الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا جنينا من حركات الإسلام السياسي ؟!

عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)

2015 / 5 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في الزمن القريب، وتحديداً قبل صعود حركات الإسلام السياسي، كان الناس أكثر تدينا، وأصدق، وقلوبهم أنظف، وأقرب إلى الله .. كانوا متدينين بالفطرة السليمة، التي لا تعرف التعصب والكراهية، وقد فهموا الإسلام بمعزل عن الطائفية والأيديولوجية والعمل الحزبي، وأخذوا منه الروح السمحة والسمات الحضارية المنفتحة، وعاشوا أبعاده الإيمانية وقسماته الروحية. كانت الجماهير واعية ولا تحتاج إلى من يرشدها إلى طريق الحق، كانت صالحة ونقية من تلقاء نفسها، وأكثر تسامحاً وانفتاحاً على الغير، متعايشة فيما بينها على المحبة والإخاء، ولم تعرف صراع الأديان والطوائف؛ كان المسلم يبرُّ جارَه المسيحي، والسنّي يصاهر الشيعي، والمتدين يصادق العلماني، ولم يكن أحد (تقريبا) يدعي احتكار الحقيقة، وأنه الوصي على البشر، وظِلّ الله في أرضه .. كان الفن والثقافة حاضرين بقوة، وذائقة الناس أرفع وأكثر إنسانية، وحرياتها الشخصية أوسع رحابة، وسلوكها أكثر احتراما، كما كانت الحركات الاجتماعية والسياسية تناضل للتعبير عن نفسها، وانتزاع حقوقها دون أي تعارض بين ما هو ديني وما هو وطني.

وفي مجال الكفاح التحرري، كان التدين والوطنية صنوان؛ وقد تمكّن القادة الوطنييون أمثال الحاج أمين الحسيني، وعز الدين القسام، وعبد القادر الحسيني، ومن قبلهم الأمير عبد القادر الجزائري، وعبد الكريم الخطابي وعمر المختار وغيرهم، تمكّنوا من الجمع بين المعاني الروحية والوطنية في آن معاً، فدمجوا في شخصياتهم بين القيادتين السياسية والدينية، وجعلوا من الخطاب الديني (غير الحزبي وغير المؤدلج) عنصرا مكملا وداعما للخطاب الوطني القومي، دون أن يطغى عليه، ووظفوا العاطفة الدينية للتعبئة الوطنية والنفير العام دون أن يستغلوا الدين لأغراض السلطة والسياسة.

طبعا وبالتأكيد لم تكن الصورة على هذه الدرجة من المثالية؛ فقد كانت تبرز الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، كما شهدت تلك الحقبة الكثير من النكسات والهزائم .. إلا أنه ورغم وذلك كانت الأمور أفضل، وكان بوسع المجتمعات العربية أن تتقدم للأحسن .. وأن تتحرر من تخلفها، وأن تشق طريقها نحو المستقبل .. ولكنها بدلا من ذلك، نكصت وتراجعت للوراء.

وإزاء هذا الإخفاق، تقدمت حركات الإسلام السياسي لتملأ الفراغ، ولتجيب على الأسئلة التي عجزت عنها الأنظمة القومية والأحزاب اليسارية. وعلى مدى العقود التالية خاضت تلك الجماعات صراعا مريرا مع الأنظمة، وتمكنت من فرض حضورها، ومن التوسع والانتشار، بل ومن استلام السلطة في أكثر من منطقة. ولكن النتائج التي جاءت بعد ذلك كانت مخيبة للآمال؛ بل أن الأمور ازدادت سوءاً !! فما الذي حدث؟ ومن أين جاءت حركات الإسلام السياسي ؟ وما هو مبرر وجودها التاريخي ؟

اليوم، يكون قد مضى 87 سنة على تأسيس جماعة الإخوان المسلمون (أولى الحركات الإسلامية وأكبرها)، أما الجماعات الأخرى (وأكثرها انبثقت عنها)، فقد مضى على أقدمها نحو ثلاثة عقود، وهي الآن تزيد عن الثلاثين حزبا وحركة ... فما الذي أنجزته تلك الجماعات ؟ وهل نجحت في حل المشكلات التي وعدت بحلها ؟ أم أنها نجحت فقط في إثبات وجودها، والانتصار لأيديولوجياتها ؟

لا يخفى على أحد أنه منذ عقود عديدة، وأحوال المنطقة العربية تتقهقر، وتهوي إلى قاع لا يبدو له قرار، صحيح أن الجميع يتحمل مسؤولية ذلك؛ الأحزاب العلمانية التي أخفقت، الأنظمة المستبدة، والنخب الفاسدة، لكن رغم الفشل، وحتى بوجود كل ذلك القهر والفساد؛ إلا أن الأوضاع كانت ولو بشكل نسبي أفضل، فعلى الأقل كان هناك دولة، ونظام، ومجتمع ... اليوم انفرط العقد، وخسر المواطن كل شيء حتى أمنه الشخصي وكرامته. ولا نحتاج أي جهد لشرح مدى الانحطاط والتخلف والفوضى التي وصلت إليه المجتمعات العربية والإسلامية، فتكفي نشرة أخبار واحدة لنسمع ونرى ما لم يخطر على بال الشيطان، من أعمال القتل والتخريب، والتفجيرات الانتحارية، وحز الرقاب، وحلقات التعذيب والجلد والرجم، والتعدي على العباد، خاصة في المناطق التي ابتليت بالجماعات "الجهادية" ..

وحتى لا نقع في فخ التعميم، يمكن القول أن جماعات الإسلام السياسي ليست كلها على شاكلة واحدة؛ فهناك جماعات توصف بالمعتدلة والعقلانية، وهناك الجماعات المتزمتة والمتشددة، والتي تسمي نفسها "السلفية الجهادية"، وأبرزها تنظيم القاعدة، جبهة النصرة، داعش، وغيرها العشرات من "عسكر طيبة" شرقا، وحتى "بوكو حرام" غربا .. يمكن اعتبار أعضاء تلك الجماعات في أحسن الاحوال عقائديون متزمتون، أو مثاليون طوباويون، أو مغفلون ضلّلوا الطريق، وفهموا الإسلام بطريقة غير صحيحة، أو متسرعون لتحقيق أهدافهم السياسية والاجتماعية، أو مندفعون للحد الأقصى بردود أفعالهم على عنف الدولة وعلى الظلم الموجه ضدهم، وهم في نفس الوقت مغامرون تراودهم أحلام النصر السريع، ومكبوتون، ومغتربون عن مجتماعهم، ولا يستطيعون التعايش مع خط الحضارة المتصاعد، قد يكونون أي من هؤلاء أو كلهم ،، ولكن قياداتهم شيء مختلف تماما، قياداتهم تسيّرها أجهزة مخابرات أجنبية، لتنفيذ أجندات مشبوهة.

في كل منطقة تنهار فيها الدولة (بعد أن ينخرها الفساد)، تظهر تلك الجماعات على الفور، لتعيث في الأرض فسادا، ناشرةً الفوضى والتخريب، وبأشد أساليب البطش والعنف؛ في أفغانستان، منطقة القبائل على الحدود الباكستانية، العراق، سورية، مالي، ليبيا، اليمن ... وأيضا في مناطق الاضطرابات وذات التنوع الإثني، وفي جيوب الفقر والعشوائيات وعلى هوامش الحواضر والمدن المكتظة بأزماتها ... وبحجة تطبيق الشريعة، تبدأ بمحاربة كل القيم المدنية والحضارية، والتعدي على كل أشكال الجمال، وتخريب أي شيء يحمل مضمونا إنسانيا، وهدم المعالم الأثرية والمعمارية، وارتكاب المجازر والجرائم .. وقد أضافت "داعش" السبي والغنائم وإعادة زمن الرق .. كل ذلك باسم الله، والله منها براء ..

وقد بات واضحا أن تلك الجماعات الإرهابية ما هي إلا أداة تُستخدَم لتقسيم المنطقة طائفيا وإثنيا، ورسم سايكس بيكو جديد .. فليس غريبا أنها تتنقل من منطقة لأخرى بكل سهولة، بأفرادها وأسلحتها وعتادها، وليس غريبا أنها صارت من القوة بحيث تناطح أقوى الجيوش، وتحتل المدن .. فكل التسهيلات مقدمة لها؛ طالما أنها لا تقترب من إسرائيل.

أيها الإرهابيون .. أخرجوا من أرضنا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - داعش والاسلام
على سالم ( 2015 / 5 / 31 - 22:28 )
السيد الكاتب ذكر ان المسلمين فى وقت من الاوقات كانوا يتميزوا بالنقاء والشفافيه والحب وكانوا بعيدين عن داء التعصب والكراهيه ورفض الاخر والافكار التكفيريه ,مع احترامى للسيد الكاتب الا انه يجهل طبيعه الاشياء ,هؤلاء المسلمين الذين ذكرتهم يا سيدى كانوا جهلاء بصحيح الدين الاسلامى ومفرداته وقوانينه البدويه الدمويه المتوحشه ,ممكن ان نقول انهم كانوا يطبقوا مبدأ البشر فى الحب والتعاون ومساعده الغير واكيد كانوا بعيدين تماما عن مفهوم الاسلام السنى الوهابى وانغلاقه على نفسه وتكفير كل الناس ,من المؤسف ان حقيقه الاسلام الورديه والتى ذكرتها ماكان يتواجد فيها اى اسلام بل المثل والمبادئ والاخلاق وقيم المجتمع البسيط ,الحقيقه الخالصه ان الاسلام الاصلى هو اسلام داعش وبوكو حرام والنصره والشباب والاخوان وحماس وجماعه السلفيه الجهاديه والاخوان الاجراميه وكل منظمه اسلاميه دمويه ,هذه هى الحقيقه ,لايوجد اسلام وسطى او معتدل ,هذا كلام فارغ بدون جدال ,الاسلام هو واحد منذ ان اسسه محمد ابن عبدالله على الغزو والسلب والنهب والقتل والاغتصاب والى الان لم يتغير ابدا وهو ماتطبقه داعش وبوكو حرام ,انه الاسلام الرهيب


2 - السيد علي سالم المحترم
وراء الحدث ( 2015 / 5 / 31 - 23:14 )
بعد اذن السيد الكاتب ..اقول نعم اولئك المسلمون كانو بسطاء ولم يتعرفّوا على شرور الاسلام واشرارهم فمثلا في الكتب المدرسية في الدين والتاريخ ياتي اسم ( بلال الحبشي ) كونه مؤذن الرسول ومرافقه فلذلك نسمع عند اوقات الاذان جملة خاصة بهذا ( البلال ) حيث يقول المؤذن ( الف صلاة وسلام على روح بلال الحبشي ) وبعد قرائاتنا ومتابعاتنا للتارخ تبين ان بلال الحبشي هذا كان ( سياف ) محمد مثله مثل ( مسرور ) سياف هارون الرشيد وقتل وذبح العديد من شخصيات قريش بعد وقوعهم في الاسر وفي معارك اخرى وذبحه شخصيات معارضة ..هذا كمثال وليس للحصر ..مع التحية .


3 - السيد علي سالم
عبد الغني سلامه ( 2015 / 6 / 1 - 07:18 )
الأخ علي سالم أود أن أشكرك على مداخلتك المهمة
وفي الحقيقة أن ما قصدته هو الناس العاديين البسطاء ولم أتطرق بالحديث عن أيديولوجيا الإسلام نفسها
وأردت أن أقول أن دخول الاسلام السياسي على الخط أفسد الناس والمجتمعات
تحياتي واحترامي


4 - وماذا جنينا من القومجية واليسارجية؟
عبد الله اغونان ( 2015 / 6 / 1 - 22:48 )

من عبد الناصر الذي أشبعنا نكبات ونكسات وورثه العسكر من السادات بطل الاستسلام ومبارك
ثم السيسي كانت تجربة ديمقراطية في عهد أول رئيس منتخب وكانت منظمة الانقلاب ضده منذ البداية عسكر وشرطة وبورجوازية واعلام مضلل وقضاء فاسد وشباب غر وشعب غلبان
وهاهي الأمورتزداد بؤسا اذ احتكر السيسي كل السلطات والمشاكل استفحلت في انتظار ثورة حقيقية
وقس على ذلك في العراق الى أين أوصل حزب العبث مع صدام المنطقة ؟ والعقيد القذافي وزين العابدين وسوريا مع حزب العبث كما تتابعون
الأمر ليس قاصرا على الاسلاميين
أروني شعاع نور في التاريخ المعاصر بمن تشيدون كسياسيين أو أحزاب أو فكر
شبعنا تنظيرا وسفسطة جلكم لايدري ما يقول وفي حيرة والكل ضد الكل
حتى الشعوب فقدت ثقتها في السياسيين فضلا عن المفكرين


5 - الى علي سالم
الدرة العمرية ( 2015 / 6 / 2 - 01:30 )
رد على علي سالم...........لا اعرف ان كان علي سالم مسيحيا او ملحدا ولكن من كلامه يبدو انه مسيحي يتخفى وراء اسم مسلم.........السيد علي سالم طبعا انت انسان ناكر ومجاف للحقيقة فالاسلام ما جاء الا لخير البشرية جمعاء ولكن للاسف حقدكم الاسود على الاسلام اعمى قلوبكم وبصائركم حتى انكم لاترون خيرا في الاسلام منذ ان بعث الله محمدا للبشرية والى الان.انتم لا تميزون بين تصرفات بعض الاسلاميين الذين اساؤوا للاسلام ولغير المسلمين سواء اكان بحسن نية او سوء نية وبين تعاليم الاسلام,......فالمشكلة في فهمكم السقيم.

اخر الافلام

.. الشقيران: الإخوان منبع العنف في العالم.. والتنظيم اخترع جماع


.. البابا فرانسيس يلقي التحية على قادة مجموعة السبع ودول أخرى خ




.. عضو مجلس الشعب الأعلى المحامي مختار نوح يروي تجربته في تنظيم


.. كل الزوايا - كيف نتعامل مع الأضحية وفكرة حقوق الحيوان؟.. الش




.. كل الزوايا - الشيخ بلال خضر عضو مركز الأزهر للفتوى يشرح بطري