الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يغالطونك إذ يقولون [2]

إبراهيم جركس

2015 / 5 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يغالطونك إذ يقولون [2]: أنّ الانفجار الكبير خطأ، لأنّ الانفجارات دائماً تكون عشوائية، ولا تخلّف إلا الدمار والخراب والفوضى، وليس النظام.
في الحلقة الأولى كنا قد ناقشنا مقولة أنّه ((لايمكن لشيء أن يوجد من لاشيء)) وبذلك فالانفجار الكبير مستحيل، وقد فنّدناها بطريقة علمية عقلانية منطقية علمية وتوصّلنا إلى نتيجة أنّه يمكن موجود الكون من خلال عمليات فيزيائية كمومية ناقشناها سابقاً في المقال التالي:

الآن سنناقش مسألة أخرى هنا تندرج ضمن فئة الكونيات أو الكوزمولوجيا، وهي الفكرة القائلة بأنّ الانفجار الكبير نظرية خاطئة لأنّ الانفجار لايمكن أن ينجم عنه كل هذا النظام الكوني والرتابة الكونية التي نشهدها في الكون من حولنا ومن ثمّ الحياة... فالانفجارات لاتخلّف سوى الدمار والفوضى والعشوائية.
وخلال نقاشاتي العديدة مع الكثير من المؤمنين تمكّنت من تمييز ثلاثة أنواع من الحجج التي يطلقها هؤلاء ضدّ الانفجار الكبير عندما يجادلون بالقوة التدميرية للانفجار. النوع الأول هو القول أنّ الانفجار لايمكن أن يكون قد خلق هذا التوزيع المنتظم للمادة في الكون. النوع الثاني هو القول أنّ الإنفجار لايمكن أن يكون قد خلق هذه البنى الكونية المنظّمة كالمجرّات والأنظمة الشمسية. أمّا النوع الثالث فيقول أنّ الانفجار سيدمّر الحياة ويفنيها، ولن يخلقها.

أولا: هل كان "الانفجار الكبير" انفجاراً؟
هناك إشكالية أساسية تقف أمام جميع هذه الاعتراضات الثلاثه ضدّ نظرية الانفجار الكبير وهي أنّ الانفجار لم يكن "انفجاراً" بالمعنى الفعلي للكلمة. فعندما نستعمل كلمة "انفجار"، فأول ما يخطر ببالنا هو القنابل والمتفجرات والانفجار النووي وانفجارات المستعر الأعظمي، جميع الانفجارات المدمّرة التي تبيد الجسم المتفجّر وكل ما حوله من موجودات، جميع هذه الأنواع من الانفجارات تتميّز بشيء مشترك فيما بينها لكنها مختلفة تماماً عن الانفجار الكبير: جميعها حوادث مادية تحدث ضمن نطاق الزمان والمكان. أمّا الانفجار الكبير فعلى العكس من ذلك، فهو عبارة عن عملية توسّع للزمكان نفسه من نقطة متفرّدة صغيرة عالية الكثافة إلى حجم أكبر. لا يوجد أي تشابه أو تماثل على الإطلاق بين هذين النوعين من العمليات، فحالة الانفجارات هي حالة تدميرية فوضوية تحدث في ومان ومكان محددين، أمّا الانفجار الكبير فهو حالة توسّع للزمكان نفسه، لذلك لايوجد أي سبب يدفعنا للاعتقاد بأنّ الانفجار الكبير هو حدث مدمّر، أو الاعتقاد بأنّ البنى المنظّمة لم تكن لتظهر في الكون مع عملية اتساعه.

ثانياً: لماذا كان الكون البدائي الأولي متّسق ومنتظم؟
مع أنّ الانفجار الكبير لم يكن انفجاراً بالمعنى الفعلي للكلمة، مازال العلماء يتساءلون كيف كان توزّع المادة في الكون الأولي وانتظامها وكيف حدث ذلك. وبالرغم من أنّ هذه الفكرة يتخلّلها بعض الخلاف، فإنّ التفسير المقبول حالياً لهذا التناسق والانتظام هو أنّ الكون قد مرّ بمرحلة توسّع سريعة جداً (فترة توسّع وتمدّد) بعد زمن بلانك مباشرةً، حيث ظهرت المادة z¼âœ4كلها الأولي,

ثالثاً: أيمكن أن يكون الانفجار الكبير قد خلق المجرّات؟
لاأحد يناقش بالفعل فكرة أنّ الانفجار الكبير قد خلق بنى كالمجرات بشكل مباشر: فنظرية الانفجار الكبير تفسّر لنا المراحل الأولى والمبكرة جداً من الكون. أمّا تشكّل بنى حلزونية كالمجرات فهو موضوع يدخل في مجال أبحاث كوزمولوجية منفصل تماماً عن نظرية الانفجار الكبير، ويعتقد حالياً أنّ هذا النوع من البنى الحلزونية التي تسمّى "مجرّات"، قد تطوّر من خلال عمليات فيزيائية تحكمها قوانين الفيزياء الصارمة بالتكرام الثقالي وموجات الاهتزاز.

رابعاً: ألن يدّمر الانفجار الكبير أي مظهر من مظاهر الحياة؟
غالباً ما يقول المؤمنون أعداء نظرية الانفجار الكبير ومؤيدي نظرية الخلق الإلهي: ((هل تصدّقون فعلاً أنّ انفجاراً هائلاً كالانفجار الكبير كان هو العامل المؤثر في خلق الحياة؟ أنا أعتقد أنّ الانفجارات الكبير كالانفجار الكبير الذي قد يقذف ويشتّت الكواكب في مختلف أرجاء المكان، سيدمّر الحياة ويمحقها، ولن يخلقها!))
لا أحد يتوقّع من إنسان مؤمن أن يصدّق هذا النوع من الكلام على الإطلاق، فمن الواضح تماماً لأي شيء قرأ ولو معلومات أولية أو بسيطة عن نظرية الانفجار الكبير أنّ الانفجار الكبير لاعلاقة له على الإطلاق بوجود الحياة. فحسب تقدير العلماء أنّ الانفجار الكبير قد حدث قبل 13.7 مليار عام. في المقابل، لايتجاوز عمر الحياة على الأرض أكثر من 4.5 مليار عام. ربما على الأرجح كانت هناك أنواع من الحياة موجودة في مكان ما في الكون خلال فترات مبكّرة، لكنني لم أسمع أي عالم يقول أو يزعم بأنّ الانفجار الكبير له دور في خلق الحياة. لسوء الحظ، هذا الفشل الذريع الذي يقع فيه المؤمنون أعداء نظرية الانفجار الكبير بأن يتعبوا أنفسهم ولو قليلاً بمستوى جهد طالب في المدرسة الإعدادية لا يحميهم من الوقوع في فخ الكبرياء والغطرسة ومساواة أنفسهم بعلماء وباحثين أمضوا عمرهم وكرّسوا جلّ وقتهم وجهدهم في البحث العلمي في مجالي علم الفلك والكونيات، والسخرية منهم وتكذيبهم.
سأذكر هنا قصة حدثت معي شخصياً، إذ أنّ هذا النقد الأخير قد ذكّرني بنقاش خضّته في إحدى المرات مع إحدى زميلاتي في العمل التي سألتني عن رأيي بتاريخ الكون ونشأته (في تلك الفترة كانت الزميلة مسلمة ملتزمة بينما أنا قد ماأزال ريبياً). وعندما ذكرت لها نظرية الانفجار الكبير، قلبت عينيها بتململ وقال بنبرة ضجرة: ((آآآه، أليست تلك النظرية التي يقولون فيها أنّع حدث انفجار كبير، ثم فجأة ظهرت المجرات والكواكب والديناصورات؟)) وجب عليّ حينئذٍ أن أنسحب من النقاش وأنسى الكلام طبعاً، لكنني كلّفت نفسي عناء أن أشرح لها النظرية الفعلية للبيغ بانغ من زمن بلانك، مروراً بلحظة الانفجار، وخلق المادة الأولية بعد لحظات الانفجار الأولى، ثم توسّع الزمكان، ثمّ تكوّن الجسيمات الأولى من المادة. طوال الوقت الذي كنت أشرح فيه هذه المسألة كل ماكانت تفعله هو التحديق بي مع ابتسامة ساخرة مرتسمة على شفتيها، كانت تلك النظرة والابتسامة الساخرة تخفيان ورائهما أفكاراً وحسرة كيف أني أؤمن بهذه الأفكار وأعتقد بصحتها، أو أني أعتقد بأي شيء يقوله العلم بعيداً عن القرآن أو "العلوم الدينية"، وحتى هذا اليوم مازالت صديقتي تؤمن بأنّ الانفجار الكبير كان شيئاً أشبه بالانفجار النووي الماحق حدث في الفضاء الخارجي نتج عنه مباشرة كواكب وديناصورات. لاشكّ أنّها ماوالت تحيّي نفسها وتثني على نفسها بأنّها مازالت مؤمنة ومتيقّنة من أنّها لم تقع في شرك هكذا معتقدات وأنّ إيمانها بإلهها لم يتزعزع، وأنّها أذكى من كافة المجتمعات العلمية والعلماء على وجه الأرض. أنا أشعر بالشفقة والحزن عليها وعلى كل المؤمنين الذين يمتلكون أفكاراً كهذه: أنا حزينٌ على هذا الجهل والتكبّر غير المقصود الكامن في دواخل أصدقائي من المؤمنين والذي سيظلّ طوال حياتهم. أنا حزين على عجائب وعرائب العالم الطبيعي التي لم يقدّر لها رؤيتها وتقديرها حق قدرها بسبب ضيق أفق معتقداتهم وعقولهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah