الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذكاء والغباء الجمعيان

ياسين المصري

2015 / 5 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مثلما يوجد لدي البشر ذكاء أو غباء فردي Individual intelligence´-or-stupidity، يوجد أيضا ذكاء أو غباء جمعي (Collective ...)، ينشأ ويترعرع في ربوع دولة أو دول بكاملها، بحيث يصبح سمة عامة لكل مؤسساتها، فيشكل منظومة ثقافية شاملة وجارفة، ليس من السهل إيقافها، فضلا عن مقاومتها أو تغييرها دون تضحيات جسيمة وإراقة دماء غزيرة، لأن الغالبية العظمى من المواطنين يتأقلمون مع هذه الثقافة السائدة، ويحاولون قدر استطاعتهم الاستفادة منها، فتكون جزءًا لا يتجزَّأ من وجودهم، لذلك يجدون أنفسهم مضطرين إلى مقاومة أي تغيير يطالها بكل ما أوتوا من قوة.

أشار عالم الأحياء المعروف ريتشارد داوكنز إلى هذه المنظومة الثقافية بـ " الميم " كنظير ثقافي لمفهوم " الجين ". فالجينات هي المكون الأساسي للكائنات الحية، أما الميمات فهي المكون الأساسي للمنظومات الثقافية أو الأفكار التي تستمر عبر الأجيال، وتنم بوضوح من خلال التصرفات العامة والخاصة في الدولة عن مدى الذكاء أو الغباء الذي وصلت إليه. ويظهَر في قراراتها وطرق تعاملاتها الداخلية والخارجية مع مواطنيها وغير مواطنيها مدى التزامها بالنهج المدموغ بالذكاء أو بالغباء الذي يسود بين ربوعها، وتتبناه النخب السياسية والاجتماعية فيها.

بالطبع لم تسقط الدول المتحضرة التي تتسم بالذكاء الجمعي من السماء، ولم تحظى بموهبة الذكاء دون غيرها، ولكنها اكتسبته بشق الأنفس وبعد عناء مرير وتضحيات جسام. ولأن لكل ثقافة رجالها، فقد أدركت النخب السياسية والاجتماعية والدينية القاطنة فيها في وقت ما أن الغباء لن يفيد مجتمعاتها في شيء، وأن التمادي فيه يجلب عليها المصائب والويلات التي لا تنقطع، وأنه لابد من إيجاد ذكاء جمعي يكون منهجًا ثقافيًا واضحًا لمجتمعاتها، وطريقًا ثابتًا لتصرفاتها.

بينما في الدول الغبية يتم إيجاد منظومة ثقافية عامة تتبنى الغباء وتتولى النخب فيها ترسيخها في كل نواحي الحياة، الأمر الذي يوقف تماما عمل العقل ويحوِّل المواطنين تدريجيا إلى قطيع من الأغنام الضالة، وتظل الأغنام على ما هي عليه من غباء حتى الرمق الأخير من حياتها، ومن ثم تتوارثة الأجيال جيلا بعد آخر.

ومع مرور الوقت تتأصل ثقافة الغباء الجمعي بشكل ثابت في النفوس، فلا يقتصر الأمر فيها على غباء النخب السياسية وحدها، بل يشمل أيضا النخب الفكرية والدينية، التي تقتات من الاتجار بالدِّين وبيع الوهم والخداع للمواطنين، لاعتبارهم أغنامًا ضالة، تحتاج باستمرار إلى راع يرعاها ويعمل على هدايتها، هذه النخب تكبر وتتورم كل يوم في ظل الغباء الجمعي الذي يطغى بعنف وإصرار مستمرين على أي ذكاء فردي، ويجهض كل محاولة فردية في مهدها قبل أن تسير في اتجاه الذكاء الجمعي.

ومع وجود الذكاء الجمعي في بعض الدول وازدياد الغباء الجمعي في دول أخرى، ومع دخول العالم أجمع في عصر العولمة وتلاشي الحدود الثقافية والمعرفية بين المجتمعات البشرية المختلفة، ظهرت مشكلة حقيقية هي كيفية تعامل المجتمعات الذكية مع الأخرى التي ما زالت ملتزمة بالغباء الجمعي ومصِرَّة على التمسك بتلابيبه.

ببساطة، ماذا يفعل إنسان عاقل إذا تحتم عليه، أكرر مرة أخرى: تحتم عليه، أن يتعامل مع إنسان غبي، هل يرضخ لغبائه ويستسلم لهرائه وهزيانه، فيضيع ويهوي معه إلى أسفل السافلين ؟؟؟؟!!

نشأ الغباء الجمعي في شبه جزيرة العربان وانتشر كمرض السرطان في البلاد المجاورة لها مع جحافل الغزاة من البدو العربان، ولأنهم كانوا منتصرين فقد وجدوا في البلدان الموطوءة من ينافقهم ويعمق ويعمم جهلهم بين شعوب المنطقة تحت التهديد بقطع الرقاب، إذ كان ومازال الشعار هو : إسلم تسلم.

بدأ الغباء الجمعي يقدم البدو الحقراء للمواطنين المهزومين على أنهم أفضل الخلق أجمعين ، وأنهم خير أمة أخرجت للناس، فأصيب الجميع بمرض الغرور والغطرسة والبلطجة الفكرية والثقافية ومن ثم البلطجة السلوكية تجاه المختلفين عنهم والمخالفين لهم. فهم لا يدركون أنهم أحط وأحقر الخلق أجمعين وبلا استثناء. إن ثقافة الغباء التي يصرون على الإلتزام بها تفصح بشكل جازم عن إحساسهم بالدونية والانحطاط، إذ من الثابت أن أحدا لا يقول عن نفسه إنه أفضل من الآخرين مالم يكن يعاني حقيقة من عقدة النقص والهوان.

