الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنا الذي لا يفكر .. أو الطبيعة الصامتة و الطبيعة اللغوية

محمد بقوح

2015 / 5 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لقد قيل ، أن هذا الشيء الذي يفكر هو الأنا . لكن ، ما الشيء ، و ما التفكير ، و ما الأنا ؟ هل صحيح ، أنا شيء يفكر ؟ و هل كنت شيئا لا يفكر ، قبل أن أفكر حالا ؟ يعني أنا طبيعة تفكر الآن ؟ أي أنا طبيعة لها عقل يفكر . بمعنى ، أنا طبيعة لا طبيعة بالمطابقة . طبيعة تختلف عن الطبيعة الأصل بالعقل الذي يفكر . أنا إذن طبيعة ابن الطبيعة رغم أنني أختلف عنها بالتفكير ، أي باللغة .
إذا افترضنا أن الطبيعة شيء صامت ، و أنا شيء يفكر باللغة ، أي طبيعة متكلمة ، إذن لا طبيعة ليس بشيء ، كما أنه لا يفكر الأنا الذي لا شيء .
لكن ما التفكير في البدء ؟ و ما اللاتفكير .
إنه غريزة ، إيجابا أو سلبا ، موجودة في كيان الطبيعة بالضرورة . أمر التفكير لا يخص الإنسان ، الذي هو جزء من هذه الطبيعة . و ليس غريزة تميز هذا الشيء الذي يسمى الإنسان . لو لم يفكر الشيء الطبيعي ، بطبيعته الصامتة ، لمَ استطاع الشيء البشري أن يفكر بطبيعته اللغوية . أي المتكلمة . و من تمّ ، أن يبقى في التاريخ موجودا ، و يستمر و يبتكر و لايزال . فهذا الشيء الذي هو الإنسان ، من ذاك الشيء الذي هو الطبيعة ، التي هي أصل له ، و عمقه الظاهر و الخفي . فلا فائدة في التفكير أمعد من هذا التفكير .

إن التفكير عندنا دافع و نتيجة . لعلّ تفاعل هذين الفعلين الطبيعيين ، هو ما يؤدي حتما إلى مظاهر النمو و التجديد و التغيير ، و استمرار القوة التي هي عنوان البقاء في الوجود ، في داخل الشيء الذي يفكر و في خارجه . سواء كان هذا الشيء الأنا الطبيعية الصّامتة ، أو أنا الإنسان المتكلمة .
صحيح ، أن طبيعة الإنسان المتكلمة أنتجت الحضارة . لكن طبيعة الطبيعة ، أنتجت و حافظت و رعت ، و ما تزال تعمل على إنتاج و الحفاظ و الرعاية للإنسان الطبيعة . يعني أنك كطبيعة و كإنسان ، لا يمكن أن تحيا و تبقى كقوة طبيعية ، إلا إذا اجتمع فيك ، و في أناك الظاهرة و الباطنة ، ذلك الشيء الذي يفكر بقوة ، كطبيعة في الأشياء الصامتة ، و ذلك الشيء الذي يفكر بالفعالية نفسها ، كطبيعة في الإنسان . من هنا فللطبيعة نصيبها في ما وصل إليه الإنسان من تقدم و تطور حضاري ملفت . لكن وجب حماية الوجه الإنساني في الطبيعة ، و الوجه الطبيعي في الإنسان !!
غير أن السؤال المطروح هنا هو : هل ما تعانيه اليوم الطبيعة من مشاكل بيئية كثيرة ، و صعوبات كبيرة شتى ، في رد الاعتبار لتوازنها الطبيعي ، الذي بات يهدد وجودها ككيان ، و كذا يهدد وجود كل الكائنات الحية ، و منها البشر ، من حولها ، يمكننا رده إلى التفكير " المتعجرف " و الأناني ، لهذا الإنسان الذي صار يفكر ، كشيء في أناه و في مصالحه الخاصة ، كطبيعة لغوية عدوانية ، مُقصيا غيره من تفكيره ، غير الطبيعي هنا ، لأن هذا الإنسان في هذه الحالة لم يفكر في مظهره الطبيعي الآخر و المكمل لطبيعته ، الذي هو الشيء الطبيعي المسالم و القوي ، الذي هو أصله الصافي ، الذي حافظ على هدوءه ، إلى حد اللحظة ، و لم يفكر مثله بمنطق العنف و الحروب ، الذي حسبنا أننا تركناه في زمن البدائية ، أو ربما قد تكون هنا الطبيعة حكيمة ، لأنها تتصرف أفضل منه في صمت ، دون أن تثير زوبعة المزيد من غبار الغبن و روائح الفضائح .
أما الإنسان الطبيعة المنفعلة ، راهنا ، فيبدو أنه آخذ في إعلان كل أنواع العدوان و الحروب الشرسة ، التي لم يشهدها التاريخ من قبل ، ضد طبيعته الأصلية الطبيعية ، و التي حتما لن تبقى أبد الدهر صامتة . بل الجميع يعلم مدى العنف و التدمير ، اللذين يمكن أن يلحقهما غضبها الطبيعي إن اندلع ، و الذي ليس سوى صوتها ، و مظهرا من مظاهر صراعها الطبيعي ، ضدّ شدة العنف الممارس عليها ، و كذا صراخها المدمّر ، بعد انتهاء فترة تحملها للألم الطويل ، الذي لازمها منذ نشوء الصناعة و طغيان المال و الإعلام ، و معهما ظهرت المصلحة و هيمنت الأنانية ، لتتعطل عجلة التفكير الطبيعي البناء ، الذي هو المظهر الطبيعي الفعال للطبيعة ، كشيء يفكر بصمت . في حين ، لا نعرف متى ، و لا حتى كيف انحرف التفكير بالإنسان ، ككائن طبيعي سلبي بات عدوانيا منفعلا ، تحكمه و تستعبده غرائزه البدائية ، التي كانت سائدة في عهود الصراع مع توحّش الطبيعة .
هل فعلا ، عاد البشر إلى زمن البدائية و التوحّش ، لأنه اختار أو اضطر إلى أن يختار تعطيل تفكيره العقلاني و الإيجابي الفعّال ، و يجمد حواسه الذكية و المنيرة ، و يطلق العنان ، بالمقابل لانفعالاته المريضة ، و لغرائزه العنيفة ، ضدّ نفسه ، و ضدّ غيره من مظاهر الطبيعة من حوله ؟؟
إننا هنا بلا شك .. بصدد ، أنا الذي يفكر ضدّ الأنا الذي لا يفكر . الأنا الطبيعة الفاعلة إلى حد اللحظة ، تقاوم مفكرة صامتة دون الحاجة إلى لغة ، و لا ندري إلى متى ستستمر مقاومتها هذه التي تعني هنا أنها في موقع قوة .

أما الأنا الطبيعة المنفعِلة للبشر ، فبالرغم من موقعها غير الطبيعي ، ككائن طبيعي ، في حالة هجوم قصوى ، إلا أنه ، في حقيقته ، و بتفكيره العدواني الجاري و القائم في زمننا المتردي ، يختزن شروط مصيره المأساوي الذي ينتظره ، و الذي أيضا لا محيد عنه ، إذا استمر هذا الإنسان في تعنته العدواني ، و طغيانه الأناني الظاهر و الخفي ، ضدّ طبيعته الطبيعية ، و ضدّ وسطه الحي الأصلي ، الذي هو رهان حياته ، بل حياة جميع مكوناته المختلفة عنه ، الطبيعية المجاورة له في أرضه و كونه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد