الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعائر من كتاب الموت

محمود الغيطاني

2005 / 10 / 3
الادب والفن


صرخة أنثوية حادة بها الكثير من النشوة أفاقتني من غيبوبتي اليومية. لم تكن الصرخة طبيعية فتأملتها كثيرا. ممن تكون صدرت هذه الصرخة؟ فيها الكثير من صوت زوجتي. أوتكون قد أصابها مكروه؟ و لكن كيف هذا و أنا أراها جانبي تغط في نوم عميق؟ بالتأكيد ليست هي. و لكن أليس هذا صوت شقيقتي تواسيها؟ أين هي؟ و كيف أسمع صوتها دون رؤيتها؟ أويكون الأمر أضغاث أحلام؟ و لكن كيف لي أن أري و أسمع بوضوح بينما أنا مستغرق في النوم؟ ها أنا بالفعل أنام جوار زوجتي الغائبة في غيبوبتها الخاصة. علّها الآن تحلم بأحلام سعيدة أو غير سعيدة، لست أدري، لكنها بالفعل نائمة. أجل.. ها هي يرتسم علي وجهها شبح بسمة جميلة كأحلامها التي بلا شك ستكون هنيئة. و لكن من أين جاءت هذه الصرخة الجزعي؟ أحاول النهوض إلا أنني أفشل. شيئا ما يجعلني مرتبطا بفراشي. أجاهد مستنفذا قدرا كبيرا من طاقتي فأستسلم لعجزي. أسترق السمع فإذا صوت شقيقتي الواضح تقول باكية :
- كان بدري عليكي يا حبيبتي .. قتلك و هو يذوب فيك عشقا.
عدم التجانس في الجملة جعلني أضحك ملئ فيّ. من أين لها بهذا التركيب اللغوي العجيب؟ أعجبني النصف الثاني من الجملة؛ فجعلني أتأمله طويلا. و لكن من هذا الذي يذوب فيها عشقا؟ هل هناك من يعشقها غيري؟ أوتكون خائنة؟ أحاول إبعاد الفكرة عن خاطري، فأراها عارية تماما بينما يد ما تمتد متحسسة جسدها. إن مسام جلدها غير الواضحة تتفتح كزهرة يانعة لتلك اليد الغريبة. أدقق النظر في اليد البضة التي تصول و تجول بلا مانع يعوقها. صوت مقرئ ما يعلو مرتلا :
- "فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد علي ما يفعلون".
أهز رأسي موافقا و مؤمنا علي قول المولي عز وجل. و لكن من أين لي بهذه اللحظة الإيمانية؟ أري اليد تقترب و كأنها جزء من كادر سينما. يكتمل الجسد المتصل باليد فإذا بها شقيقتي متجردة من ملابسها. أندهش مرتعدا. ما هذا الذي تفعلانه؟ انهما تتضاجعان في مشهد سحاقي قاس. أناديهما محاولا منع هذه المأساة المرتسمة أمامي. أنظر إليها حيث تستلقي جانبي محاولا إيقاظها إلا أنها قد اختفت. أهي تفعلها حقا؟ أذكر أنني قد سمعت ولولة علي امرأة ما ربما هي زوجتي، كما أن صوت المرتل ما زال صداه يملأ رأسي. إذن فهناك من مات، و هناك من يبكي عليه و لكني عاجز عن معرفة الحقيقة. لماذا لم يحاول أحد إيقاظي؟ و متي أخذتني هذه السنة من النوم؟ أذكر أنني ضاجعتها مرتين أو ثلاثا، لست أذكر. كما دخنت علبة من السجائر، و قرأت كثيرا في "الظاهرة اللاواقعية"، بعدها احتسيت كأسين من النبيذ أو لعلهم عشرا، ثم تحدثت مع صديقتي ذات العينين الزرقاوين. هل تبادلنا الحب في الهاتف؟ و لكن أنّي لنا أن نتبادله هاتفيا؟ أحاول ترتيب أفكاري المتناثرة بصعوبة. أشعر و كأنني في كابوس لا ينتهي. كان صديقي ذو الشارب الكث يقول لي دائما :
- هل جربت أن تساحق امرأة؟
كثيرا ما كنت أندهش. و هل لي أن أساحق امرأة؟ حينما كنت أسأله هذا السؤال كان يختفي و كأنه لا وجود له. إلا أن دهشتي تصاعدت حينما رأيت شقيقتي تمتص نهديّ زوجتي. أحاول تصحيح المأساة، فأري قضيبا ضخما يملأ فراغ الغرفة قد انبثق بين فخذي شقيقتي. يملؤني الفزع. بالتأكيد ستقتلها إذا ما حاولت إتيانها بهذا الشيء العظيم. أناديهما للحد من وقوع المأساة، إلا أنهما و يا للغرابة اندمجا بعد الاندساس العظيم و كأنه لا شئ. إن الأشياء تأخذ بعدا آخر غير ذلك البعد المألوف. شيئا من اليقين انتابني أن هناك شئ لا واقعي يحدث. أجول ناظرا حولي. زجاجة خمر فارغة تماما جوار مجموعة الكتب التي قرأتها بالأمس. أجل، و ها هي أعقاب السجائر التي لا حصر لها بجوارها. هناك ضيق شديد يثقل علي صدري حتى لكأن الهواء المحيط له وزن يكاد أن يقرب من مئات الأطنان. أري باب الغرفة منفرجا بعض الشيء، و هناك ضوء ما يأتيني منسربا من فرجته. إذن فهناك من يجلس في الخارج. أجل، إن صوت الولولة و النحيب يأتيني واضحا جليا. كما أن صوت أطفالي الصغار الذين لا يكفون عن الضجة يتردد بين الفينة و الأخرى. ها هو صوت زوجتي يوبخهم، به شئ من النشوة الممتزجة برنة حزينة ثكلي. صوت المرتل أسمعه في الخلفية الصوتية للجميع. صوت أحدهم ينطلق :
- وحدوووووه .. كل من عليها فان.
يرد عليه آخرون : - و يبقي وجه ربك ذو الجلال و الإكرام.
تزداد دهشتي المتصاعدة. من هو الذي مات؟ أوأكون أنا؟ و لكن كيف يتأتي هذا بينما أنا أري و أسمع ما يحدث حولي؟ أذكر أن الذي ولولت عليه شقيقتي قبل مساحقتها لزوجتي كان زوجتي و ليس أنا. ها هو صوت صديقي ذو الشارب الكث يواسيها :
- لا تحزني .. كفاك فخرا أنه مات و هو في قمة شموخه العلمي.
إذن فهو يقصدني أنا. أحاول مناداته فأري الباب يزداد انفراجة ليدخل مجللا بالسواد بشاربه الضخم الذي يكاد أن يغطي وجهه بأكمله. ينظر نحوي و قد بدت علي وجهه بسمة لا معني لها ثم يطأطئ رأسه مبديا الكثير من الحزن العميق. تدخل زوجتي متشحة بملامح الحداد. كان منظرها مثيرا للضحك بوشاحها الأسود الذي تلفه حول رأسها بينما باقي جسدها عار تماما. صديقي ذو الشارب الكث يطوقها بذراعه. انهما يمارسان طقوسا جنسية جنائزية. يتجرد من ملابسه فتصدمني الدهشة. هناك هوة سحيقة لا قرار لها بين فخذيه. هل هذا ما كان يقصده حينما قال لي هل جربت أن تساحق امرأة؟ أسمعه يهمس بحميمية :
- لا بد أن نفعل؛ فتلك كانت رغبته رحمه الله.
إن الوغد يساحقها. كيف لي أن أمنعه؟ أتأمل وجهها الذي يكاد أن يتفجر من فرط اللذة فتتصاعد شحنة الغضب داخلي. صوت المرتل ما زال يملأ الخلفية السمعية للمشهد. أوأظنه الموسيقي التصويرية؟ ما هذه الأفكار التي تملؤني؟ يبدو الأمر و كأنه شريط سليلويد سينمائي متحرك. أذكر مقالي الذي كتبته عن رفض الميتافيزيقا الدينية مدعما بالكثير من البراهين. كان عن فيلم ذهني قاس يذكرني بما أراه الآن. ينتهي صديقي ذو العينين الزرقاوين مما يفعله فيعود إلى ذكورته. لون عينيه يذكرني بصديقتي التي هاتفتني بالأمس. هل هناك ارتباط ما بينهما؟ أذكر أنني قد رأيت زوجتي مستلقية جواري عند سماع الصرخة. أجل، ها هو وجهها الذي يملؤه الفزع يقترب من وجهي. لم هي جزعي هكذا؟ عيناها فيهما الكثير من الرعب. إنها تخبط صدرها بجنون حتى لتكاد أن تمزقه. ها هو الدم يكاد أن ينبثق من لحمها الطري. إنها تمسح شيئا ما ينزلق من زاويتي فمي بغزارة. حالة الاختناق الشديد تعاودني. أكاد أشعر و كأن تنفسي قد صار مستحيلا. حالة ما من القيء الشديد تمنعني من التنفس. أحاول القيام إلا أن شعوري بالأثيرية و كأنني لا شئ يتملكني فأعجز عن الفعل. أراها تناديني بقوة أعرفها من تعبيرات وجهها، إلا أن صوتها يأتيني متلاشيا و كأنه صادر من أعماق جب سحيق فيصل إلى مسامعي و كأنه أطياف صوت. أقول لها مطمئنا :
- لا تجزعي، ليس هناك شيء.
إلا أن الأمر يبدو و كأنها لا تسمعني فتزداد نحيبا و ولولة. بكل ما أوتيت من قوة أحاول تهدئتها إلا أن الوهن المسيطر علّي يجعلني أكف عن المحاولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