الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الخوف وإمبراطورية الدم الفصل الأول: مفاهيم وقضايا (7) الإسلام .. والديمقراطية!!

بير روستم

2015 / 6 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كما ذكرنا في الحلقة/المقال السابق؛ بأن الإسلام يحارب الرأي والصوت الآخر كونه "إلحاداً وشركاً وكفراً" _ذلك بحسب القراءة العقائدية وفي ذلك لا يختلف عن أي عقيدة أخرى، أكانت دينية أم سياسية_ وهكذا فإنه يحارب كل من يحاول للخروج من بين صفوفه _من "الجماعة"_ وعلى إعتبار إن ذاك "ردة عن الدين والعقيدة" وبالتالي تجد التحذير والتهديد والوعيد لكل من يحاول الخروج، ناهيكم عن النداءات المتكررة للحفاظ على وحدة الكلمة والأمة كقطيع بشري جامع _هنا مفهوم القطيع بمعنى الإنقياد وليس بمعنى أخلاقي شتائمي، للتنويه والتوضيح_ وحيث "يد الله مع الجماعة". وهكذا يتم تسخير كل الإمكانيات لكي لا يخرج أي مؤمن عن دائرة العقيدة الإسلامية وبذلك يمكننا تسمية الإنغلاق ذاك بـ"الحجر الثقافي" لتابعيه ومريديه من أصحاب العقيدة والمسلمين.
وبهذا الصدد هناك الكثير من الآيات والأحاديث النبوية المحمدية والتي تؤكد على تلك القضية؛ عدم الخروج من الملة حيث "يد الله مع أو على الجماعة" _كما ذكرنا_ وكذلك من الأحاديث ما تقول: "الشيطان مع الواحد وهو ضد الذي مع الجماعة" و"اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك" و"عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ" و" لا يَقْبَلُ اللَّهُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ صَوْمًا وَلا صَلَاةً وَلا صَدَقَةً وَلا حَجًّا وَلا عُمْرَةً وَلا جِهَادًا وَلا صَرْفًا وَلا عَدْلا يَخْرُجُ مِنَ الإسْلامِ كَمَا تَخْرُجُ الشَّعَرَةُ مِنَ الْعَجِينِ" وأيضاً من الآيات ما قالت؛ "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب" و"لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً" و"قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ" وأخيراً وآخراً "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا". وهكذا فما عليك إلا البقاء داخل الدائرة العقائدية المنغلقة تماماً وكل الويل والثبور لمن يفكر بالخروج عن تلك الدائرة والعقيدة حيث مفهومي "الردة والبدعة" ومعروف ما حكمهما حيث القتل.
بالتأكيد هكذا سلوك وتربية عقائدية مجتمعية سوف يقمع الآخر ولا يعطيه المجال وفسحة الحركة لكي يقول هو الآخر رأيه ويبدي قناعاته في إغناء الواقع الفكري والثقافي للمجتمع حيث تَسيُّد الفكر الواحد و"الإيمان العقائدي المطلق" وبالتالي إفساح الطريق لديكتاتور على شاكلة طاغية بغداد (صدام حسين) وغيره من الديكتاتوريين بأن يتسيدوا المشهد السياسي في الواقع العربي والإسلامي وهم بذلك يقتدون بالسابقين من الخلفاء والأمراء والأنبياء والفراعنة المتألهة، بل هم وكما الفراعنة يحاولون تجسيد الشخصية الربوبية في ذاتهم وبالتالي فهم يتخذون من صفة "الله هو الواحد الأحد" نموذجاً لشخصيتهم السيكوباتية والإقتداء به كصاحب السلطة الواحدة والمطلقة في المجتمع والدولة حيث قمع كل الأصوات الأخرى في "ممالك الرعب". لذلك وبحسب هذه العقيدة "الإسلامية" وأسلوب التربية العقائدية الدينية وأخيراً السياسية والأيديولوجيات الحزبية والتي تتناص مع العقائدية الدينية _بالمناسبة_ فسوف تصبح بلداننا مقابر حقيقية للديمقراطية بحيث لا يجروء أحدنا للإقتراب من تلك "الخطوط الحمر" وللأسف.
