة القنابل بها.

أحدث برامج التسلح العراقي هذا قلقاً كبيراً لدى إسرائيل التي كانت تتابع باهتمام بالغ تطوير برامج التسلح العراقي، وقام جهاز المخابرات الإسرائيلية [الموساد ] بحملة ضد العلماء الذين ساهموا في تطوير البرامج، وضد الشركات الغربية التي جهزت العراق بالأجهزة، والمعدات اللازمة لتطويرها، وخاصة الشركات الألمانية والفرنسية والأمريكية والبلجيكية والسويسرية التي بلغ عددها أكثر من 300 شركة.

فقد قام الموساد باغتيال العالم المصري الأمريكي الجنسية [يحيى المشد] الذي عمل في تطوير الأسلحة العراقية ذات الدمار الشامل، كما أغتال العالم البلجيكي الدكتور[جيرالد بول] في بروكسل، حيث كان هذا العالم يعمل لإنتاج المدفع العملاق للعراق، وقام جهاز المخابرات الإسرائيلي أيضاً بنسف توربينات المفاعل النووي [ أوزيراك ] في ميناء [مرسيليا ] الفرنسي حيث كان معداً لنقله إلى العراق.

غير أن العراق واصل نشاطه في بناء مفاعل جديد بإشراف العالم النووي العراقي [جعفر ضياء جعفر ] الذي استطاع أن يحقق نجاحاً بارزاً في هذا المجال، وكان ذلك يجري تحت سمع وبصر الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، ومساعدتهم لإبقاء نار الحرب مشتعلة بين العراق وإيران .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -غادرنا القطاع بالدموع-.. طبيب أمريكي يروي لشبكتنا تجربته في


.. مكتب نتنياهو: الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على قدرات حماس ع




.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره الأميرك


.. حرب غزة: بنود الخطة الإسرائيلية




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا صاروخين ومسيّرات من اليمن |