الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأرقام لا تكذب (اقتصاد مصر قبل ثوروة يوليو 1952)

احمد على بدوى

2015 / 5 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


"الأرقام لا تكذب" ......
جملة شائعة تحاول إثبات أن ما يعبَر عنه بالأرقام و الإحصاءات هو حقائق دامغة لا تقبل التشكيك ، و أن ما عداها كلاما مرسلا لا يقوم على الدليل.
و مما شاع فى الآونة الأخيرة فى معرض ما أعتبره نكوصا و نوستالجيا (الحنين للماضى) ، عبارات:
((إن مصر فى العهد الملكى – قبل ثورة يوليو 1952 – كانت دولة الرفاهية و الغنى و الاتساع و السيطرة و الهيمنة ، فى صياغات مثل:
فاروق ملك مصر و السودان و دارفور و كردفان ، إن مصر كانت دائنة لبريطانيا بمبلغ اربعمائة مليون جنيها استرلينيا ، ترتفع عن البعض الى عدة مليارات بأسعار العملة الآن ، و كذلك أن الجنيه المصرى كان يساوى جنيها ذهبيا ، و يزيد عن الجنيه الإسترلينى ببعض الفكة ، و أيضا أن الجنيه المصرى كان يساوى ثلاثة دولارات أمريكية و ثلاثة أعشار الدولار ........ الخ))
و لكنك لا تستطيع أن تأخذ الأرقام خارج سياقها الاجتماعى و الاقتصادى و التاريخى ، و كذلك مردود الأرقام على وضع المواطن و هل هى نابعة من اقتصاد دولة أم اقتصاد أفراد ، و إلا فإن معدلات النمو فى حكومة احمد نظيف من 2005 الى 2010 كانت تتصاعد الى 7 و نصف % سنويا ، و هو رقم كبير يوازى معدلات نمو اقتصاديات دول صناعية كبرى ....... لا نستطيع أن ننظر إلى الرقم دون النظر إلى معدلات "التنمية"

عودة إلى الوضع ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية (1945) و قيام ثورة يوليو (1952):
لم يكن الاقتصاد المصرى اقتصاد دولة ، و لكنه كان اقتصاد أفراد ، فرؤوس الأموال كان بالأساس زراعية و الدخل القومى المصرى راجع إلى تصدير القطن لصالح كبار الملاك (البعض لا يعجبه وصف الإقطاعيين) ، و عائدات بورصة القطن تصب فى جيوبهم و ليس فى خزانة الدولة ، لتتحول إلى مصير من اثنين: إما ودائع متراكمة فى البنوك [وكان بنك باركليز الإنجليزي يسيطر وحده على 56 % من الودائع]، و إما بناء و تملك عقارات فى القاهرة و الإسكندرية و لا تضاف إلى اقتصاد الدولة (إن كان ثمة اقتصاد دولة).
أما النشاط الصناعى ، فكان قائما أيضا على القطاع الخاص (احتكار رأس المال) ، فكانت أنشطة بنك مصر برؤوس أموال المساهمين (رؤوس أموال أجنبية بالأساس ، و أصحاب الحيازات الزراعية الإقطاعية ، و مصدرى القطن) ، أو إلى عبود باشا (إمبراطور صناعة السكر) ، بجوار بعض صناعات النسيج الخاصة .
أما قطاع الخدمات ، فلم يكن هناك سوى قناة السويس و التى لم تكن مصر تملك أسهما فيها منذ أن باع حصتها الخيديوى إسماعيل وفاء لجزء من ديونه.
إذا فالناتج القومى القائم على زراعة و تصدير القطن كان أموالا خاصة خالصة لمائتى عائلة تملك ألأرض الزراعية بجوار العائلة المالكة ....
أما مصروفات الحكومة ، فلم تكن تتجاوز رواتب الموظفين ، بلا التزامات اجتماعية تجاه عموم السكان البالغ تعدادهم 22 مليون مصرى ، فالتعليم المجانى مضافا إليه التوسع الأفقى فى نشر التعليم و انشاء المدارس لم يكن معروفا ... انتبه: القول بأن طه حسين قد جعل التعليم مجانيا قبل ثورة يوليو يحتاج تريث: قرار طه حسين بمجانية التعليم الإلزامى كان فى وزارة النحاس باشا فى يناير 1950 و التى أقيلت فى يناير 1952 ، أى أنه كان قرارا بادئ ذى بدئ و جاء فى تاريخ متأخر من عمر العهد الملكى ، و لم تدُم الوزارة حتى تحققه واقعا ، و أيضا لا نستطيع الجزم بأن الواقع الاقتصادى و الاجتماعى كان سيساعد العامل و الفلاتح على ارسال أولاده الى المدارس (و لو كانت حتى مجانية) و يتركون سوق العمل و مصدر الدخل للأسرة فى ظل غياب الضمان الاجتماعى و التأمينات و المعاشات و الرعاية الصحية المجانية ... الخ ..
أما التعليم الجامعى فكانت مصروفات العام الجامعى الواحد تتراوح بين 40 الى 60 جنيها ، و إذا كان للأسرة ولدان فعليها دفع 120 جنيها ، إذا كان متوسط راتب الموظف حوالى 12 جنيها ، فإننى أترك لكم حساب إمكانية ارسال أبناء الموظفين (الشريحة الأقل من الطبقة الوسطى) ، و ما بالك بابن الفلاح أو العامل.
استمرارا لمصروفات الدولة (التزاماتها) تجاه الشعب ، فلم يكن هناك التزاما يُذكر على الدولة ، (لغياب الضمان الاجتماعى) فم يكن هناك أىّ راتب للفلاح سوى الأجرة اليومية ، و كان العمال يعاملون نظام القطعة (الأجر اليومى أو الاسبوعى) بدون تأمينات او معاشات او ضمان اجتماعى او تأمين صحى ، لم تكن تلك الحقوق مكتسبة إلا لطبقة الموظفين (و من هنا نشأت مقولة: "إن فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه")
مصروفات الدولة فى المشاريع الخدمية و البنية التحتية و الإسكان و المواصلات و المشروعات الإنتاجية لم تكن معروفة ، فالمستشفيات كانت تقوم بالأساس على العمل الخيرى و لا يوجد فكرة بناء المساكن للمواطنين ، و لم تكن الدولة معنية بإنشاء لا مشروعات صناعية و لا زراعية تستوعب عمالة منتظمة ، و كذلك مد الطرق لم تكن موجودة طالما المشروعات التى ستخدمها تلك الطرق ليست قائمة ، و كذلك وسائل المواصلات كانت ملكا لشركات خاصة [أبو رجيلة فى القاهرة ، و الكافورى فى الأقاليم و قبلهما سوارس] و إذا خذنا مثالا لتوسع عمرانى كضاحية مصر الجديدة بالطرق المؤدية اليها بخط الترام بالخدمات .... كانت كلها عملا استثماريا خاصا برؤوس أموال أجنبية ...
الخلاصة فى هذه العجالة:
أن ميزان مدفوعات الدولة (أو الحكومة) المصرية كان لابد و حتما أن يكون ميزان دائن لا مدين [دخل صافى بلا مصروفات] ، و منطقيا أن يكون هذا الميزان مائلا فى صالح الحكومة المصرية و على حساب اقتصاد الأمبراطورية البريطانية الخارجة توا من الحرب العالمية الثانية محطمة و منهكة و معتمدة على معونة الولايات المتحدة [مشروع مارشال]، و طبيعى جدا أن يشترى الجنيه المصرى جنيها استرلينيا أو بضعة و دولارات أميريكية ...
أخيرا: موضوع الديون البيريطانية:
هذه الديون كانت عبارة عن خدمات لوجسيتية و رسوم استخدام الطرق (البرية و البحرية) المصرية و المواد النفطية و الغلال و تسخير الموارد المصرية لبريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية ، إجبارا بناء على شروط اتفاقية 1936 ، و ليست ديونا نقدية نتيجة تفوق فى الميزان التجارى بين الدولتين .... و اعتبرت ديونا معدومة إذ لم تستطع الحكومة المصرية المطالبة بها .....
احمد على بدوى (15 مايو 2015)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد الكاتب
ديار ( 2015 / 5 / 15 - 13:23 )
نسيت ان تذكر الاموال الهائلة التي كانت تصرفها مصر الناصرية في حربها العبثية في اليمن وكيف استشرى الفساد واصبح الضباط من طبقة الاغنياء وحلوّمحل الاقطاعيين وعن تدهور زراعة القطن وعن ايرادات قناة السويس الهائلة كلها صرفت في الحروب والمؤامرات في الدول العربية وحتى الافريقية تحت غطاء ما يسمى دعم ( حركات التحرر ) وكم كانت ميزانية المخابرات والاعلام مقارنة بعهدي الملك فاروق وعبد الناصر ..انا مواطن عراقي لا اعرف التفاصيل فهي ادهى و اعظم ولكني ركزت على المسائل العامة والرئيسية التي كنا نعرفها ونحس بها حتى من خلال سفرات العراقيين الى مصر في عهد عبد الناصر حيث كان الدينار العراقي في العهد الجمهوري يعادل اكثر بقليل من جنهيين مصريين ..مع تحياتي ..


2 - خلاصة الخلاصة
هانى شاكر ( 2015 / 5 / 15 - 13:55 )

خلاصة الخلاصة
___________

لذلك تخلصت مصر من الملك الفاسد .. و صارت جنة الله على الارض .. و ليس فيها فقير واحد .. او لا يستطيع كهل معتوه خليجى شراء فتاه ريفية قاصر ب 500 دولار

يا حلاوة ياولاد

....


3 - لو سكت الجهلاء لما إنتشر الجهل
Mohamed Elnemr ( 2022 / 7 / 31 - 15:28 )
أولا
ميزانية حرب اليمن كان أربعين مليون جنيه نمساوي ماريا تريزا سنويا يعني في خمس سنين كانت كلها ٢-;-٠-;-٠-;- مليون جنيه نمساوي في الوقت إللي كان الدخل القومي لمصر سنة ١-;-٩-;-٦-;-٧-;- لوحدها أكثر من ٥-;-,٥-;- مليار دولار أمريكي.

ثانيا
أكبر إنتاج للقطن في تاريخ مصر كان سنة ١-;-٩-;-٦-;-٩-;- بمقدار ١-;-٠-;-,٨-;- مليون قنطار من القطن.

ثالثا
دخل قناة السويس الذي بلغ سنة ١-;-٩-;-٥-;-٧-;- وحدها ٤-;-٢-;- مليون جنيه مصري تعادل ١-;-٠-;-٠-;- مليون دولار امريكي أستخدم طوال عشر سنين لتمويل بناء السد العالي الذي تكلف مليار دولار بدون قروض من أمريكا ولا بريطانيا ولا البنك الدولي.

رابعا
يا ريت الخوان المنا فقين في كل الوطن العربي واقرانهم من شماشرجية الملوك ينقطونا بسكاتهم لأن كلامهم كله جهل وكذب.


4 - عهد الثوره
على سالم ( 2022 / 7 / 31 - 18:51 )
سقط النقاب عن الوجوه الغابره الحاقده , ثوره مصر السوداء كانت اكبر كارثه ومصيبه تحدث لمصر فى تاريخها , اذ تمكنت عصابه قذره من صغار الضباط الجهله الاغبياء والفاسدين المنحطين من عمل انقلاب على الحكم واسموها ثوره ؟ لم يتم استشاره الشعب فى هذه الثوره الكؤود ؟ هؤلاء الضباط اسموا انفسهم الضباط الاحرار ؟ حقيقه لقد كانوا عصابه من اللصوص والمجرمين والسفله الاشقياء المنحرفين , كان كل همهم هو الاستيلاء على القصور والاستراحات والاموال تبع الباشوات واصبحوا هم الباشوات الجدد يهبروا ويعربدوا ويحمبروا ؟ كانوا محترفين فى السرقه والتهليب والبلطجه والقواده والنشل والدعاره , كان عصرهم قاتم اسود وبشع , خربوا البلد واذلوا العباد وافقروهم بل بدأ موال التعذيب والسجون والقتل والاهانه والاجرام , اسألوا المجرم عبد الناصر وصلاح نصر وشمس بدران وغيرهم من اباطره التعذيب والهوان عن الجرائم والموبقات التى ارتكبوها اولاد الش ... الانجاس اذا كان عندكم ضمير واخلاق

اخر الافلام

.. جامعة كولومبيا الأميركية تهدّد ب«طرد» الطلاب الذين يحتلّون أ


.. دونالد ترامب يحمل نتنياهو مسؤولية هجمات 7 أكتوبر 2023| #مراس




.. ما تداعيات ومآلات تدخل شرطة نيويورك لفض اعتصام الطلاب داخل ج


.. مظاهرة لأهالي المحتجزين أمام مقر وزارة الدفاع بتل أبيب للمطا




.. الرئيس الأمريكي جو بايدن: سنعمل مع مصر وقطر لضمان التنفيذ ال