الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الازدواجية الاخلاقية في الضمير الجهادي

عادل صوما

2015 / 5 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أعلن المغرب انه منع عرض فيلم "الزين اللي فيك" لأنه "يتضمن إساءة أخلاقية جسيمة للقيم وللمرأة المغربية ومساً صريحا بصورة المغرب". كما أثار الفيلم موجة استنكار وسط المستفيدين من الاسلام سياسيا، لم تثرها الوثائق التي وزعت نسخها هيئة الاستخبارات الوطنية الاميركية عن الفيديوهات الخليعة التي كانت بحوزة بن لادن ليرفه بها عن نفسه، بينما البسطاء ينسفون انفسهم لدخول الجنة.
لم يكّذب هؤلاء الهيئة المذكورة أو يقولون حتى ان هذا الامر افتراء على الشيخ المتزوج من اربع نساء، وقد يكون صمتهم لأن "القاعدة" طالما استخدمت مقاطع من افلام خليعة كرسائل مشفرّة للمجاهدين، ما يعني وجود ازدواجية خطيرة في الضمير الجهادي هي تحريم الخلاعة على غير المجاهدات وتطبيق حد الزنا عليهن، واباحتها للمجاهدين لمشاهدة افلام الخلاعة للتنشيط الجنسي أثناء التشفير، لاستحالته والمجاهد معصوب العينين أو مستغفراً من الرجس الذي يشاهده، إضافة إلى ممارسة جهاد النكاح وبيع المرأة بعده في سوق النخاسة.
الوقائع والقشور
على أية حال، ارتفاع نسبة ظاهرتي التحرش والدعارة منذ ارتفاع شأن المستفيدين من الاسلام سياسيا، بشكل لم تعانيه من قبل المجتمعات نفسها، ليس سؤالا بقدر ما هو جواب على ازدواجية الضمير الجهادي التي يعيشها مجتمعه المتخبط، الذي يتجاهل جذور ظاهرتي التحرش والدعارة ويعالج الاخلاق بالحجاب والفتاوى الجنسية العجيبة وموجات الاستنكار المنافقة، وينقل عدواه إلى المجتمع كله عن طريق القشور التي يتمسك بها ظاهريا والوقائع التي يمارسها في الخفاء.
ما فائدة الحجاب بينما التخلف والدعارة والتحرش إلى ازدياد؟ لماذا تلتزم المرأة الحجاب بينما تُباع مثيلاتها في تنظيم الدولة وغيرها؟ هل الحجاب أو الاخلاق تحفظ القيم؟ ما قيمة الحجاب وأميّة وتعاسة المرأة على حالهما؟
وفي السياق نفسه، صور وتماثيل التاريخ تبيّن أن مسألة حلاقة الذقن ترتبط بتطور شفرات الحلاقة وليس بالإيمان، فكل الناس قبل وبعد الاديان الابراهيمية كانوا اصحاب لحى ولم يكونوا اصحاب اديان، والان معظم الناس بدون لحى. أمّا بدء تاريخ دورات المياه داخل المنازل فيقول بكل وضوح أن جميع نساء ما قبل المدنية كن شبه محجبات أو محجبات لمنع التلصص عليهن، وأن الحجاب الذي نعرفه في حضارات الشرق الاوسط كان قبل الاديان الابراهيمية، ولم يكن بتاتا مرتبطا برسائل سماوية ولا بأخلاق، بل بقضاء الحاجة خارج الخيمة أو المَسكن البسيط.
القواد الحقيقي
الدعوات التي تُعري تفشي ازدواجية الضمير الجهادي والمنتفعين والخائفين منه والمنافين له والمصابين به بدأت تظهر ثقافيا بشكل واضح في الشرق الاوسط بشكل عام، لكن المغرب موضوع المقال، ففي فيلم "الزين اللي فيك" “Much Loved” تناول المخرج المغربي نبيل عيوش حياة عاهرات من مدينة مراكش، وركّز في فيلمه على وسط المدينة القديمة وروحها التي تعاني، ويعيش فيها أكثر الشخصيات التصاقا بمغاربيتها.
فريق الممثلين ضم محترفين، وهواة قال عيّوش عنهم "التقيت فتيات يعشن في هذا الوسط أو حوله، وحاورتهن وشدتني الحماسة التي تميزهن، فاقترحت على بعضهن أن يلعبن دورا في الفيلم". وهو دورهن نفسه في الحياة. التزم عيوش تقنية الفيلم الوثائقي فجاء عمله معبّرا عن المسكوت عنه بخصوص هؤلاء المومسات، لكنه لم يسكت عن أبشع تفاصيل حياتهن، بدون أن يحكم على شخصياته كافة. وثائقي عيّوش سأل بشكل غير مباشر: من العاهرة: النساء أم زبائنهن ؟ ووجه أصبع اتهام إلى بعض أثرياء السعودية الذين يشترون المغربيات ويستغلوهن جنسيا، من خلال ما يُروى عنهم في المغرب وكل بلد يزوروه ، من إسراف في البذخ والخمر والمخدرات، وبلغة سينمائية تتميز بالهزل الذي يسيطر على شخصياته في مواجهة واقع قاس، صوّر أشكال التهميش كافة التي يلفها صمت المجتمع، الذي يتجاهل استغلال الأطفال والعلاقات المثلية المدفوعة بين النساء ووضع المتحولين جنسيا.
من اشكاليات الفيلم الاخرى ما يدور داخل العائلة المحافظة، حين نرى أم إحداهن تطالب ابنتها بالمال لتعيل الأسرة، بينما تدعوها إلى التوقف عن التردد على بيت المومسات "لأن حديث الجيران كثر". الامر الذي يُظهر الدعارة كأنها تُدار بواسطة قوادين حقيقيين وقوادين موظفين، والمومسات يعانين العهر الذي يدفعهن إليه مجتمع ذكوري منافق يمارس اللذة، ويتهم من يمارسها معها بانها وضيعة، وعائلات لا تستطيع شيئا امام ظروف بناتها سوى التعايش.
ظهر البهيمة
الصحافي المغربي هشام حذيفة أصدر كتابا بالفرنسية تحت عنوان "ظهر المرأة، ظهر البهيمة: منسيات المغرب العميقة"، وهو تحقيقات ميدانية، رّكز فيها على المرأة القروية حيث "تبرز الهشاشة الأكثر" كما يقول في المقدمة.
جهل الريف وهشاشته من حيث لا يدري هشام حذيفة، يُبرر انطلاق تنظيم دولة الخلافة من المناطق الريفية حيث الجهل والخرافات الشعبية يبنوا كوادر صالحة للانطلاق والانقضاض على المدن، بمؤازرة تغطية صنّاع الخرائط وقوة الفزع من الدعاية لأساليبهم الوحشية، إضافة إلى عدم رغبة الناس في الدفاع عن المدن بفعل ثقافة الخوف من المعتقلات التي زرعتها العسكرتاريا والديكتاتوريات لمدة عقود.
الثقافة السائدة في قرى غربي المغرب والمناطق المعزولة حسب دراسة حذيفة، تعتبر الفتاة التي لم تتزوج قبل عمر 18 "بائرة" وعالة على العائلة والمجتمع بالتبعية، ومن ثم يُروج لتزويج قاصرات في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من العمر، وحسب أرقام منظمات المجتمع المدني ارتفع زواج القاصرات من 18 ألفا سنة 2004، إلى أكثر من 35 ألف زواج في 2013 بزيادة بلغت 91%، ومعظم هذه الزيجات تتم بدون عقود بمجرد قراءة الفاتحة، كما يحصل في أعالي جبال أطلس، وتكون نتيجة هذا الزواج الديني الحرمان من حقوق الانسان المدنية.
في مدينة بركان شرقي المغرب، تحدث الكاتب عن تعرض نساء يعملن في الحقول لاستغلال جنسي واقتصادي، بسبب مجموعة عوامل منها الثغرات القانونية والأمية والفقر الذي يدفع العائلات لتزويج بناتهن مقابل مبالغ مالية تراوح بين 1800 يورو و5600. وفي المدن، يذكر الكاتب حكاية شابة في السابعة عشرة من عمرها، تعمل ساقية في حانة في الدار البيضاء، وتعيل طفلها البالغ عامين ما يعني انها تزوجت في الخامسة عشرة أو أقل، وتضطر إلى شرب حوالي عشرين قدحا من البيرة وغيرها يوميا مع زبائن الحانة لتشجيعهم على الشرب، ومن ثمة تتقاضى قروشا أكثر كعمولة.
تناول الكاتب القمع السياسي الذي استهدف المرأة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، واختتم حذيفة فصول كتابه بفصل عن النساء المغربيات خارج المغرب ضحايا نظام الكفالة في دول الخليج، إذ تُحتجز جوازات السفر الخاصة بهن، فتقيد حركتهن بإرادة مستخدميهن، وسجّل الكاتب شهادة شابة نجت من شبكة للاتجار بالبشر في دبي، حيث وعود الشابات بالعمل في مجال التجميل أو الفنون، ونهاية امرهن في الدعارة.
التحرش بالجميع
بحسب أرقام المفوضية العليا للتخطيط، حوالى مغربية من أصل اثنتين (45,7%) أمية وحوالى امرأتين من أصل ثلاث (62,8%) تتعرض للعنف سواء كن محجبات أو سافرات، وظاهرة التحرش الجنسي بدأت تتنامى بشكل كبير في مدن وشوارع المملكة المغربية، ما دفع بعض الناشطات والمدونات المغربيات لإطلاق حملة استنكار عبر "فيس بوك" ينددن خلالها بالمضايقات التي تتعرض إليها المرأة المغربية بشكل يومي، في مجتمع يشهد مداً مرتفعا للمستفيدين من الاسلام سياسيا، يؤصل طابع السلطوية الذكورية أكثر فأكثر.
نظمت الناشطات مسيرات احتجاج تحت اسم "وومن- شوفوش"، وهي تركيبة من الانكليزية والمغاربية معناها امرأة - لا استطيع ان ارى"، وبعد شهرين من انشاء صفحة على "فيس بوك" نجحت في استقطاب أكثر من 5 آلاف امرأة قررن كلهن الخروج عن صمتهن، ليس تقليدا أو محاكاة للغرب بل نتيجة ظاهرة التحرش الجنسي التي تشكل مشكلة حقيقية في المغرب، كما تساءلت مؤسسة الصفحة ماغدولين ليازيدي في حوار مع إحدى وسائل الإعلام المغربية: "لا أستطيع أن أستوعب كيف للجنس الآخر أن يعاملنا هكذا، كيف للجنس الآخر أن ينعم بكل الحريات الممكنة في الأماكن العامة و تبقى المرأة دائما هي الملامة؟".
ظاهرة التحرش الجنسي مشكلة حقيقية في العالم العربي، كما تفاوت الحقوق المدنية بين الجنسين، مرة بحجة الدين الذي يعتبر المرأة أقل من الرجل، واخرى بسبب تفوّق الذكر سياسيا واجتماعيا، ولعل ذلك التفاوت يغري الرجل التحرش بالمرأة لأنها مجرد كائن أقل منه. ذلك الرجل الذي شاركته المرأة في الثورة من اجل الحرية والتغيير في الشرق الاوسط، وظل وحده متمسكا بهما لجهة القشور، لأنه بالنتيجة ليس حرا فقيود المجتمع والمحرمات الفكرية في الدين تقيده، إضافة إلى وقوعه في وهم التغيير، الذي قاد بلاد الربيع المشؤوم إياه إلى فوضى منهجية وعملية سلب اقتصادي مبرمج باسم الدين، ما زرع مملكة قراصنة على انقاض دول عريقة، أصبح لها قنصليات هي خلايا نائمة في معظم الدول.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا


.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج




.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف