الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤسسة تجارية يهودية عراقية عابرة للقارات في القرون الوسطى

سيلوس العراقي

2015 / 5 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ليس بالأمر الجديد على الكثير من القراء والدارسين والمؤرخين أن ينسب الفضل في تطور التجارة في العالم واتساعها للشعب اليهودي ـ بني اسرائيل ـ الذين انتشروا في بقاع العالم منذ قرون عدة ، حيث برعوا فيها ولايزالوا . فالى ذلك النشاط المتميز تشير أغلب كتب التاريخ الروماني والاوربي والعربي والاسلامي .

الشبكة التجارية العالمية اليهودية (الراذنية) :

يشير الجغرافي الفارسي ابن خوراد ذبه (أو خرادذبه)، في القرن التاسع الميلادي، الى شبكة تجارية مدهشة وضخمة ليهود من الراذان.
الراذانية أو الرذينة ( وبالعبرية : ر د ه ن ي وجمعها هو: ر د ه ن ي م ) اسم أطلق على شبكة تجارية ضخمة وغير عادية في القرون الوسطى . من المحتمل أن يكون مقرها في بغداد وقسم من قادتها من يهود بغداد.
امتدت شبكة الأعمال التجارية لهذه الجماعة شرقا وغربا، بين العالم الاسلامي شرقا والعالم المسيحي والامبراطورية الرومانية غربا.
وكانت مساحة نشاط هذه الشبكة التجارية واسعة جداً امتدت الى كل دول اوربا وعواصمها ومدنها الرئيسية ، دول شمال افريقيا ، الشرق الاوسط ، ايران ، وكل دول آسيا الوسطى ، الهند وصولا الى الصين.
وكان للشبكة مركزاً تجارياً (مقراً) في كل المدن الرئيسية في الرون، جنوب فرنسا، اسبانيا، الري، فارس ..
ويشير ابن خوراد ذبه الى هؤلاء التجار وطرقهم التجارية في النص التالي هكذا :
"هؤلاء التجار يتحدثون اللغات العربية ، الفارسية ، اليونانية ، الفرنسية ، اللاتينية ، الاسبانية ، السلافية . انهم يترحلون من الغرب الى الشرق ومن الشرق الى الغرب ، براً وبحراً .
يحملون من الغرب ، الخصيان ، النساء العبيد والأولاد العبيد، مواد التطريز والزركشة ، القندس ، الدلق ، الفرو، والسيوف . يحملون بضاعتهم على سفن من الفرنجة (فرنسا) ويتجهون نحو فراما (بيلوسيوم وهي مدينة مهمة شرق الدلتا وتبعد 30 كم جنوب شرق ميناء بور سعيد ولها تسميات متعددة بلغات أخرى : سينا، بير آمون، بيلوسيون ، سين ، سيان ، تل الفرامة). ومنها يحمّلون بضاعتهم على ظهر الجّمال وعبر البر يذهبون الى الكلزوم (الكلثوم) ـ السويس التي تبعد 25 فرسخا. ثم يبحرون من الكلزوم الى جار فجدّة ، فالسند (الهند) والى الصين .
وحين عودتهم من الصين يحملون المسك (عطر المسك)، نبات الآلوه (الصبر)، الكافور، القرفي ، ومواد أخرى من منتجات دول الشرق باتجاه الكلزوم والى فراما فالى بحر الغرب. وبعضهم الآخر يبحر الى القسطنطينية لبيع البضاعة للرومان والى قصر ملك الافرنج.
بعض الأحيان هؤلاء التجار اليهود حينما يشرعون من البر الفرنجي في بحر الغرب يتجهون الى انطاكيا (بواسطة نهر العاصي) الى الجابية (الهنايا وهي مدينة تقع على ضفاف نهر الفرات) حيث يصلوها بعد مسيرة ثلاثة أيام .
ثم بواسطة قوارب كبيرة يسلكون نهر الفرات ليصلوا الى بغداد ، ومن بعدها بواسطة نهر دجلة يتجهون الى الأوبلة ومن الأوبلة الى عمان والسند والهند فالصين .
كما كانوا يقومون بهذه الرحلات بواسطة البر أيضا. حيث ينطلقون من اسبانيا أو فرنسا الى المغرب فطنجة ـ القيروان ـ مصر ـ الرملة ـ دمشق ـ الكوفة ـ بغداد ـ البصرة ـ الاحواز ـ فارس ـ كرمان ـ السند ـ الهند الصين.
أو ينطلقون من روما وعبر الدول السلافية ـ الخزر ـ بحر جرجان ـ بلح ـ اوكسس ـ ويستمرون باتجاه يورت ـ طوكوجستان فالصين".
ان هذا النص الذي يشير اليه ابن خوراد ذبه (أو خُرّادذبه) في كتابه "المسالك والممالك"، منذ منتصف القرن التاسع الميلادي حول تجار يهود يدعون بالراذانية أو الراذنيين، قد شغل العديد من الدارسين والباحثين الاوربيين حول هؤلاء التجار وحول أصلهم وموطنهم . وحاول العديد شرح فقرات النص أعلاه وربطها مع مجموعة معينة أو بمنطقة معينة ، وهناك اختلاف كبير في الآراء بهذا الخصوص.
وأن أول من اشتغل بهذا المسألة هما : دي مينارد الذي اقترح أن يكون أصل هؤلاء التجار هو من منطقة سواد العراق، ولم يتفق معه العديد من الدارسين من بعده.
والثاني هييد الذي اقترح عام 1879م بأن هؤلاء الراذانية ليسوا الاّ تجاراً يهود من الغرب.
وفي نفس السنة يقترح باحث آخر وهو دي كوييه الذي قام بدراسة مؤلف آخر للجغرافي المسلم ابن الفقيه المكتوب عام 902 م بعنوان "كتاب البلدان" الذي يأتي على ذكرهم لكنه يسميهم باسم مختلف قليلا وهو (راهادنيين أو رهادنية) ويركز دي كوييه على معنى التسمية وأصلها الفارسي وتعني بالفارسية "تجار الاقمشة".
وفي عام 1907 يعود كل من شيبر و كوتمان كلّ على حدى الى النظرية القائلة بأن أصل هؤلاء التجار اليهود هو الغرب.
بينما يقترح سيمونسن بأن العبارة راذانية وقد تم اشتقاقها من نهر (الرون) في فرنسا حيث من المفترض قد أتى هؤلاء التجار.
باحثان آخران، جاكوبس في عام 1919 وكاتز في 1937م عادا الى اعتبار الشرق كأصل لهؤلاء التجار من مقاطعة الريّ في ميديا (فارس) التي كانت مركزا تجاريا مهما.
في عام 1944م نشر رابينوفتس فكرته الوحيدة حول الموضوع بأن الراذنية هم ليسوا إلا تنظيم أو منظمة عالمية للتجار اليهود الذين عاشوا في أماكن مختلفة من العالم ونشروا شبكتهم التجارية فيه.
في عام 1964 م نشر كاهين مقالين أثار فيهما اسئلة مهمة حول المعلومات التي أوردها ابن خوراد ذبه في كتابه ويحصر كاهين فكرته في أن أصل هؤلاء التجار هو الغرب ويتفق معه آخرون.
كخلاصة لكل هذه الآراء غير المستقرة والمتباينة ، مع أن أغلبها (عدا القلة) يعتبرون أن أصل هؤلاء التجار هو اوربا الغربية، مستندين الى ماجاء في كتاب ابن الفقيه بأنه تحليل للوضع الاقتصادي العام في الغرب والشرق.
الا أن الأبحاث الأخيرة بدأت تعيد أصل الراذانية الى الشرق ، ومن هؤلاء الباحثين السيد جيل الذي يقارن بين المصدرين (ابن خرداذبه وابن الفقيه) ايتيمولوجياً ، ويقول بأن المقطع الذي يرد لدى ابن الفقيه وصل الينا عن طريق نصّ لـ (الأشايزاري) الذي نسخه عن ابن الفقيه في عام 1022م ، ومن المحتمل أن يكون ابن الفقيه قد نسخ باهمال من ابن خراد ذبه. ويركز جيل على النقطة الرئيسية وهي شكل وهيئة رسم تسمية التجار، راذانية لدى ابن خراد ذبه ، و رهادانية لدى ابن الفقيه، ويركز كذلك على الفروقات الأخرى بين النصين : أماكن انطلاق التجار واللغات التي يتحدثونها، طرق تجاراتهم والمواد التي يحملونها. وفي هذا المجال تمسَك جيل بنص ابن خراد ذبه. فالراذانية تحدثوا لغات عديدة الفارسية ، اليونانية ، العربية ، الفرنسية ، الاسبانية والسلافية. سافروا من الغرب الى الشرق وبالعكس عن طريق البحر والبر، يحملون بضاعتهم بين الشرق والغرب. وأصلهم ونقطة انطلاقهم لم يتم ذكرها من قبل خرداذبه لأنها كانت واضحة ومعروفة لديه (الشرق) وكان يهمه ذكر طرق التجارة.
مع الاقتراح الأخير لجيل ، يمكن القول باحتمالية كبيرة بأن الشبكة التجارية العالمية اليهودية (الراذنية) التي اشتملت تجارتها وحركتها على مساحة نشاط وعمل عابر للقارات كان يتشكل من مجموعات من التجار اليهود (من الشرق والغرب ) في كل المراكز والموانيء التجارية الكبرى والمهمة في حينها في القارات الثلاث آسيا واوربا وافريقيا، مع الاحتمال الأكبر بأن يكون أصل تسمية وولادة الجماعة شرقياً. (يتبع).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا