الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخروج عن المألوف

فؤاده العراقيه

2015 / 5 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كان يسير الهوينى ,في شارع ضيقٍ وطويل هو يسير,ومن خلفه تسير الحشود الغفيرة ,حشود من الناس تسير خلفه وأكثر منهم سارت ولا زالت تسير أمامه , منهم من مات دون أي ذكر ومنهم من سقط صريع القتل والدمار ومنهم من يقاوم , تمتد عيونه اليهم طويلا ليرى البعيد فتخونه العيون ويعجز مداها عن رؤية من هم بعيدين ,الصورة تشوشها تلك الأعداد الغفيرة وتمنع عنه وضوح الرؤية ,رجالاً ونساءً وشيوخا وأطفال ,من كافة الأعمار والأطياف والأجناس , يتوسطهم هو ,يسير خلف من هم أمامه وعيونه محدقة بهم ,ويتبعه من هم خلفه وعيونهم محدقة به ,لا أحد منهم يجرؤ على النظر أبعد من ما تسمح لهم تلك العيون , غير قادرين على الالتفات لا يميناً ولا يساراً, جميع العيون مصوّبة لما هو قريب منها ,لا فرق لديهم سواء كانوا في بداية الطريق أم في نهايته , فالجميع هنا سواسية ,سواسية برؤيتهم العاجزة ليس إلا ,أما العدل فلا وجود له بينهم ,فهم أطياف وأجناس وقوميات وديانات وتكتلات عديدة , أجيال مستنسخة بذات القالب نفسه تعددت وجوههم وما ظهر منها يخفي حقيقتهم ولا يفرق أحدهما عن الآخر سوى في ما لا يستحق الذكر ,وما لا يستحق الذكر هي تلك الفوارق والتعدادات ,رؤيتهم لا يتعدى مجالها بضعة أمتار ,تعودت عيونهم على الظلام وبضعٌ من الأمتار ليس إلا , لا تنظر إلا لرؤوس أنوفهم وأبعد منها بقليل ,مكبلين بقوة خفية تقودهم, لا إلى الأمام بل إلى الخلف هي تقودهم , قيادة بالاسم فقط ومجردة من الحكمة , وسلاسل من القيود تمنع عنهم حرية الحركة والفكر والفعل , تحوطهم من كل حدبٍ وصوب ,تقول لهم بأنهم أحسن من جميع الخلق , تتسلط على رقابهم وعقولهم لتسكنهم فكرة إنهم مراقبون على طول الخط فتشلهم عن الحركة والتفكير ........قيود ... قيود ...وقيود
يحاول جاهداً أن يمد النظر إلى بداية الطريق ليرى من ذا الذي يسيّرهم ,ليفاجئ بشيء أغرب من الخيال , لا أحد هناك يترأس القيادة بل قال لهم الأولون ,قالوا وقلنا بأنه موجود ومن ثم تناقلوا وقالوا ذلك ما قاله الأولون , لتجمع تلك الحشود على انه موجودٌ ..موجود , واهمين بأنه سيفتح لهم هذا الطريق ويقدم لهم العون حينما يحتاجون .
يتمعن بالوجوه ,هذا قد فارقه وجهه واكتسب وجوهٌ عديدة هي للآخرين , وهذا قد نسى اسمه ومن يكون وضاع وسط هذه ألوجوه , وآخر لا يدري سبباً لوجوده سوى إن عليه أن يسير وسط هذه الحشود , وذاك قد فارق الحياة وهذا حزين ومكتئب كونه معدوم الحال , وهكذا على نفس هذا المنوال والحزن صار من الحياة وشيئاً أبدياً .
ينظر اليهم بريبة ويرى الجميع بقالب واحد ,دون التفات منهم ولا تفكير , يقلد مسيرهم فليس له سوى الطاعة والتقليد ,يتمهل قليلاً ليتأمل ما يحدث ,أيادي خفية تدفعه ليكمل المسير ,قدمه متعبة ولكنه مجبرٌ هو على نفس ألطريق ,عليه الطاعة والتقليد كونهما سمتان من سمات الخيّرين وعليه أن يكون من الخيّرين , فبالطاعة وبالتقليد هم يتفاخرون , يسير مجبراً طائعاً على نفس خط المسير , بانتظار ما هو مكتوب عليه وعلى الجميع ,فكره مشغول بما يحدث ولكن لا وقت لديه للتفكير, فالتفكير شر توسوس به الشياطين وعليه أن يوصد باب عقله أمام هؤلاء الشياطين , لكن رغبته بالوقوف , بالتأمل , بالتفكير تعاوده كل حين ,ايادي كثيرة تدفعه منظورةٌ كانت أم خفية ,تحثه على أن يسلك نفس الطريق , فمن ذا الذي سيعينه على إدراك ما يحدث والمصير ؟, الجميع يلهث بمسيره ,طائعاً ,ذليلاً, منقادً , وبين حين وحين يمر عليه ضياء خفيف ,لا يجرؤ أحدهم على فتح عيونه خوفاً من ألم هذا ألضياء , تنبذ العيون الضياء وتنجذب دوماً نحو الظلام ,لكن رغم الألم ورغم الضلالة وعلى حين غرة فتح عيونه بقوة وتجرّع كل الآلام , فمن غير المعقول أن يبقى منقاداً لقطيع تلك الأغنام , تجلت أمامه الأشياء على حقيقتها , واضحة ومضيئة , حلوة رغم مرارتها , ومرّة رغم حلاوتها , حلوة ومرّة في آن واحد , حلوة عندما تستفيق العقول من غفوتها وينجلي عنها الظلام , ومرّة وصعبة الاحتمال عندما تسكن العقول الأوهام , فالحقيقة مرّة لا تحتملها تلك العقول , والأمرّ منها تلك الغيبوبة التي سكنت هؤلاء .
فتح عيونه ولكن الحقيقة صفعته بضيائها ,كصفعة واقع اليم أراد له أن يعود لصوابه
ويا للألم الذي شعر به حينذاك
فصدمة اكتشاف الجديد والغير مألوف له من اقوى الصدمات
وكن قهر غيابه عن الحقيقة لا يعادله قهر
فهل سيعذر هؤلاء كونهم ابتعدوا عنها ؟
أم بالجبن سينعتهم لكونهم خافوا الحقيقة ؟
وبلومهم سيكتفي وسيبرر ضعفهم ؟
هل يعذر آذانهم كونها أبت الاستماع لصرخات المعذبين والموجوعين ؟
حيث تستغيث بهم وتسألهم العون ولا من مجيب
هل يعذر عيونهم التي تعودت الظلام ومن ثم عميت عن الحقيقة ؟
لعلهم اختاروا هذا الطريق كونه ساكن بشكله امامهم , تصوروه الطريق المستقيم والوحيد الذي يكمن به خلاصهم , طريقهم هذا مريح لعقولهم حيث توقفت وتبلدت , لعلهم اختاروه لكونهم لن يجدوا البديل ,كونهم لا يملكون سواه ,طريقهم الذي به خدروا تلك العقول لتبتعد وترتاح عن حقيقة الحقيقة ,وتسكن وترقد رقدتها الأخيرة , ليكونوا في دوامة لا طائل لها ,تكبر وتتسع كلما غاصوا بها , تتسع الدوامة كلما كثرت اعدادهم , فتكبر بهم كمارد جبار زاده يكون هؤلاء , يسمن بهم ويكبر,آمنوا به دون أن يختاروه بإرادتهم الحرّة بل هم توارثوه , وتركوا عقولهم له مستسلمة , فما اهمية هذا الطريق لو كثر فيه القتل والدمار ؟
لو كثر فيه الأنين ؟
وأن طالت بهم السنين وعاشوا آلاف منها , فما أهمية هذا الطريق ؟؟

بالوعي نستعين ,فدمتم بوعيكم سالمين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رؤية اجتماعية للمقالة
محمد لفته محل ( 2015 / 5 / 21 - 19:48 )
هذا النقد للتبعية الاجتماعية يصح على المجتمعات المتخلفة، اما المجتمعات المتحضرة فلا يصح هذا النقد، ففكرة التبعية ليست بذاتها خاطئة لان الجماعة لايمكن ان تحافظ على تماسكها ما لم يوجد معيار اخلاقي ومعرفي يكون هو الضابط بوجه الافكار الذاتية والبدع التي تظر بالجماعة، تحياتي لك


2 - انه مصل ضد التفكير
بولس اسحق ( 2015 / 5 / 21 - 19:50 )
يا سيدتي العزيزة.. حجر الزاوية في الثقافات الغيبية التي تجند الأتباع وتستخدمهم كوقود لها، هو قدرة هذه الثقافات على اكتشاف المزيج المسحور الذي يحوي نسبة غير متوازنة من العقل والخرافة. العقل هو الطعم الذي يجذب الإنسان إلى الفخ، والخرافة هي السياج الذي يمنع القطيع من مغادرة الحظيرة وتعزيز إحساسهم بالإنتماء وَدفْعِ حياتهم طائعين مختارين وقوداً لها.
والتفكير هو أعدى أعداء الثقافات الغيبية ولا يمارس إلا كالعادة السرية - في الخفاء، مصحوباً بشعور مزمن بالخطيئة. وجرعة العقلانية في الثقافات الدينية والإسلام على وجه التحديد، هي جرعة بسيطة إن وجدت، ولا تعطى لأتباعها إلا على مضض، كما يعطى المصل، ليس حباً في الجراثيم ولكن حذراً من الإصابة بمرض اسمه(التفكير).وما إن يبتلع الإنسان البسيط هذا الطعم ويتبنى هذه الثقافة الغيبية حتى يتغير الخطاب الى ما يسمى خطاب التسليم والذي يرتكز الى منطق بدائي مفاده أن محاكمة نصوص الشريعة بالعقل هو إساءة أدب مع الله، وأن ما لم تدركه بعقلك فالتسليم به واجب الخ ... وهذا المنطق لا يزال مستخدماً لاخماد جذوة التفكير. وقالوا -سمعنا وأطعنا-في مدح المؤمنين ...تحياتي.


3 - أداء جديد فى التعاطى مع الفكرة
سامى لبيب ( 2015 / 5 / 21 - 21:33 )
تحياتى كاتبتنا المتميزة فؤادة وأهلا بهذا الإنتاج الجديد المتميز
جسدتى يشكل رائع ومتميز الحالة الفكرية المتردية لتبتعدى عن المباشرة وتضعى القارئ فى وضعية المتأمل وليس المعبأ وهذا الأسلوب يحترم العقلية ويجعلها تنطلق لتضيف تأملاتها ورؤيتها .
أعتبر سبب التخلف والتردى هو فى الفكر والثقافة والرؤية والمنهج البائس وليس فى تخلف علاقات الإنتاج فحسب لذا لكى ننهض فنحن فى حاجة إلى ثورة تنوير كحال أوربا ومنها سننطلق فى كل الميادين فثورة التنوير لم تكن ثورة صناعية بل لتحرير العقل ومنها جاءت الإبداعات والإكتشافات والتطور العلمى .


4 - الأستاذة فؤادة العراقية المحترمة
ليندا كبرييل ( 2015 / 5 / 22 - 04:27 )
التفكير يترافق مع الوعي، ولما كان الوعي على الحقائق مصيبة في مجتمعنا، نظرا للكمّ الهائل من الكذب والتلفيق الذي أوجدوه لنا، فقد كان عليهم أن يحرّموه تماما

لن يجدوا طريقا جديدا، فالعيون اعتادت على الظلمة، وحتى يكتشفوا السبيل الجديد لا بد أن تتعرض عيونهم لأشعة شمس المعرفة

سينظرون بدءا للشمس وعيونهم نصف مغمضة، وسيطول الأمر حتى تعتاد على وهج الأشعة الذهبية
نحن اليوم في مجتمع المعرفة، ومهما اشتد الظلام فنور المعرفة أقوى، وسيتسلل بالتي هي أحسن للعقول شاءت أم أبت، وسننصاع للسير بأدب في طريق النور

وبالوعي نستعين

ودمت بوعيكِ سالمة
مع تحياتي الطيبة


5 - المعيار الأخلاقي ينبع من الداخل
فؤاده العراقيه ( 2015 / 5 / 22 - 13:34 )

اهلا بك عزيزي محمد

المجتمعات المتحضرة تتسم بالحرية الفكرية واحترام الرأي الآخر حيث يتعلم الطفل منذ نعومته بالأعتماد على قدراته الذاتية ومن ثم سينمو ويتطور وهو مستغلا لقدراته على احسن وجه ليبدع بها
أنا هنا وبلا شك كنت اقصد بها المجتمعات المتخلفة وما نوهت أنا عنه من تبعية هي تلك النظم التي تشل وتخدر التفكير ليصبح المطيع هو الصالح والطالح هو المتمرد والمتشكك في القيم السائدة ,ومن ثم ستكوّن المجتمع به وبغيره شعب من الخراف لا تجيد أي عمل سوى السير مع القطيع
فكرة التبعية أو نظامها مهما كانت خاطئة لو كانت تحمل معنى اسمها , المعيار الأخلاقي الصالح والحقيقي يأتي دون تعب وبدون ردع ولا عقاب هذا عندما تكون الشعوب واعية بحق فهي سوف لن تحتاج لمعيار ومعيارها سيكون عقلها وما يمليه عليها , العقل هنا ليس كعقولنا المهمشة
اجمل التحيات


6 - تشخيص واقع اليم
على سالم ( 2015 / 5 / 22 - 14:03 )
مرحبا استاذه فؤاده وشكرا على مقال معبر وقوى وهادف ,انتى تشخصى واقع اليم لقطيع من الكائنات البلهاء والتى فقدت الحس والادراك والتمييز ,انها تراجيديا محزنه وبشعه ,هذه التراجيديا التى يعيشها عالم العربان البائس المعذب الغبى والذى يسير فى طريق الانتحار والهلاك والشقاء


7 - وتستمر جرعات التخدير وتبقى الجرثومة قائمة وقوية
فؤاده العراقيه ( 2015 / 5 / 22 - 22:26 )

اهلا بك عزيزي بولس اسحق

نعم التفكير هو العدو اللدود لمن يريد ان يتسلط على غيره
والمتسلط يبدأ في تسلطه بتخدير عقل المعني به ليهيمن عليه حيث يكون الإنسان في اضعف حالته في حالة تغييب عقله وهو يعلم جيدا بأن من يتسلط عليهم لو فهموا اللعبة وفكروا بها فسيتحررون من ذلك التسلط وينهضون بكل قواهم للحيلولة من اي محاولة لاستعبادهم ولهذا كانت ولا تزال ليومنا هذا محاولات قتل المعرفة تشن على اغلب الشعوب من قبل المتسلطين من الحكام لنهب الشعوب وجعلها لعبة مسيسة كما يبغون لها ان تكون
مع التحية


8 - نحتاج لثورة في العقول ومنها ستتكفل الشعوب بالباقي
فؤاده العراقيه ( 2015 / 5 / 22 - 22:30 )

شاكرة حضورك وكلماتك الجميلة دوما ايها البطل الذي لا يكل ولا يمل من تسطير كلماته ليحارب بها الجهل فدمت لها سالم وبها سامي
نحن بحاجة ملحة لثورة من الداخل وليس من الخارج , ثورة تمس العقول لا الجيوب , أي نحن بحاجة للعقل الواعي فقط وهو سيتكفل بالباقي وسيخلق الجنة التي يحلمون بها , فعندما نحرر العقول ستنطلق الشعوب في بناء مجتمعاتها وكما ذكرت حضرتك منها سيأتي التطور وتحسين الصناعات
الف تحية وتقدير


9 - التفكير والسؤال ممنوع ومحرّم
فؤاده العراقيه ( 2015 / 5 / 22 - 22:40 )
العزيزة ليندا اهلا بك
مجتمعاتنا قد حرّمت التفكير فعلا وليس كان عليهم ان يحرّموه ,بدأت بالطفل حينما قمعت تفكيره وسؤاله الأول لتبقى الأسئلة دون جواب لا بل سيأتيه جوابهم بأن في السؤال خطيئة وأنه حرام وعليه أن لا يسأل وفقط يستمع ويطيع ليأخذها سنّة وسلوك
بلا شك وأكيد يكون نور المعرفة وإشعاعها اقوى وأكثر ثباتاُ وفائدة
سيتسلل نور المعرفة يوما ما ومهما طال الزمان طالما امثالكِ موجودين
دمتِ يوعيكِ سالمة دوما


10 - مهما يكون فشرارة المعرفة اقوى
فؤاده العراقيه ( 2015 / 5 / 22 - 22:47 )

اهلا بك عزيزي علي سالم
صحيح واقعنا اليم جدا ولكننا لا نفقد الأمل في إنه سينهض يوما ما وسيرجع له عقله وادراكه وخصوصا واليوم وبفضل الأنترنيت صار الأنفتاح في اوسع ابوابه وسيتغير الحال فلم يعد يخفى شيء وشرارة المعرفة ستكتسح الجهل رغم كل هذه الطبول الفارغة


11 - ما اهمية هذا الطريق؟
عبله عبدالرحمن ( 2015 / 5 / 24 - 21:42 )
تحياتي استاذة فؤادة سعدت بمقالتك واشكرك عليها
سأبدأ من السؤال في نهاية المقالة
حقا ما اهمية الطريق عندما يكثر فيها القتل
المشكلة حين نستحق مثل هذه الحياة المثقلة بالقتل والدمار
اشكرك مرة اخرى واسمحي لي ان القي بالتحية على الاستاذة ليندا كبرييل
دمت مبدعة

اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي