الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة وطن تأكله الذئاب

زيد كامل الكوار

2015 / 6 / 2
المجتمع المدني



كثر الحديث عن أسباب التردي والتدهور، الحاصل في العراق منذ ما يزيد عن عقد من الزمن ، وعلى الأصعدة كافة ، بلا استثناء حتى صار ممجوجا لا طائل تحته ، إذ ما انفك المختصون يوضحون ، بمناسبة ، وبغير مناسبة مواطن الخلل ، ومكامن العلل ، وما من إجراء يشفي الغليل ، ويسد النقص والخرق ولو جزئيا ، فالعراق الذي واكب ولو على استحياء حركة النهضة والتطور العلمي والثقافي في العالم بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث الجامعات العراقية تخرج الدفعة تلو الدفعة وبشتى مجالات العلوم ، وبمستوى علمي وكفاءة مهنية متميزة لا غبار عليها ، حيث البعثات العلمية إلى أرقى جامعات العالم وإسهامها في إثراء الخبرات والثقافات وزيادة وتطوير الرصيد العلمي الفكري والمعرفي والتقني الحديث . واتسعت وبتسارع ملفت قاعدة التعليم بشتى مستوياته وصنوفه المعرفية ، وبالتوازي مع الطفرة العلمية والثقافية ، كان للعمران والاهتمام بالإرث الثقافي العراقي من المتاحف والمكتبات والمواقع الأثرية ؛ نصيب كبير . وأصبح الاهتمام بالتطوير والتحديث والعصرية ، طابعا واضحا ومميزا، نتج عنه إنشاء بنية تحتية واسعة وعلى أسس علمية صحيحة قادت إلى انفتاح واسع وكبير على المستوى العالمي والإقليمي ، فتبادل الكوادر العلمية والتدريسيين بين العراق والدول العربية كان في عصره الذهبي وفي أوج فاعليته ، في حقبة السبعينيات والثمانينيات ، الأمر الذي أوجد نهضة فنية وأدبية تعد بحق الحقبة الذهبية في تأريخ العراق الحديث ، من مهرجانات فنية وأدبية دولية ، على أنها لم تكن تخل من الأغراض السياسية ، لكنها أسهمت وبشكل فاعل في إثراء النهضة الأدبية والفنية في العراق ، فالنتاج الفني الغنائي على سبيل المثال شهد في السبعينيات عصره الذهبي الذي أغنى الأغنية العراقية كما ونوعا ، عقمت الساحة الفنية أن تنتج شبيها له منذ أكثر من ثلاثة عقود طويلة اقتصرت على الإسفاف والقليل من المحاولات الخجولة التي لا ترتقى إلى مستوى نتاج السبعينيات ، وقد ارتفع إبان ذلك العصر الذهبي قياسا إلى ما قبله وما بعده رصيد التعليم العالي والقطاع الصحي والبحث العلمي والاختصاصات الزراعية والصناعية من الشهادات الأكاديمية والكفاءات العلمية ارتفاعا هائلا ، حتى شهدت الساحة الأكاديمية والعلمية تضخما في أعداد حملة الشهادات العليا ؛ التي أصبحت فيما بعد تشكل عبئا كبيرا وثقيلا على كاهل الهيكل الإداري للحكومة العراقية التي لم تستطع تأمين إدامة مستلزمات التطور والتواصل الفعلي مع النهضة العلمية والفكرية العالمية لهذه الكفاءات المتميزة ، نتيجة المغامرات العسكرية الحربية الرعناء التي أدخلت العراق وأهله في متاهات أفقدته التواصل مع مراقبة بوصلة النهضة والتطور . ما أدى إلى انجراف البلد باتجاه الجهد العسكري وإدامته وتسخير كل الإمكانات المتاحة لإدامة زخم المعركة لا غير . التي بدا في حينها أنها سرمدية لا نهاية لها . حتى استنزفت طاقات البلد المادية وقودا لتلك الحرب اللعينة ، وتضرر الرصيد الأكاديمي من الكفاءات العلمية التي أدركت بحكم خبرتها الفكرية والعلمية واستشرافها واستقرائها المنطقيين ، أن البلد سائر باتجاه المجهول لتمكن الفوضويين الدمويين من كافة مفاصل القيادة في البلد ما سبب الهجرة الجماعية لتلك الكفاءات التي رأت أن بقاءها في تلك الدوامة قاتل لطموحها في التطور والتقدم ، وبعد ثمان سنوات من الموت الهمجي العشوائي ، الذي طال شرائح المجتمع كافة ، انتهت تلك الحرب المجنونة منهية معها الكثير من المشاريع العلمية والفكرية الواعدة التي كانت مخبوءة في صدور العلماء والكفاءات الذين حصدت أرواحهم ماكينة الحرب اللعينة تلك ، ثم بدأ العراقي من جديد دورة الحياة الجديدة على أمل خادع جديد بمستقبل واعد مستقر ، لكن الرعونة والهمجية في القيادة واتخاذ القرارات المصيرية كانت لهم بالمرصاد ، فمفاجأة احتلال الكويت وما جرّت من ويلات الحروب ، والانكسارات والهزائم العسكرية وما تلاها من حصار اقتصادي جائر بلغ من العراقيين أيّما مبلغ ، كان بمثابة الضربة الماحقة القاصمة للظهر ، حيث اجتاح الخراب مفاصل المجتمع العراقي ، فشمل المنظومة القيمية والأخلاقية ، وكان ذلك نتيجة منطقية لذلك العوز والقحط الشامل في كل شيء . حتى اندثرت أو كادت تلك المؤسسة العلمية العملاقة المتمثلة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي نتيجة انقطاع التواصل المادي والمعنوي بينها وبين الجامعات والمعاهد العلمية العالمية ، وكان لتفشي الرشوة والفساد الإداري في مؤسسات الدولة التربوية الأثر الأكبر والأهم في تردي المستوى العلمي والثقافي على المستوى الداخلي ما انسحب على التقييم العلمي الدولي للمؤسسات العلمية العراقية ، حتى باتت غير معترف بها عند الكثير من المؤسسات العلمية الرصينة في العالم . ومن هنا تحديدا بدأ منحنى التقييم العلمي للعراق بالتدني والانحدار إلى مستويات خطيرة لم يشهدها العراق من قبل ، ولم يكن الانحدار في هذا المجال فقط ، بل انسحب على كل مجالات الحياة ، صحيا وخدميا واقتصاديا ، وطال الفشل القطاع الصناعي والزراعي والعمراني . ولم يكن التحرير المزعوم إلا الحلقة الأقسى والأشد في مسلسل التدمير الممنهج الذي طال العراق في بواكير القرن الحادي والعشرين ، إذ استبشر البسطاء والسذج من العراقيين بذلك التغيير خيرا كثيرا فكانوا مقصد الشاعر إذ قال :
ولا ترجوا السماحة من لئيم ** فما في النار للظمآن ماء
فقد حرص المحتل الأمريكي الغشوم على تدمير كل ما هو أصيل وجميل في عراق الفن والإبداع والحضارة والتأريخ . حيث فتح الباب مشرعا على مصراعيه ، لشذاذ الآفاق وعتاة مجرمي الأرض ودهاقنة التجسس والسرقة والتخريب ، فانتُهكت حرمة المتاحف والمباني الحكومية والمرافق العامة والخاصة على حد سواء . إلا ما شاءت قوات الاحتلال حمايته والذود عنه ( مبنى وزارة النفط العراقية ) موضع القصد وغاية الاحتلال . ثم بدأ الاحتلال البغيض بمسلسل التدمير وفق خطة شيطانية صهيونية ، استمالت قلوب السذج والبسطاء من العراقيين من الشريحة التي كانت وبحق أكثر العراقيين تضررا من الحصار الاقتصادي الخانق ، ألا وهي شريحة الموظفين محدودي الدخل ، إذ أغدق عليهم المستعمر عطاياه بزيادة الرواتب غير المدروسة ، ومعاقبة الجيش العراقي المهني بحله بكل صنوفه ومؤسساته ، رافقه حل المؤسسات الأمنية من مديرية الأمن العامة وجهاز المخابرات العراقية ، وكل ما كان له صلة بضبط الأمن في العراق ، ليترك فراغا أمنيا كبيرا يوفر للمحتل أسباب التخريب ، ورأى السذج في معاقبة المنظومة العسكرية والأمنية تلك ( إنصافا لهم وانتقاما ) ما جعل العراق أرضا خصبة لتنامي وزيادة أعداد المتطرفين من بقاع الأرض ليكونوا مستقبلا المادة الأولية والخام لصناعة مشروع التقسيم على قاعدة مشروع الشرق الأوسط الإسرائيلي المزعوم . فالحرب الطائفية والتهجير الطائفي والعرقي والديني ، ما هو إلا البذرة التي أعدوا لها التربة الملائمة لتقسيم العراق . فكانت أدوات هذا المشروع منضوية تحت دستور مريض يعج بالكثير من العلل القاتلة والمستعصية على الحل ، لأنها تضمن للكثير ما لم يحلموا بالحصول عليه لولا الدستور المزعوم . فالمحاصصة الطائفية والقومية والدينية ؛ مهدت السبيل للغث والسمين لتسنم المناصب وتوزيعها على أساس الاستحقاق الدستوري لا على أساس الكفاءة والاستحقاق المهني , فحل بهذه الطريقة والخطة الخبيثة اللئيمة الأدعياء مضموني الولاء للأشخاص والأحزاب لا الوطن بدل المهنيين الذين أقصوا من الساحة السياسية والإدارية تحت ذرائع عدة ، على رأسها قانون المسائلة والعدالة الانتقائي ، وحل في العراق الحقد والثأر والجهل والتخلف ليرتقي بالعراق أعلى الدرجات في سلم الفساد والقتل على الهوية واغتيال الحريات وسرقة الأموال فأصبح العراق الأول أو ينافسه في قوائم الدول التي تنتهك الحريات الإعلامية والتعبير عن الرأي والبطالة والتزوير والفساد الإداري والمالي وعدم الصلاحية للعيش بين دول العالم . وإجمالا فعلل العراق القاتلة التي يجب معالجتها على الترتيب هي : الفقر، الأمية ، الجهل ، القضايا العشائرية الجنائية العالقة ، التثقيف باتجاه الشحن الطائفي العاطفي على منابر الدين بشتى أشكالها المتعددة . معالجة ملف المبعدين عن الساحة الاجتماعية والمهنية من العسكريين والمدنيين الشرفاء الذين لم تتلوث أيديهم بدماء وأموال العراقيين ، الملف الأمني والخدمي الذي أصبح من أسباب الطرد والتنفير لا الجذب والاستقطاب للكفاءات العلمية والخبرات والصناعيين والتجار الذين آثروا الهجرة والاستثمار في بيئة أخرى أكثر أمنا واستقرارا . وإلى ذلك الحين يبقى العراق وللأسف يعاني حدة أنياب الذئاب التي تنهش لحمه بلا رحمة ولا علامة شبع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة اللاجئين في مصر: مطالب بدعم دولي يتناسب مع أعباء اللاجئ


.. هغاري: الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل من أجل خلق الظروف لاستع




.. الأمم المتحدة ترحب بالهدنة التكتيكية جنوبي غزة| #غرفة_الأخبا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن -هدنة تكتيكية- في جنوب قطاع غزة والأمم




.. بكين تفرض قواعد جديدة في -بحر الصين الجنوبي-.. واعتقال كل من