الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شذرات حول التعليم و المدرسة المغربية

كريمة بكراوي

2015 / 5 / 7
التربية والتعليم والبحث العلمي



لازالت قضية إصلاح التعليم بالمغرب تتصدر العناوين، موضوع ظل الرأي العام يلوكه منذ عقود، فما قامت به الدولة من تغييرات و تنقيحات على مجال التعليم في مختلف مستوياته تحت شعار إصلاح المنظومة التربوية، لم يغير واقع الحال لتقبع المؤسسة التعليمية في قفص الاتهام؛ و هو ما أكدته مختلف التقارير و الدراسات التقويمية الوطنية و الدولية تحت شعار الوضعية المتأزمة و الحاجة الماسة للإصلاح الجذري و التأهيل بغية جعل المدرسة تؤدي وظائفها المنتظرة على كافة المستويات. فكان لزاما وضع خطط جديدة و الخوض في مشاورات وطنية، جهوية، إقليمية و محلية؛ لبلورة رؤية مستقبلية لمدرسة جديدة لمواطن الغد في أفق 2030 من خلال وضع مشروع تربوي جديد يستجيب لمتطلبات السوق، فأفضت تلك المشاورات إلى وضع مجموعة من التدابير ذات الأولوية. هذا السياق العام يستفز فينا مجموعة من التساؤلات من قبيل: هل تستجيب هذه التدابير للحاجات الحقيقية للنشء؟ أفعلا ستعالج أزمة التعليم المغربي جذريا؟ لكن الأجدى أن نتساءل أولا: ما الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة؟
تلكم إشكالات لا يسمح المجال للإجابة عنها لما تتطلبه من دراسة معمقة، الأمر الذي سنقوم به فيما بعد لما يتطلبه الموضوع من دقة أكثر. و سنركز هنا عن التساؤل الأخير من خلال عرض بعض الشذرات القابلة للنقاش و التوسع. فالمرض المركب المزمن الذي تعانيه منظومتنا التربوية وليس الفشل، هو نتاج تراكم و تأخر تاريخي مقصود معبر عنه عبر عدة مغالطات لابد من الحسم مع مروجيها منها:
-;- لغة اللأم هي شفوية بالإضافة إلى لمسات يد الأم و نظراتها و إشاراتها، فعندما تدخل الكتابة و الرسم تنتهي هذه الغة لتحل مكانها اللغة الصناعية المصطنعة نسبيا.
-;- ترتيب اللغات في الساحة المغربية: العربية و الأمازيغية بتساو للجميع في شكليهما الوظيفي اليومي الراقي و ليس الدارج، و الاهتمام بالمنتوج الشفوي بصدق و أمانة في كل أبعاده خدمة للهوية، فتأتي في الرتبة الثانية حسب ما يفرضه منطق الانتشارية العلمية: الأنجليزية ابتداء من الخامسة بالتعليم الأساسي؛ أما الرتبة الثالثة فهي سواء و اختيارية بعد سلك الباكلوريا - الثانوي التأهيلي- و هذه الرتبة تخص الألمانية نظرا لمنتوجها الفلسفي، الإسبانية البرتغالية بفعل الجوار، الفارسية و العبرية و اليابانية و غيرها من أجل معرفة الآخر و التفاعل معه بنوعيه من الاستفادة و الاستزادة المتكافئة الربحية لكل الأطراف.
-;- الدعوات للفرنسة: جاءت نتيجة الحرب المصطنعة على مستوى الساحة اللغوية المغربية، بفعل الهيمنة الاستعمارية. فقد بدأت في الثمانينات في المدرسة المغربية بخطة استراتيجية بعيدة المدى تتجلى في:
1- مبدأ الليونة و التساهل مع التلاميذ في الشكل و الصرف و التواصل الصفي باستعمال الدوارج لتحقيق الفهم زعما، فضرب مبدأ الغة هي الاستعمال.
2- تقليص حصص اللغات و المواد العلمية ضربا للعقلانية .
3- ضرب قدسية الاستاذ(ة) المربي (ة) و المدرسة المواطنة مع التشبث بالمقاربة الأمنية للشأن التربوي و ثقافة التشكيك، فكانت النتيجة لا الأمية قضينا عليها و لا المردودية سايرت متطلبات المرحلة الحضارية ؛ و كان إنتاج الهدر و التخلف المقصود.
4- ادعاء أن المدرسة بعيدة عن سوق الشغل، معادية لمحيطها مغلقة، فتحولت من بناية إلى وكر للغش بكل أنواعه، و إلى مرمى للنفايات و القمامة من فائض المنازل و الدور المجاورة. فهل كل من يحكم عليه بالكون بها أو بجوارها يعد من سقط الوجود؟ و من الذي أنتج و لا يزال يجد في محاولة فرض هذه الحالة الشادة؟ و لماذا؟
5- اتهام المدرسة المغربية بأنها فشلت: لا تكون نشء مدركا للعالم، متسما بالفكر النقدي، مندمجا اجتماعيا و كفء قادرا على التعلم مدى الحياة و الإبداع؛ و السبب الأستاذ(ة) المشجب و الغة و التعريب. فالواقع ليس ذلك، لدينا في المغرب الحبيب مدارس أجنبية، و أخرى تابعة لها بالمقررات و اللغة الفرنسية و مردوديتها دائما دون المدرسة العمومية. و على المكذب أن يحاول النظر في أعداد الملتحقين بالمدارس العليا العلمية بالمغرب و المعاهد و الجامعات الأجنبية و النتائج النوعية المحصل عليها، لينام فاغر الفاه مشدوه العينين مليئا. فالمشكل المزعوم ناتج اختيارات و سراديب خاصة.
6- التشهير بالمؤسسة التربوية المغربية في شخص أطرها عبر مختلف وسائل الإعلام خاصة السمعي البصري الوطني، إلى جانب نوعية: الأفلام، المسلسلات، رسوم متحركة و مختلف البرامج المقدمة. ففككت الأسر و استبيح العنف و استفحل، ثم قضي على القيم و بدون هذه الأخيرة يفقد المجتمع أصوله و مبادئه و القوانين التي تنظمه.
7- إخضاع المنظومة التربوية المغربية للتنشيط المغشوش، التوتر الحاد و للتناقضات الدائمة؛ فمن يسدد الضريبة؟ الأمة طبعا.
8- اعتماد التسيير بانتهازية مع التركيز على ضعف شخصية المسير، و جهله بالقوانين ليسهل تركيع الغير به مع تحميله الأوزار؛ فالنعجة الشمطاء مسؤولة على شراسة افتراس الذئب للقطيع.
كفى هراء و استحمارا بل استبلادا للذكاء المغربي و الوجود الحضاري لهذا الشعب الكريم، لإن المغرب دولة تقلصت حدودها و لم تنكمش مكوناتها الإثنية و البشرية و الحضارية. إن الدستور المغربي مهما كانت ملابساته التاريخية يبقى أهم مرجعية قانونية لكل المؤسسات و التشريعات و التوصيات؛ فكل سلوك مهما كانت مبرراته يخالف روح دستور 2011 جريمة، يجب أن يصدر في حقها أقصى العقوبات، لماذا؟ لأنه يلغي وجود الدولة كما يلغي وجود الشعب المغربي، و هذه الجريمة المزدوجة التدميرية للحضارة لا تغتفر.
و كل تبعية و اختيار يهم مصير الشعب المغربي، لا تحسم فيه اللعبة الانتخابية المعروفة بالمقامرة و تقديم كنوزنا للغير بالمجانية، و إنما الحسم فيه للتاريخ و الحضارة المغربية الغنية بتنوعها، و كذلك للأفاق المستقبلية.

بقلم: ذ. كريمة بكراوي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا