الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العودة الثانية لمندوبى الحبورى الكبير

راضى وديع خليل

2015 / 5 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كان الحبورى الكبير شخصاً رقيق الحاشية مهاب الجانب و شديد البأس فى غير تضاد ، و لما كان قد ساءته أحوال و أفعال أهل العزبة التى يمتلكها ، تفكر ملياً ثم قرر أن يرسل إليهم أربعة من المندوبين تخيرهم بعنايته المعهودة ، يعقب كل منهم الآخر ، فإذا لم يفلح الأول فى إصلاح ما فسد من أمرهم أوفد الذى يليه .إستإذن أول المندوبين و يدعى بطران مولاه فى الذهاب لأداء المهمة الموكلة إليه بالعزبة على أن يرافقه أخاه ، حيث كان بطران يتلعثم فى حديثه . ذهب بطران بصحبة أخيه سمعان إلى العزبة ،ثم قصدا من فورهما دوار العمده كنعان الذى كان مجتمعاً بشيخ البلد و بعض الأعيان ، أطلع بطران الجمع على غرضه من القدوم إليهم ، ثم أسهب فى وصف سخط الحبورى الكبير علي أهل العزبة كبيرهم قبل صغيرهم ، مما دعاه لإيفاد بطران و تحميله العلاج الناجع لأسقامهم. بُهت الجمع مما سمعوه ، و كانوا قد غفلوا عن ذكر الحبورى الكبير و أنسوا ما قد يجلب رضاءه أو سخطه. بعد أن إستمع أهل العزبة جميعاً لما دعا بطران إلى القدوم لعزبتهم ، فإنهم قد ذهلوا فى الأيام التاليه من مواهب و قدرات بطران المذهله ، فضلا عن إعجابهم بفصاحة و طلاقة لسان سمعان . و لما إنتهى بطران من إداء مهمته ، فإنه حرص على أن يذكِّر أهل العزبة مجدداً بوصايا الحبورى. فى صباح اليوم التالى إحتشد أهل العزبة و فى مقدمتهم العمدة و الأعيان لتوديع بطران و سمعان اللذين سردا ملخصاً لرحلتهما الموفقة على أسماع سيدهما الحبورى الكبير الذى تهللت أساريره . و لما لم تمض بضع سنين على رحله بطران إلى العزبة حتى لاحظ الحبورى بحزن بادِ أن أهل العزبة قد عادوا لسابق سيرتهم ، فإنه قد قرر أن يجهز نُعمان ليوفده إليهم . عندما إستعد نعمان للرحلة ، فإنه قد ذهب للحبورى ليستأذنه فى بدء الرحلة فى صباح الغد . ما أن وطأت قدما نعمان أرض العزبة ، حتى قرر أن يبدأ مهمته دون اللجوء لمقابلة العمدة و الأعيان ، لكنه قصد من فوره أحد أسواق العزبة حيث يبتاع مرتادى السوق أغراضهم .. هناك رأى رجلان مسكينان أحدهما ضرير و الآخر أصابت عاهة ساقه اليمنى ، إستوقفهما نعمان و راح يصلى من أجلهما ، و من عجب أنهما قد برؤا من عاهتهما , فعادا فرحين مهرولين إلى منزليهما ’ و فى الطريق إلى منزليهما وقف الأهالى مشدوهين غير مصدقين شفاءهما ، لكن الرجلان المحظوظان قد قصا حكايتهما مع عابر سبيل يدعى نعمان . أصر الأهالى على إصطحاب الرجلين إلى السوق لرؤية نعمان و التعرف إليه . لم يُضع نعمانا الفرصه ، بل سرد على مسامعهم تكليف الحبورى له و مباركته لرحلته ، فصدقه كثيرون. لما رأى العمدة و الأعيان إزدحام الأهالى حول نعمان و ترشيح البعض له كى يصير العمدة ، فإنهم قد نصبوا له كميناً و قتلوه . لما وصلت أنباء مقتل نعمان إلى مسامع الحبورى الكبير ، فإنه قد أمر بأن يستعيد جثمانه لتتم مراسم الدفن اللائقة به بحديقة قصره .عاد العمدة و الأعيان إلى سابق ظُلمهم و تعسفهم و إشتدت وطأتهم على الأهالى المساكين . لم يطق الحبورى صبراً فأوفد غضبانا إلى العزبة ، و قد أوصاه باستعمال الشدة مع العمدة و الأعيان و أشياعهم من الأهالى المنافقين . فرح المساكين و عبيد العمدة فرحة عارمة بقدوم غضبان و إلتف كثير منهم حوله بعد الإنصات لمضمون المهمة التى أتى من أجلها . دبر العمدة و الأعيان المكيدة تلو الأخرى لغضبان حتى إضطروه للهجرة إلى ضاحية بعيدة من ضواحى العزبة , فأصر بعض الأهالى على مرافقته إلى منفاه . و لما إستقر به المقام بضاحية المنفى حرص على تعليم أتباعه فنون القتال جنبا إلى جنب مع وصايا الحبورى . لم يمض وقت طويل حتى كوّن جيشاً صغيراً أتاح له النجاح فى مهاجمة الضواحى المجاورة و ضم رجالها إلى صفوف جيشه . قرر غضبان أن يهاجم العزبة بدءاً ببيوت العمدة و الأعيان . إنهزم جيشه فى أول موقعة , لكن عزمه لم يلن فعاود الكر ببسالة حتى تحقق له النصر المؤزر . ذاع صيته و تكاثر أتباعه و المصدقين بما جاء به من عند الحبورى . لم يهنأ غضبان كثيرا بما تحقق على يديه ، فقد باغته الموت .أخيراً أوفد الحبورى مندوبه الأخير للعزبة و يدعى عرفان و كانت طباعه تجمع بين الخير و الشر مع سعة الحيله و موسوعية المعرفة، و إشتهر بين أهالى العزبة بإبتكار الأدوية و صناعة الأسلحة و الأدوات الجديدة كلياً ، فأطلقوا عليه وصف حكيم العزبة . لما عرف العمدة الجديد بأمر نبوغ عرفان ، فإنه قد كلفه بصنع سلاح جديد شديد التدمير, طلب عرفان من العمدة أن يخصص له داراً كبيرا أنيقاً و ألا يبخل فى الإنفاق على الإبتكار الجديد ، إستطاع عرفان أن ينجز وعده للعمدة بعد أن جن جنون الإخير من إنفاق الأموال الباهظة .. و أخيرا داهم الموت عرفان و لم تُجدِ مع علته ما برع فى صنعه من أدوية .
إستنام الحبورى الكبير إلى اليأس من العزبة كبيرها و صغيرها لما يربو على السبعين سنة . إنتبه الحبورى ذات يوم على ظاهرة عجيبة لم تدُر له بخلد ، فقد صار أتباع بطران بضع و خمسين شعبة لكل طقوسها و دهاقنتها ، و صار أتباع نعمان بضع و ستين شعبة تختلف فيما بينها ، كما بات أتباع غضبان بضع و سبعين شعبة تتناحر فيما بينها .. و من عجب أن أحدث تلك الشعب أطلقت على نفسها اسم داعش ، أما أتباع عرفان فحدث و لا حرج عن شعب ما أنزل الله بها من سلطان أحدثها هى شعبدة عبدة الشيطان !.
طال بالحبورى الفكر و السهد طلباً لحل ناجع لتلك المعضلات ،، بعد تفكير أسابيع طويلة مؤرقة أهدته قريحته حلاً معجزاً ألا و هو أن يبعث الروح فى جثامين مندوبيه الأربعة ليرسلهم مجدداً للعزبة بهدف محدد ألا و هو أن يقوم كل منهم بتوحيد أتباعه فى شعبة واحدة غير قابلة للتشرذم . توالى المندوبين فى الذهاب كل إلى أتباعه المتشعبون بالعزبة ، و من عجب أن فرداً واحدا من أتباع المندوبين الأربعة لم يصدق أن هذا الماثل بين يديه هو مندوبه الذى سبق الحبورى أن أرسله إليه . و لما ثار اللغط و علا ضجيج الأهالى و إستنكارهم لهذا الذى يدعى أنه المندوب . لذا فقد قرر العمدة أن يحاكم المندوبين المزيفين ، صدر الحكم على الأول (بطران) أن يُحرق حيأ ، و على الثانى (نعمان) بالإعدام شنقاً ، و على الثالث ( غضبان) بالرجم حتى الموت .. أما أعجب الأحكام فكانت من نصيب (عرفان) و هى أن يوضع بقفص حديدى فى ساحة العزبة و تُربط بقدمه قنبلة قديمة من صنع يديه يتم تفجيرها عن بعد .
تناهت لأسماع الحبورى الكبير ما آلت إليه مصائر مندوبوه ، فصب جام غضبه على العزبة ، فلم يبق بها حىٌ يتنفس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ولا حبورى ولا يحزنون
أمجد المصرى ( 2015 / 5 / 22 - 16:09 )
لماذا نظن أن الحبورى هو الذى أرسل أولئك المندوبين ؟ الأرجح أن كلا منهم إدعى أن هناك شخصا يدعى الحبورى و أن ذلك الحبورى هو الذى أرسله

اخر الافلام

.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah