الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وفاءاً لذكرى الشهيد جلال يونان جبو عم مرقس

كمال يلدو

2015 / 5 / 14
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


حينما بدأت شراين قلبه تحمل نبض الشباب المتدفق بالأماني والأحلام، وصار المستقبل عنده مرسوما بين هلالين (وطن حر وشعب سعيد)، كان ـ حزب البعث ـ يعد العدة لمشاريع جهنمية أخرى الطرف الآخر، بين الحروب والقتل والدمار، بين المحاربة والتضييق وبناء سجون جديدة، لا بل تحويل العراق الى سجن عملاق وبمقبرة جماعية كبرى لا ترقى لها كبريات المقابر في العالم. ذاك كان تأريخ الدكتاتورية وذاك كان إرثها الذي ورثناه. اما لو أُوتي لأرواح الشهداء البررة ان تطوف من جديد على بغداد وباقي مدن العراق، فلا اتصور إن احداً سيتمكن من معرفة مدى خيبتها وحزنها على ما آل اليه حال هذين المسكينين، الشعب والوطن، وكأن دماءهم لم ترو أديم الرافدين وتخضبه بالطيب والأماني. ان مسؤلية أخلاقية كبرى تدعونا للتمعن بمشهد العراق الراهن والعمل بكل صدق لوقف هذا التدهور المريع، هذا النزيف القاتل وانهيار القيم والتدمير الحضاري . إننا مدعوون لسحب المبادرة من أيدي الجهلة والفاشلين، وهذا سيكون اقل عربون محبة نقدمه للشهداء الذين استرخصوا ارواحهم لغد أفضل، من اجل أن ينام الشهيد جلال ورفاقه ورفيقاته دون خوف على مشاريعهم للحياة المثلى.
****
ولد الشهيد جلال في مدينة (تلّسقف) التابعة لمحافظة نينوى عام 1955، وما كاد يبلغ السادسة من عمره حتى انتقلت عائلته الى محطة ( تي وان T1) احدى محطات ضخ النفط للأنبوب المار بسوريا في محافظة الأنبار، إذ كان والده عاملا في شركة نفط العراق.
بدأ مشواره المدرسي في الأبتدائية والمتوسطة وصفين من الأعدادية في منطقة (T1)، لكنه أكمل الصف السادس الثانوي في بغداد، إذ التحق بأخيه الأكبر (صبري) والذي كان يدرس في الجامعة المستنصرية، وبعد تخرجه من الثانوية درس في (معهد التكنلوجيا ـ الزعفرانية عام 1975) وعندما تخرج منه ، أدى الخدمة الألزامية. لقد وجد نفسـه بعيدا جدا عن التوظيف الحكومي بعد أن تسّرح من الخدمة العسكرية، فأضطر للعمل كسائق تكسي مستخدما (سيارة موسكوفيج) .
أظهر ميلا للأفكار الوطنية والثورية منذ سني صباه الأولى، وكان أثناء دراسته الثانوية في السبعينات، في قمة نشاطه وقد قام مع مجموعة من زملائه بإعادة تشكيل فرع (اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية) في اعداديته ب (T1). وحينما انتقل لبغداد عمل بكل صبر وتفاني لخدمة الأهداف الوطنية التي آمن بها. بعد الهجمة الشرسة التي قادتها اجهزة البعث والمخابرات مع اطلالة عام 1978 لم ينثن للصعوبات، فواصل نضاله وعمله حتى حان يوم 30 تشرين أول 1980 حينما تم اختطافه من قبل اجهزة الأمن والمخابرات من الشارع وهو في سيارته باحثا عن الرزق الحلال في منطقة البلديات ببغداد.

ـ تتذكره السيدة سهام مرقس زوجة شقيقه صبري بالقول: كان أول عهدي بالشهيد الراحل (جلال) في العام 1975 حينما اقترنتُ بشقيقه، وتقاسمنا البيت مع اسرته. يومها كان طالبا في المعهد، وعرفته انسانا نبيلا ومحبا ومندفعا بكل حيوية الشباب، كان اكثر من أخ لي، بل اضحى الصديق الودود. لقد ساعدني بتخفيف حمل مسؤليات البيت، خاصة وأني كنت اعمل موظفة آنذاك وقد رزقنا انا وشقيقه صبري ببنتين جميلتين (صمود و لهيب)، إذ كان يلاعبهما اثناء غيابي، وغالبا ما يأخذهما الى مدينة الألعاب، وبالأضافة لذلك فقد كان يذهب للتسوق، ولم يتوانَ حتى عن (طبخ الطعام) للعائلة اثناء انشغالي بالوظيفة. ولأنه كان متعلقا ببناتي، فكانت والدته (المرحومة بريجو) عادة ما توجه السؤال له: لماذا لا تتزوج وتنجب لنا أميرات مثل شقيقك ؟ فيرد عليها بالقول مبتسماً، أنا متزوج قضيتي، وهذا يكفي!
انه لأمر محزن حقا أن تنطفئ كل تلك الحيوية والشباب نتيجة القهر والأرهاب والعقليات المتخلفة التي كانت سيدة الموقف لدى الحكام. لم تمض حياتنا بسهولة اثناء حكم الدكتاتورية، وخاصة بعدما اختطفوه وأنقطعت كل اخباره عنّا، ولم نكن نتجرأ حتى بالسؤال عنه، فقد كان النظام يتبع اسلوبا اجراميا مع الكل. هذه الحالة دفعتنا لنقل سكننا اكثر من مرة هربا من ملاحقات الأمن، فمن البلديات الى المشتل ثم الدورة وبعدها الى الضباط.
لا استطيع أن اصف فرحتنا بسقوط الدكتاتورية، لكن همّاً جديداً طرح نفسه علينا وهو البحث عن مصير "المُغَيّب جلال" وشقيقي "المُغَيّب أثير"، وكانت الضربة القاصمة حينما اعلن الحزب الشيوعي العراقي عن حصوله على قوائم بأسماء المناضلين الذين اعدمتهم الدكتاتورية عام 1984، وقامت بدفنهم في ما اسمتها ( مقبرة الخونة في أبي غريب ـ المقابر الجماعية) وتبين بأن "جلال" و "أثير" كانا من بين الضحايا، فذهب شقيقه صبري الى تلك المقابر وأمضى أربعة ايام في البحث (مع مئات الناس الذين كانوا ينبشون الأرض بحثا عن أحبتهم)، مواصلا الليل بالنهار علّه يعثر على اية اشارة لرفات الشهيد، لكنه عاد بعدها خالي اليدين، ولم يمض كثيرا من الوقت حتى فارق هو الآخر الحياة (2006) مثخناً بالألم والحسرة والمعاناة بعدما كانت والدته قد سبقته للرحيل ايضا (1990) شاربين المرارة من ذات الكأس!
ـ اما السيد باسم روفائيل، إبن عم الشهيد جلال فيقول: ما أقسى الزمن وما أوجع ضرباته. ويوميا اتسائل: كيف يمكن ان يكون الأعدام والقتل والتعذيب ومحو اي أثر للمقابر، ثمنا لأعتناق فكر سياسي ؟! كيف يمكن ان يعاقب الناس بهذه الطريقة الوحشية، وكيف يمكن لبلداننا ان تتطور وتزهو وتلتحق بركب الأمم الأخرى إن لم يكن فيها فسحة من الديمقراطية والحوار والأختلاف والأتفاق ؟ اي عقلية همجية سار عليها اؤلئك الحكام، ولا عجب، فجريمة البعث لم تقتصر على (جلال) بل تعدتها لتشمل ملايين "الجلالات" ولتطال كل الشعب ، ليس في زمن حكمهم فقط، بل لغاية هذا اليوم ايضا.
وبقدر ما افتخر بإستشهاد ابن عمي جلال، وأعتبر ذلك وساماً لمدينتنا الحلوة (تلّسقف) وقنديلاً ينير دروب كل الطامحين لغد مشرق لهذا الوطن الجميل، إلا ان الماً آخراً يعتصر صدري وهو وضع العراق اليوم، وحال مكوناته الأصيلة التي صارت ضحية الأرهاب والعقليات المتخلفة، وها نحن اليوم نعيش (نازحين) في وطننا بعدما احتلت داعش مدينتنا، إلا ان باباً رحبا قد فتحه لنا اهلنا وأحبتنا ورفاقنا الأعزاء في مدينة المناضل توما توماس، القوش الحبيبة وعسى ان يكون ليل انتظارنا قصير.
ـ اما السيد رزاق نعمو قريب الشهيد فيتذكره بالقول: لقد جمعتنا المناسبات العائلية في طفولتنا، وبعدما انتقل الشهيد الى بغداد توطدت تلك الوشائج. كان انساناً طيباً، و يتحلى بأخلاق سامية، ويمتاز بالنزاهة والصراحة . وفي كل جلساتنا الصداقية كان شخصية متميزة بمرحه وكياسته. لقد حزنت كثيراً لرحيله، وحزنت اكثر كلما تذكرت العذابات التي مرّت عليه بيد القتلة، انه منظر صعب جدا. يبقى جلال خسارة كبيرة لنا وللوطن.
** الذكر الطيب للشهيد جلال يونان والخزي لقتلته
** المواساة لعائلته الكريمة وأهله وأصدقائه ومحبيه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم