الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات نفسية لمحنة الفقدان

اسعد الاماره

2015 / 5 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إننا في هذه السطور لا نسبر أغوار النفس الإنسانية بقدر ما نؤشر ما يكتنفها من غموض في لحظات تعد أضعف الهنات في مراحل حياة الإنسان، مراحل تنشط الضغوط النفسية من الداخل، ومن الخارج، فتتلاقف هذه النفس الهزات والأزمات في لحظات إذا ما انفلتت الامور، أميط اللثام عن ما في داخلها فأنكشفت بلا ستار أو قيود، ولم تعد الحيل الدفاعية ذات جدوى في ستر الداخل!! إننا في هذه السطور لا ندرس علم النفس، بل نطبق علم النفس على ظاهرة إنسانية أسمها" الفقدان- الرحيل – البقاء وحيدا في لحظة لم يتهيأ لها الإنسان.
يقول الشاعر الفيلسوف الهندي الخالد طاغور:
وجد كوني لغته في صوتك
ولمست قلبي بمحياك
ثم فجأة أوقفت خطواتك
في ظل الخلود
وتابعت الطريق وحدي
يعرف المشتغلون بالعلوم النفسية بعامة وبعلوم النفس بخاصة تلك المساحة الضخمة التي يشغلها الشجن وفقدان أحد الزوجين، أو العزيز القريب فجأة ، فيترك أثرا ربما يندمل بفعل الزمن وتقادمه، أو يترك عاهة مستديمه في نفس الإنسان المحب أو أولاده، حتى أن حشد ليس بقليل أهتم بدراسة الضغوط الناجمة عن الفقدان والأزمات النفسية التي حصلت من بعدها. والبعض الآخر درس الأغتراب النفسي الذي يؤدي إلى الأضطرابات النفسية بوصفه مهيأ لها، أو للإضطرابات العقلية ايضا، إذا لم ينجح في تجاوز هذه الإرهاصات والهنات الناجمة عن الفقدان ممن أحب، أو الخسارة الفادحه التي مني بها ولم يلملم شتات نفسه، ويقوم مرة أخرى بمواجهة صدمات الحياة المستمرة والدائمة لطالما هو يعيش في هذه الحياة.
يقول الفيلسوف والطبيب النفسي" د. ريكان إبراهيم" هناك ملمحٌ في السلوك الإنساني يتناوله علم النفس التفاعلي، نعني بذلك أن نظرة الفرد إلى ذاته وإلى الآخرين لا نعني بها نظرة العين المجردة وفحص الملامح المُعلنة، إنما نعني بها تلك العملية الداخلية التي يشترك في تكوينها الإدراك والمشاعر ليظهر بعد ذلك السلوك الذي يُحدد طبيعة العلاقة بين الناس بدءًا بتحديدها بين أثنين من البشر، هناك التواصل الشعوري( المُدرَك) أو( الواضح) بين أثنين وهناك التواصل اللاشعوري أو غير المُدرَك، وكلما أقترب شخصان في طبيعة الإدراك وطبيعة المشاعر أقتربا من بعضهما في علاقة متينة، من الصعب أنفصامها. ولا نغالي إذا قلنا أن النفس هي هي في أعماقها، حينما تقبل الآخر فتندمج مع بعضها لتكون ذات واحدة، ونتفق مع من سبقنا من الفلاسفة بقولهم: لن أكون انا ، حتى تكوني أنتِ أنا، فيكون حينئذ الإنصهار في (أنا) واحدة، وقول أستاذ الأجيال العالم النفسي الشهير مصطفى زيور بتسائله في أغلب الظن، أنه لا يصح في الأذهان أن تكون صفات النفس هي هي في الصحة والمرض.. هي هي في العلاقة في الوجود المتحقق، وفي الوجود الغائب ، وإن قليلا من التفكير يدلنا على أن الحياة نفسها مستحيلة بغير المحب!!
نحن نخطو نحو الإضطراب النفسي وربما العقلي بسبب فقدان من نحب!! أو قد تصل بالبعض إلى الانتحار كطريق موصول للراحة الأبدية، هروبا من عذاب التفكير اليومي والإنشغال المستمر بالذكريات التي تقفز كل ثانية أو لحظة ولا يستطيع المأزوم بفقدان المحُب أن يتصدى لها، فتنهكه الذكريات، وتتعبه الهواجس والماضي وأحداثه؟ هذه المشاعر والآخيلة التي تنهب الصحة بهدوء لانها ذات طابع حزين تدور دائما حول ذكريات الحبيب المفقود. وسؤالنا هو : هل كتمان الحزن ينسي الحبيب أنفعالاته تجاه المحبوب الذي فقده؟ هل يقوى على ذلك؟
تتفاوت التأثيرات والانفعالات بشتى درجات الشدة، وهي عادلة للغاية وتتناسب بصورة معقولة مع استجابة الموقف المثير لنوبة الحزن وقوته والحالة الداخلية للذات، وطول الفترة التي أمضاها مع الحبيب المفقود في هذا المكان أو ذلك الزمان، فإذا كانت فترة عابرة تمر الذكرى بقليل من الحزن، أما إذا كانت المدة طويله إلى حد ما فتكون الآلام النفسية عميقه وتترك آثار وجروح داخليه، قد تطال بعض النقاط الضعيفه من اعضاء الجسد، الذي بدأ بالتأكيد يتهاوى تحت ضربات الحزن وشدة الانفعالات وضعف الدفاعات، وتغدو الدوافع التي تحفز الحزن قوية، وشديدة ومؤلمة وربما إذا ما واجهها الشخص المنكوب بالفقدان بقدرة تحمل، سوف تعود مرة أخرى وتلبس صورة الحاجة إلى المحبوب المفقود بذكرياته، وساعاته الجميلة، ولا يمكن ضبط هذه الذكريات في الانسياب حتى لتصبح عنصرًا تدميريا ذو تأثير فعال على الأحشاء الداخلية للجسد.. إنها محنة حقًا، كيف الحل ؟
إن الأمر خطير في ذلك، فليس الحب هو مجرد عاطفة تغنى بها الشعراء، وسطر الكتاب مادتهم للتأليف كما يقول"زيور" انها ونحن نقول في هذه السطور هي الرابطة التي تربط حياة الأسرة ، فبدونها لا تكون حياة، وإن المجتمع بدونها لن يكون قائما ما لم يؤلف الحب بين أفراده، ونقول أيضا أن الحياة نفسها مستحيلة بغير المحب، ولكن استغفلت هذه العاطفة على الفهم في الفقدان، وغياب أحد الحبيبن فجأة وبدون سابق إعلام أو تمهيد. فالمحب يعرف عن الحبيب أكثر مما يعرف عن القادم الذي يخبأه الزمن، وان كان القادم أعلن كراهيته للحبيبن وهو غطاء لكراهية المحبين حتى وإن دام عدة عقود من الزمن، فيظهر في الفقدان الإشاره إلى أن هذا لا يحدث إلا إذا كان الإنسان يستشعر قدرا من الحب الأصيل، وهو حبا نرجسيا يتبادله المحبين وهو طاغيا فياضا ولكن يفرقه الفقدان المفاجئ أو الفقد في الكبر والشيخوخه، والامر سيان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م