أوجد بعد ذلك الغباء الجمعي فئة متورمة من العملاء وتجار الجهل والغباء يطلقون على أنفسهم لقب " علماء " يمارسون سلطة منقطعة النظير على الناس، ويلزمونهم بما يقولونه من هراء وكلام فارغ في وجبات سريعة تبعا للهوى والمزاج، ومن لم يلتزم به يطبق عليه حد الغباء الشرعي.

الغباء الجمعي يزعم بإصرار أن الله هداهم وكرمهم بدين الحق، وهو لا يعدو كونه دين الوجبات الخفيفة والسلق السريع (فاست فود) على حد وصف المدون الكبير نوافكو، إذ يتبارى فيه العملاء وتجار الدين لإصدار الفتاوي الغبية الحمقاء خلال " عنعنة " لسلسلة طويلة من الأشباح، تنتهي إلى نبي لابد من نعته بالكريم، لكرمه عليهم بكل هذا الغباء.

الغباء الجمعي وحده هو الذي يقدس الأحجار ويعبد الأشخاص، ويمارس الطقوس الوثنية التي هجرها الإنسان العاقل منذ آلاف السنين. هو الذي ما زال يرجم الشيطان كما يرجم الزانية بالحجارة ومازال يقبِّل حجرًا، إسودَّ لونُه من حيض النساء أو من خطايا البشر، ويلِفُّ سبع لفَّات حول بناء بدائي يزعمون أنه بيت الله العتيق.

الغباء الجمعي يحاول أن يقنع البشر بأن الجنين يمكن أن يبقى في رحم الأم أربع سنوات أو أكثر، لأن قصة نسب النبي مشكوك في صحتها، إذ ثبت أنه ليس ابن عبد الله، كما يزعم الغباء الجمعي المقدس، فكيف يكون أبوه عبد الله هذا وقد مات قبل ولادته بأربع سنوات؟؟؟

الغباء الجمعي يفرض على البشر أجمعين أن يؤمنوا بإله عنصري أناني مكَّار، يحض على كراهية من لا يؤمنون به وينصروه وقتلهم وسلب ونهب ممتلكاتهم واغتصاب بناتهم ونسائهم.

الغباء الجمعي يطلب. منا أن نقدس ونبجل أشخاصا ملوثين بالكذب والدعارة والزنا والقتل والسلب والنهب والسبي ونكاح السبايا كملكات يمين وتفخيذ البنات صغيرات السن. وأن يكونوا قدوة لنا.

الغباء الجمعي وحده هو الذي يضع القاتل والمقتول في سلة واحدة ويطلب الرضوان لهما، وتكريم وجهيهما على حد سواء من إله (ملاكي ، خاص)، تمت صناعته في غفلة من العقل.

الغباء الجمعي هو الذي يعطي للمرء حق إلهي مزعوم كي يسيء إلى الآخرين ليلا ونهارا، سواء كان ذلك بالقتل أو هتك الأعراض أو بالألفاظ النابية والشتائم النبوية الكريمة، دون محاسبتة من أحد!!.

الغباء الجمعي وحده هو الذي يبخس قدر المرأة و يحط من مكانتها في المجتمع، فيدمغها بالنجاسة كالكلب الأسود، ويعتبرها مجرد أداة للجنس وإشباع نزوات البغال. ويجعل الغبيَّات من النساء يخلدن في استسلام مشين إلى هذ النمط من التعامل على أساس أنه تكريم للمرأة ورفع من شأنها في المجتمع.

الغباء الجمعي هو الذي يصيب معتنقيه بـ"شيزوفرينيا الارتياب والشك" فيتصورون أنهم مضطهدون ومكروهون من قبل الآخرين، وأن الآخرين لا هم لهم سوى نسج المؤامرات ضدهم وحياكة الدسائس بينهم، وكأن الآخرين لا عمل مفيد لهم في الحياة غير هذه الأمور الحقيرة، التي لا تدور إلا في أذهان مريضة ونفوس معلولة.

الغباء الجمعي وحده هو الذين يجعل معتنقيه يثيرون الآخرين ضدهم، بمواقفهم الحمقاء وتصرفات الخرقاء، ثم يقولون إن الآخرين يكرهوننا ويحسدوننا بسبب نعمة الدين التي أنعم الله بها علينا.

الغباء الجمعي هو وحده الذي فوَّت على معتنقيه قطار التقدم والرقي والسير في طريق الإنسانية الطويل، ومع ذلك يزعمون أنهم منار الهدى ومهد الحضارات، وأن إلههم الملاكي الخاص أنعم عليهم بـ" نور الإسلام "، فيصدقون أنفسهم ويصدقهم البلهاء.

كيف إذن يتعامل الذكاء الجمعي غير ما يتعامل به الآن مع الغباء الجمعي في وجود ضرورة التعاملِ بينهما ؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: فترة الصوم المقدس هي فترة الخزي


.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: السيد المسيح جه نور للعالم




.. عدد العائلات المسيحية في مدينة الرقة السورية كان يقدر بنحو 8


.. -فيديو لقبر النبي محمد-..حقيقي أم مفبرك؟




.. -روح الروح- يهتم بإطعام القطط رغم النزوح والجوع