وإن أعترض أحدهم _وهم كثر في واقع الأمر_ على ما ذهبنا إليه وسألنا؛ وما قولكم في قضية وجود "مجلس الشورى" في الإسلام وكيف تنظرون لها وما كانت الغاية والهدف منها وما هي إستدلالاتها الثقافية والمجتمعية، وألم تكن شكل من أشكال الممارسة الديمقراطية؟.. وغيرها من الأسئلة التي تحاول إضفاء لبوس الديمقراطية على الإسلام والتي تتعارض مع المفاهيمية السابقة في المجتمعات البطرياركية _وإن عرفت ببعض "الديمقراطيات المقوننة" وذلك حسب المرحلة كالديمقراطية الرومانية والتي خصت النبلاء دون العامة_ فإن ذاك لا يعني بوجود الديمقراطيات في تلك المجتمعات، بل خرج بعض الإسلاميين والرموز الفكرية لهم ليقولوا وبدون تردد بأن: الديمقراطية التي تمارس في أوروبا اليوم ليست إلا نسخة معدلة عن الديمقراطية التي عرفتها الإسلام سابقاً لكن بمسمى جديد تناسب مجتمعاتهم وثقافتهم وذلك ضمن السياق المعرفي والذهنية التي تؤول كل المعارف إلى النص الأول والمقدس؛ أي القرآن حيث مصدر كل العلوم والمعارف _بحسب القراءة الإسلامية_ وهو قول شائع في المجتمع الإسلامي عموماً.
بقناعتي إن السؤال السابق هو سؤال خاطئ أساساً وذلك كما هو حال العديد من القضايا الفكرية الأخرى والخاطئة في الطرح والتداول بالعالم الإسلامي؛ كون الديمقراطية كتعريف ومدلول وممارسة عملية على أرض الواقع هي حديثة العهد وتنتمي لمجموعة القيم الإجتماعية المدنية المعاصرة وهي نتاج فكر وعصر الثورات في المجتمع الأوربي الحديث ولا يشدها شيء لمجتمع القبيلة حيث السلطة البطرياركية المطلقة. أما النقطة الأخرى في القضية فإن "مسألة الشورى" جاءت في جزئية معينة تختص بأمور بعض القضايا الفقهية والقيادة والخلافة ولكن تحت سقف المنطلقات الفكرية الثلاث للإسلام؛ أي النص القرآني والحديث النبوي المحمدي والإجتهاد والقياس حيث أي خروج وتجديد وليس فقط الخلاف والنفي له يعتبر من الكبائر ونوع من "الإلحاد والشرك والكفر بالذات الإلهية" وبعتبير آخر تكون "الردة والبدعة" وذلك كما ذكرنا في المقدمة السابقة للمقال حيث لا خروج عن دائرة العقيدة الإسلامية وبالتالي نسف أولويات الديمقراطية من الأساس والتي في أبسط تعريفاتها تعني "شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة -إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين- في اقتراح، وتطوير، واستحداث القوانين" فأين الإسلام من الإستحداث والنص يقول؛ "اليوم أكملتم لكم دينكم" حيث الثبات عند زمن الوحي والنص المقدس.
لكن القضية الأكثر أهميةً وبمنظور منطق التاريخ والصراع الجدلي بين القديم والجديد، فإن البقاء والحياة دائماً للأفضل والأقوى والأجمل والأكثر حداثةً وتطوراً وذلك رغم بعض الإنتكاسات هنا وهناك .. وها نحن نجد اليوم بأن المقولات الإسلامية نفسها ومفكريها وعلمائها قد بدؤا بإستخدام الديمقراطية وإن كان إصطلاحاً فقط وذلك بدل مفهوم "الشورى" السابق والقديم.. وبكلمة أخرى؛ ها نحن نأخذ بمصطلحهم الحديث "الديمقراطية" بدل مصطلحنا القديم "الشورى" وهي تأكيد للأفضلية _رغم معرفتنا بمسألة الهيمنات الثقافية للمجتمعات المتطورة إقتصادياً وفكرياً مجتمعياً_ وأعتقد أن هذه كافية بالرد على الإسلاميين وإدعاءاتهم بخصوص مسألة الديمقراطية.
لذلك ولكي نتخلص _كأشخاص ومجتمعات_ من هذه الثقافة البطرياركية وأنظمة القمع والإستبداد ونقطع الطريق أمام أولئك الشخصيات السيكوباتية المريضة نفسياً وأخلاقياً.. علينا أن نغير من آلية التفكير والعقلية الشرقية والإسلامية بحيث نعمل نوع من القطيعة لكل ما يؤسس للإستبداد والديكتاتورية وأن لا نجعل من الإسلام والفكر الإسلامي المحور الأساسي، بل ربما الوحيد في أغلب مجتمعاتنا الإسلامية كمنطلق وقياس ومبدأ لأي "مشروع فقهي" ثقافي وفكري، بل على المجتمعات الإسلامية أن تحذو حذو المجتمعات الأوربية ولو بخصوصياتها وثقافاتها الشرقية الخاصة بها ولكن علينا أن نفصل بين الدين والسياسة حيث "الدين لله" والوطن "السياسة" للجميع، فلا يمكن لمجتمعاتنا أن تتطور ما دام الدين يقودها، بل سوف نبقى أسيري الثرات والقديم.. والديكتاتوريين والأرباب، ما دامت هذه ثقافتنا في الشرق والعالم الإسلامي والتي جعلت من الدين المحرك الأساسي _وربما الوحيد_ لحركة التاريخ في المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية