الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفكارٌ هشة

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2015 / 5 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم أكن من المتابعين بشكلٍ مستمر لبرنامج الإعلامي إسلام بحيري..لم أكن أملك الوقت لكي أفعل و لهذا كل ما كنت ألتقطه منه هو بعض المشاهد أو المقتطفات السريعة التي تمنحني اطلاعاً عاماً على الفكرة التي يناقشها في هذه الحلقة أو تلك..و إن كان فهمي صحيحاً لما شاهدته فبرنامجه يقوم على نقد و نقض الأحاديث التي يجد أنها -برغم إسنادها القوي أو الضعيف- تتناقض و بشكلٍ سافرٍ و صريح مع التعاليم الإلهية و الموجودة في القرآن الكريم.

الإعلامي و الطبيب باسم يوسف أيضاً كان لديه هو الآخر برنامج يقوم على ذات الفكرة و إن اختلف المضمون..ففي حين كان إسلام ينتقد الفكر الديني كان باسم يقوم بتوجيه النقد السياسي و الفكري و الاجتماعي تجاه الرموز المنتمية لذلك الحزب الديني أو السياسي و المحيطة به..و بالرغم من أن برنامج باسم كان يحتوي على بعض الأمور التي لم أكن أستسيغها شخصياً و ربما كانت تروق للكثيرين -كالتلميحات الجنسية و ثقل ظل بعض مساعديه في البرنامج- إلا أنه كان يمثل هو الآخر مؤشراً على تصاعد الرغبة في نقد الذات بل و جلدها إن استلزم الأمر للوصول إلى مخرج من الأوهام العديدة التي يمجدها المجتمع.

نقد الآخرين هو غريزة فطرية لدى المواطن العربي و لو تحدثت مع أي مواطنٍ عربي ستجد أنه ينتقد مجتمعه بقسوة و لكنك لو فكرت في أن تقوم بذلك الأمر نيابةً عنه سيجن جنونه!!..دعه هو ينتقد غياب العدالة الاجتماعية و الديكتاتورية و الظلم و انعدام الحريات و لكن لا تفعلها أنت لأنك لو فعلت سيتبادر أول ما يتبادر إلى ذهنه بأنك عميل يبتغي تقويض تماسك مجتمعه أو نهضته التي تكاد أن تصل إلى السماء!!.

أيضاً ستجد أن المسلم البسيط الغير متبع لأيدلوجيةٍ دينية بعينها يمقت داعش و ينتقدها بعنف أمامك بل لعله يصرح لك بأنه يجدها تعمل بحماسٍ منقطع النظير لتشويه صورة و حقيقة الدين الإسلامي و القائمة على الرحمة..و لكنك لو تهورت نتيجة لتلك الاعترافات الأريحية من جانبه و انتقدت المصادر التراثية التي اعتمدت عليها داعش في الجرائم العديدة التي قامت بها ستجده ربما سيكون أول من سيقوم بتطبيق تلك المبادئ المتوارية فيه -رغماً عنه- عليك..لأنك بالنسبة إليه لا تنتقد داعش و لكنك تنتقد ديناً لا يمكن فصل غثه من سمينه حسب منطقه الهزيل.

نعم النقد يعتبر أداةٌ مزعجة في العالم العربي و عموماً يتم استخدام هذه الأداة بطريقةٍ فجة يكون الغرض منها على الأغلب هو الهدم..و نظرة سريعة لماضي كل شخصٍ منا ستجعله يدرك أنه في أغلب الأوقات كان يتعرض للنقد الذي يثنيه عن الإقدام على أمورٍ كثيرة فقط لأن مجتمعه لم يكن قد إعتاد بعد على تقبلها أكثر مما كان يواجه بالنقد الذي يكون الغرض منه توجيهه نحو الأفضل بالنسبة إليه..و لكن في ذات الوقت الاستماع إلى النقد الذي يحمل فكرةً ما و محاولة الرد عليه يمنحك أفضلية ما..فهو يمنحك الرغبة في البحث عن ما يؤيد أفكارك من حججٍ عقلانية و هو ما أعتقد أنه سيسبب اتساعاً لمدارك المرء الفكرية بطريقةٍ أو بأخرى.

و لكن التعصب من جهةٍ أخرى لفكرةٍ ما -حتى و إن كانت صحيحة- ومواجهة أي نقدٍ يوجه إليها عن طريق قمعه بشكل عنيفٍ سيضر بتلك الفكرة التي ستظل تواجه بالنقد طالما ظلت تواجه الآخر بالقمع..لأن هذا الأسلوب العنيف في مواجهة النقد هو ما يمنح الآخرين الاعتقاد بأن تلك الأفكار الدينية و السياسية ما هي إلا مجموعةٌ من الأفكار الهشة و الهزيلة جداً لدرجة لا تقوى معها على الصمود أمام أبسط نقدٍ يوجه إليها..فكيف إذا كانت تلك الفكرة التي تتصف بذلك هي دينٌ يؤمن به ما يزيد عن المليار شخص!!.

لهذا لم أستغرب توقف برنامج إسلام كما لن أستغرب حدوث ذات الأمر مع أي برنامج يعمل مستقبلاً على توجيه النقد السياسي أو الديني للمجتمع..فالشعوب العربية بشكلٍ عام و المسلمة بشكلٍ خاص لا تقبل بالنقد أو بالسماح لأي شخص بممارسته..و للمفارقة سنجد أن البرامج التي تتحدث عن القضايا الجنسية تلقى رواجاً فضائياً منقطع النظير و لم يتم إيقاف أي منها حسب ما أتذكر..فتلك البرامج تعمل على منح المواطن العربي "ثقافة" لا يمكنه العيش من دونها و لهذا لا تتم ممارسة أي رقابة عليها..بينما تواجه البرامج التي تحاول منح ذات المواطن القدرة على التفكير سياسياً أو دينياً بشكلٍ مختلف حروباً هيستيرية لا تتوقف حتى لو توقف بث تلك البرامج..فالهجوم هنا لا يكترث بالهجوم على تلك البرامج و القائمين عليها بقدر اكتراثه بسحق ثقافتيَّ نقد الذات و المراجعة الذاتية.

و لكن و بالرغم من القمع المتواصل لم أفهم يوماً ما الفائدة من مقص الرقيب!!..فمهما تم من محاولة للسيطرة على مصادر المعلومات التي تصل إليك ستجد منفذاً يُسهِّل لك العبور إليها..و مهما قامت الدول الإسلامية بحجب و إيقاف تلك البرامج أو المواقع التي تروج لفكرةٍ بعينها سيجد أي مهتمٍ بها نافذة له على الفضاء السيبيري لكي يطلع عليها..و حتى لو اعتبر أن تلك الأفكار التي جهد للوصول إليها هزيلة و ضعيفة بعد اطلاعه عليها و لم تقنعه سيتولد لديه شعورٌ مضاد بأن من حارب تلك الأفكار رغم هشاشتها و بذلك العنف الذي يحمل قدراً لا بأس به من الهستيريا يملك من الأفكار ما يفوقها هشاشة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وهم الاكاذيب
على سالم ( 2015 / 5 / 25 - 05:52 )
بالطبع الاسلام ديانه هشه جدا ولم يستمر الا بالسيف والقمع والقهر ,اى فرد فى كامل قواه العقليه يعتقد ان مايسمى بالصلعم هو رسول من اله فى السماء واتى بكتاب دموى ووحشى ويدعو الى الذبح والغزو والنكاح ,اى فرد يعتقد فى هذه الاساطير ماهو الا مخبول ومجذوب


2 - علي سالم و وهم يسوع
راباي ( 2015 / 5 / 25 - 12:49 )
انزع هالة القدسية المُدعاة لـيسوع، وسوف (تكتشف) يسوع (مختلف تماماً يقف أمامك)، يسوع خائف، هارب، هش، ضعيف، متناقض، يأمر بالقتال وشراء السيوف ثم يتراجع عند قوة أعدائه، واهم، مضطرب، ينقل تعاليمه من الآخرين وينسبها لنفسه، يكتشف حقيقة أوهامه على الصليب ويصرخ منادياً إلهه (لمَ تركتني؟!) وكأنما يترفع عنه إلهه فلا يجيبه، ولا أكثر من هذا ولا أقل.

اخر الافلام

.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4


.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا




.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب