الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العشائر وشيوخ التسعينات

عبد الحسين العطواني

2015 / 6 / 3
المجتمع المدني


من اهم المكونات الاجتماعية والمراجع الاصلاحية التي حافظت ولاتزال تحافظ على القيم والعادات والتقاليد الاصيلة الموروثة عن مجتمعاتنا العربية السامية : كالكرم والشجاعة , وحماية الدخيل , وأكرام الضيف , هي القبائل العراقية ذات التركيبة الاجتماعية , ومافيها من تفرعات اخرى يمكن ان تميز جماعات ببعض الخصائص , والتقاليد مثل العشيرة , والفخذ , واذا ماتوغلنا اكثر في المفهوم الخاص بهذه التركيبة , نرى بعض الخصوصيات ذات الصلة بالمنطقة ايضا , اى بمعنى آخر هناك اتجاهات جماعية , ولو بشكل محدود تهيمن احيانا على المشاعر , ومواقف بعض المحافظات العراقية متفاوتة , وعلى اساسها اطلقت صبغة الانتماء لبعض المحافظات تقترب الى حد ما من مفهوم الثقافات الفرعية مثل : المصالوه , والتكارته , والبصاروه , والنجفيين , وبسبب عدم التوازن تكونت لكل جماعة اهدافها وتطلعاتها , ومن ثم بعض قيمها وتقاليدها الخاصة .
فدائما ماتمتاز العشيرة بخصائص البساطة , والميل الى التعاون حيزا في الذات والانسانية , والطيبة , والاستعداد لمنح الثقة , وسهولة الانفتاح على الاخرين ممزوجة احيانا بالتلون والمزاجية , مع خصائص الرغبة في التعالي , وحب الذات عندما تتعرض لاعتداءات تهمها , او لاحد افرادها من قبيلة او عشيرة اخرى , مما يزيد الا مر تعقيدا في مسألة التعامل معها بمثل هذه الحالات .
فقد كان لكل قبيلة مجلس , او جهة ممثلة يرأسها رجل يتم اختيارة من قبل افراد القبيلة أما عن طريق التتابع , او بطريقة الانتخاب المباشر , ويطلقون عليه عدة مسميات منها : الشيخ , او الرئيس , او الامير , مع الاخذ بنظر الاعتبار الشروط التي يجب ان تتوافر بالشخص المرشح للمنصب , كالشجاعة , والكرم , والحكمة , والصبر , وان يكون ذو بصيرة , ورأي ثاقب ومشهود , لكي يصبح مرجعا يلجأ اليه الناس لحل نزاعاتهم بالطرق السلمية والمرضية للطرفين المتخاصمين , على ان مايقوله شبه قانون , او كعرف متفق عليه مسبقا لما يتمتع به من موقع اجتماعي يؤهله القيام بهذا الدور , وان يدخل حكمه حيز التطبيق وعلى الاخرين الالتزام بتنفيذه , وأستمر الامر عليه حتى يوما هذا , مع تطور وتعقد الخلافات التي تحصل بين العشائر من حيث الاختلاف بالولاءات ,والانتنماءات المتناثرة التي تكثر فيها نقاط عدم التلاقي بين هذه العشائر , وبالتالي تؤدي الى سلوك القتل , والتنافر , والانتقام عن اثارها وهم غارقون فيها ,
فالزعامة العشائرية هي حصيلة تفاعل عاملي الحاجة الظرفية للمجتمع , والخصائص الشخصية للانسان , كوسيلة فرضتها حالة المجنمع لتقويةعوامل الردع , خاصة العقابية لمن ينحرف عن الطريق السوي , والاعراف العشائرية , بعد ان شلت ادوات فرض وتنفيذ العقاب في فترة تحول وانتقال هي الاحوج على فرضه بشدة على المجتمع , ونحن لانريد بهذا التجاوز على السلطة وأستبدالها بقوانين العشيرة , وانما من باب التسامح وتجاوز المعظلات التي تقف امام الصلح العشائري .
ومع جل تقديرنا واحترامنا للدور الفاعل والاصلاحي الذي تقوم به عشائرنا بشخوص رؤوساءها الكرام ومن يؤازرهم الذين غالبا مايضحون بكل اوقاتهم وراحاتهم لحل النزاعات لوقف التوتر ودرء الفتن دون مقابل , فضلا عن مايتعرضون له من مضايقات من اصحاب النفوس الضعيفة , لكن أمر تسليط الضوء على بعض الممارسات التي تسئ لسمعت , هذا المكون الاجتماعي الذى طالما وجد لخدمة المجتمع , اصبح من ضرورات الحياة في بيئة غلب على تصرفات اهلها الطابع العشائري .
ففي تسعينيات القرن الماضي وفي زمن النظام السابق ظهر مصطلح معروف للجميع ( شيوخ التسعينات ) , هذه التسمية اطلقت على من ادعى ( المشيخة ) امام النظام دون أن يكون لهم فيها وجه حق , فقد صنف هؤلاء من الدرجة الدنيا الذين انسحبوا قبل غيرهم من ساحة المواجهة ماكثين بعهدهم الموالي (لصدام) , فكانوا اكثر اللاهثين وراء الجاه , والسلطة , والمال , وبعد سقوط النظام كرسوا جهودهم واعلنوا ولائهم واستعدادهم للتضحية بأنفسهم , وافراد عشائرهم لدعم النظام الديمقراطي الجديد .
هذه الانتهازية التي يمارسوها هؤلاء ( شيوخ التسعينات) اثرت تأثيرا سلبا على سمعة العشيرة وتراثها الاصيل بحيث ان شيوخ العشائر البارزين اجبروا على السكوت ,وتم عزلهم من التدخل في شؤون العشائر , لارتباط (شيوخ التسغينات) بالاحزاب والحركات السياسية , والجهات الدينية المتنفذة بالسلطة , واصبح لهم اليد الطولى في سياسة الدولة , كما ان هذه التحولات اوجدت تغيرات في سلوكيات المجتمعات العشائرية , وطبيعة العقلية السائدة , وأدت الى هشاشة هيبة العشيرة واعرافها الثابتة بين مختلف الانتماءات العشائرية , وحلت محلها الممارسات والاراء الشخصية المخالفة لكل قيم العشيرة المتعارف عليها , بحيث ان عملية التهديد وطلب المبالغ الباهضة عند الصلح العشائري , او مايسمى ب ( الفصل ) اضحت لاتخضع لضوابط ( السناين ) المتفق عليها , بل للكيفية التي يسنها (شيوخ التسعينات) , نتج عنها عدم السيطرة والانفلات بتطويق مكان الصلح (الجادر) بقصد الاساءة لجميع القادمين في (التحويلة) تحت ضغط التهديد المباشر , وتحديد النظر الى الواقع المحيط من زاوية منافع الذات الخاصة التي يسعى البعض على تحقيقها من خلال التوعد بالقتل والايذاء , كأحد اساليب الرفض والاحتجاج وتخويف المذنب وأستفزازه للرضوخ للمطالب اللامعقولة, والتي تكلف الفاعل بيع داره لتسديد (الفصل) كنتيجة حتمية يتنصل فيها افراد عشيرته عن دفع مستحقاتهم بمختلف الحجج عندما يرتفع مبلغ الفصل. هذه السلبيات من اولى اسبابها سلوكيات (شيوخ التسعينات ) وتوليهم مسؤولية العشائر ادى الى شعورالطرفين المتصارعين التشكيك بجدية انفاعهم نحو الصلح , بأستلام رشاوى مقابل الضغط على ذوى العلاقة بتخفيض مبلغ الفصل ومتعلقاته , وبالتالي تأخذ القضية جانب التعنت وتعكس نتائجها على ضرر اصحاب المشكلة .
اخيرا لاارغب الدخول في التفاصيل الكثيرة والمملة الاخرى, كما ان التعميم قد يكون اجحاف بحق البعض , لان ضمن هؤلاء شباب لهم من قوة الشخصية والاراء السديدة التي تمكنهم من مواجهة مسؤولياتهم العشائرية بكل امانة وشرف واندفاع , وهنا لابد من الاشارة الى ان زعامة العشيرة وقيادتها هي مسؤولية دينية واخلاقية , فضلا عن كونها اجتماعية , وليست ممارسة عشوائية لمن هب ودب , او هي موقع اجتماعي لمن تهيأت لهم الظروف المادية ومكنتهم من استقلال سيارات الدفع الرباعي الحديثة ,وأرتداء الملابس الفاخرة بالزي العربي بنظام السيت الواحد والعباءة الذهبية , وحضور المؤتمرات , والاجتماعات, والحفلات تحت رعاية الاحزاب والمنظمات الجماهيرية , واقامة الولائم , وحضور المآتم والاعراس لاستمالة الناس واستجداء عواطفهم , مع افتقار معظمهم اجادة التحدث وفن الاقناع .
نأمل ان يعاد النظر في جوهر عملية الزعامة العشائرية وتداعياتها التي عانت عشائرنا من جراءها منذ اكثر من عشرين سنة , وابعاد العناصر الدخيلة عليها , وتوكيل المهمة لمن يستحقها ويحمي العشيرة بضمان سلامة قراراتها , ويساعد على بناء علاقات متكافئة وأخوية بين العشائر والتخلي عن كل المزايدات التي تبرر اضعاف العشيرة , وتفريق الناس , نتيجة لافتعال الاعتداءات , ومبالغ الفصول القاصمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب جامعة كولومبيا.. سجل حافل بالنضال من أجل حقوق الإنسان


.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح




.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف


.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي




.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية