الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سدوم

مهند احمد الشرعة

2015 / 6 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كم هو ثقيل ومتعب تاريخنا وتراثنا وجدالنا كم هي ثقيلة أيامنا وأحداثنا وأحاديثنا كم هو قاس ماضينا وكم هو محزن حاضرنا وكم هو مظلم مستقبلنا صُمت الاذان عن صرخات المقهورين فقدنا السمع عن سماع صرخات العقلاء بكلامنا عجرفة غير معهودة وحقد بغيض وكأنه سجين الاف السنين ولا اعلم من أين مصدره...
عدت لسدوم عاصمة الشرق الاوسط بعد سنين من الغربة أحمل على كاهلي الشوق والحنين أحمل الذكريات والسنين تركت سدوم ورائي هاربا من قسوة الواقع من الفقر من الجهل من التعصب من الكذب هربت من سدوم لانها سدوم بكل الشرق الاوسط سدوم...
عدت يا سدوم كعاشق يطلب السماح من حبيبته الخائنة عدت يا سدوم كطائر عاد الى عش قتلت فيه فراخه أريد أن أحضنكي يا سدوم وأنا الان أمام أبوابك أريد أن أقبل ترابك..
دخلت المدينة لا شئ تغير في المباني لا شئ تغير في الطرق كل ما هو جماد على حاله الا البشر رأيت أطفالهم شيوخا يبحثون في المزابل عن لقم رماها أغنياء القوم أنزعت من الاطفال الانسانية يتقاتلون على الطعام كوحوش الغاب؟!
أم نزعت من قلوب الأغنياء روح التكافل فنسوا الفقراء؟
أم نزعت الرحمة من قلب الاله؟
طفلان يتقاتلان على كسرة خبز تحت صورة الزعيم المبتسم المعلقة في الشارع الاظافر كأنها مخالب وأقسم أن اللكمات لاقوى من لكمات تايسون عبرت بداخلي خاطرة أنانية انستني للحظة ما تبقى من انسانيتي أهذا أول ما أراه فيكي يا سدوم؟!
مضيت في الدرب أراقب تشققات الشوارع تصدعات المباني اتلصص على الشبابيك تقتلني الروائح العفنة تثقب أذني الشتائم البذيئة عجائز تتسول وتطلب ما يسد رمقها كهول مرتمون في الشوارع دموع مالحة تحاصرني بكل الوجوه أراها.
طفلة تبكي وتطلب من أمها ان تشتري لها لعبة الأم تتعذر بانعدام النقود بصوت يخفي الاما غص الزمان بها ويحي أحلت لعنة الجحيم عليكي يا سدوم؟!
أردت أن أعود أدراجي من حيث أتيت شيء في داخلي قال لي امضي الى جامعتك القديمة ربما وجدت هناك مشروع ثورة لربما رأيت اشخاصا يشعرون بواقع الوطن المر.
ربما وكم هي عاهرة ربما.
عند مدخل الجامعة على اليمين مسجد وعلى الشمال كنيسة قتلني العطش قلت لأدخل للمسجد لأرتوي ولأسلم على الامام فقد كان صديقا لي بالرغم من خلافنا عند المحراب صديقي القديم وحوله مجموعة من الشباب الملتحي لقد طالت لحية صديقي شبرين يخضبها بالحناء ليخفي الشيب عبثا ما يفعل أيصلح ما أفسده الدهر؟! أردت أن أناديه ولكن صرخة هزت المسجد أسكتتني اقتلوا كل كافر هنا أصبت بالذعر ورؤوس الشباب تهتز باستحسان اعلى اسفل اسفل اعلى طبقوا شريعة الله أردف ويح نفسي لو كان الله بشريعته راضيا... تراجعت للوراء بهدوء خرجت من المذبح وأقسمت بحياتي الا ادخل مسجدا أبدا.
اجتمع علي العطش والخوف قلت لأمضي وأدخل الكنيسة القس صديقي القديم ودائما ما كنت أحتسي معه الخمر في بيته ونتشاجر حول الكتب و الروايات ودائما ما كنت أستفزه بروايات نيكوس كازنتزاكس خاصة الاخوة الاعداء دخلت فاذا بصديقي عند تمثال ليسوع جاثم على قدميه يصلي للرب أسمعه يقول :انصرنا انصرنا في معركتنا لتحق كلمتك أيها الرب. عن أي معركة يتحدث هذا الأبله السكير؟ تحت مقاعد الكنيسة أرى أسلحة قلت لنفسي منذ أن دخلت لسدوم والشر يطاردني أم....... أنا من يطارد الشر؟
هربت من الكنيسة لأدخل الجامعة سألت عن صديق لي قالوا قد قتل وهو في نقاش عن تسامح الاديان سألت عن اخر قالوا لي هجر البلاد خوفا على نفسه رأيت لافتة عن حوار بين مسلم ومسيحي وملحد حان وقتها قلت: لنفسي لندخل ونرى قالت لي نفسي:ألا تخجل يتحاورون حول الله ونسوا الاطفال المشردين نسوا العجائز نسوا الكهول نسوا مصائبهم وألهاهم الله بوجوده أو عدمه وفوق هذا كله أخشى أن يبدأ العراك وقد رأيت بالمسجد والكنيسة ما رأيت.
وكعادتي تركت صوت العقل ودخلت بدأوا يسلمون على بعضهم بابتسامات عريضة ثم بدأ النقاش خمسة دقائق ليبدأ قاموس الشتائم يقرأ من جميع الافراد ليتحول لعراك بالايدي لا اعرف كيف استطعت الهروب وصلت لباب الجامعة لارى جماعات يدخلون الى المسجد والكنيسة شددت خطاي وابتعدت تركت ورائي صرخات وأصوات طلقات ركضت في طرق سدوم الام ملقاة على قارعة الطريق والطفلة عند رأسها أناس يتكلمون لقد دهستها سيارة ابن الوزير ومضت كهل على الرصيف يتلوى من الجوع يرفع يده لأعلى يسأل ربه ما الذي فعله؟ عجوز تبكي عند سيارة فاخرة عليها بقع دماء واقفة امام الخمارة ترجو الشاب الذي يقود السيارة أن يعطيها ما تشتري به رغيف خبز الشاب من وراء الزجاج يلوح لها لتنصرف بعيدا والباغية التي بجانبه تضحك وتشتم العجوز.
عند باب سدوم طفل مضرج بدمائه واخر على رأسه يتناولكسرة خبز صورة الزعيم فوقهما وما زالت الصورة تبتسم كل شئ من الأسوأ للأسوأ والزعيم مبتسم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النص بين الشكل والمضمون
رائد الحواري ( 2015 / 6 / 4 - 19:09 )
نحن أمام نص قصصي مميز، فالصور التي تحكي الواقع في سدوم، تجعل القارئ يشعر وكأن الكاتب يتحدث عن المكان الذي يعيش فيه، كما اعطا الرمز -سدوم- بعدا تاريخيا وهذا جعل النص يأخذ بعدا رمزيا وايضا يطفي جمالية عليه، اعتقد بأننا أمام شكل ومضمون قصصي يمكن أن يكون احدى وسائل التغير نحو الافضل في المنطقة العربي.

اخر الافلام

.. الناخبون العرب واليهود.. هل يغيرون نتيجة الانتخابات الآميركي


.. الرياض تستضيف اجتماعا لدعم حل الدولتين وتعلن عن قمة عربية إس




.. إقامة حفل تخريج لجنود الاحتلال عند حائط البراق بمحيط المسجد


.. 119-Al-Aanaam




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تكبح قدرات الاحتلال