الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرئيس الليتواني ينقذ شاعراً يهوديا

سيلوس العراقي

2015 / 6 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


"كل ما يمكن أن أشعر به هو مُلكي
أينما تصل كلماتي ، هناك أنا
كينبوع في صحراء
تتدفق المتعة
توجّه قافلة حياتي
في كل شيء ، كل شيء، هناك أثر
لآثار قدمي".
" الشاعر سوتسكيفير"
ولد ابراهام سوتسكيفير في 15 تموز 1913م في سموركن (روسيا القيصرية) التي هي اليوم سمارهون في بيللاروسيا ، بالقرب من فيلنا.
هربت عائلته خلال الحرب العالمية الأولى شرقا بسبب الغزو الألماني، واستقرت في اومسك في سيبيريا حيث توفي والده (هيرتز) هناك. كتب الشعر في عمر مبكر، كتبه أولا باللغة العبرية.
بعد انتهاء الحرب بثلاث سنين، ابتدأت تنقلاته الجديدة ، فبصحبة والدته انتقلوا للعيش في فيلنا، حيث دخل ابراهام المدرسة اليهودية فيها. انضم في عام 1930 الى حركة الفرسان (السكاوت اليهودي) ونشر أولى قصائده في مجلة كانت تصدر عن هذه الحركة . ثم في بولونيا حيث قضى حياته نهارا وليلا في القراءة والمطالعة، فكان يقضي النهار كله في مكتبة بولونية عامة والباقي من النهار في مكتبة ستارشون اليهودية، حيث كان يقرأ بنهم الأدب الييديشي، وحيث قابل وعرف الشعراء والشعب.
وصدرت له مجموعتان شعريتان ، الأولى عام 1937م بعنوان (أغاني) والثانية (من الغابة) التي ظهرت فيمابعد في عام 1940.
تعرّف على فتاة (فريدكه)، كانت فتاة رائعة، وكان يحبّ الكثير من الشبان التقرب منها، لكنها اختارت ابراهام ليكون زوجها وحبها الوحيد وتزوجا في عام 1939 م ، وفي اليوم الثاني من زواجهما اندلعت الحرب العالمية الثانية حيث بدأت تسقط القنابل من كل حدب وصوب. وتم ارساله مع زوجته وغيرهما من اليهود الى كيتو فيلنا في عام 1941م .
"الليلة الاولى في الكيتو كانت كأنها الليلة الأولى في القبر" مثلما يصفها في يومياته.
أصبح ناشطا في الكيتو، وكانت الجماعة اليهودية في كيتو فيلنا قد حملت معها الكثير من الأعمال والكنوز الفنية والأدبية والمخطوطات من ممتلكات معهد الأبحاث اليهودي ( YIVO ـ المعهد العلمي الييديش) الذي كان قد تأسس منذ عام 1925 في فيلنا البولونية في حينها واليوم هي فيلنوس في ليتوانيا.
حضر يوماً مجموعة من الجنود الالمان النازيين وطالبوا بتسليم كل ما يوجد في الكيتو من مخطوطات ولوحات فنية وكتب قديمة للقوات النازية. فسارع ابراهام مع زملاء له من لواء الورق ـ بابير بريكاديـ في الكيتو باخفائها ومما كانت تضمه :
يوميات تيودور هرتزل
ولوحات فنية للفنان اليهودي مارك شيغال،
مخطوطات كاوون فيلنا،
مخطوطات شوليم عليكم،
رسائل غورغي وبيليارك ، رومين رولاند
وأعمال ومخطوطات قديمة وثمينة أخرى تم اخفاءها في تجاويف في جدران الجص وجدران الطوب، وهكذا تم انقاذها بطريقة ذكية لم يتمكن الجنود النازيون من ملاحظتها ، وسيعود ابراهام ويخرجها بعد انتهاء الحرب، ومن ثم سيتم نقل كافة المحتويات المنقذة الى نيويورك في الولايات المتحدة الاميريكية.
كانت ابراهام يكتب الشعر ، في عام 1942 م فازت قصيدة له بعنوان "طفل القبر" بجائزة الآداب لاتحاد كتّاب الكيتو. وكان لأشعار وقصائد ابراهام وأمسياته الشعرية دوراً مهما في شحن القوة والأمل لرفاقه في مرحلة الألم واليأس والتعاسة. وكانت كتابة القصيدة لابراهام سوتسكيفير تعني له ممارسة الحياة مثلما يقول هو: "العيش شعرياً" مثلما كانت القصيدة متنفسا منقذا للشاعر ولحياته.
حينما قامت القوات النازية الالمانية بتصفية الكيتو اليهودي في فيلنا ، في 23 سبتمبر أيلول عام 1943م ، تمكن ابراهام وزوجته فريدكه من الهرب مع سخيمركي، كاتجير كيوسكي، أبّا كوفنر وآخرين من أعضاء المقاومة الحزبيين ، وتمكنوا من الهروب والانضمام الى فرقة من الثوار اليهود (نيقومي ـ الانتقام ) المتمركزة بين الغابات والمستنقعات المتجمدة في المنطقة المحيطة بالعاصمة الليتوانية. قاتل القوات الغازية الى جانب الحزبيين في الوحدة اليهودية بقيادة موشي رودنتسكي.

القصيدة المنقذة
في تموز من سنة 1943م، أعطى ابراهام سوتسكيفير أحد الحزبيين دفتراً يضم قصائد له، من ضمنها قصيدتين كتبهما في الكيتو (صبي القبر) وكول ندري ـ كل النذور، وأوصاه بأن يتم تسليمها الى يد الكاتب والشاعر بيريز ماركيش والى الكتّاب اليهود في موسكو. وحين وصولها اليهم خلقت قصائده انطباعا هائلا حين تم القاء قصيدة كول ندري في اجتماع للجنة اليهودية وكان من بين الحاضرين يوستاس باليكيس( 1899ـ 1980 ) الذي سيصبح رئيسا لجمهورية ليتوانيا الشيوعية فيما بعد.
ومن حينها سعت اللجنة اليهودية لمكافحة الفاشية في موسكو لاتخاذ الاجراءات والخطوات اللازمة لانقاذ الشاعر ابراهام وزوجته وجلبهما الى موسكو.
جدير بالذكر ان يوستاس باليكس، قبل الحرب العالمية، قضى سنوات عديدة في السجن مع شيوعيين يهود آخرين، تعرف على أغاني الحسيديم وتعلم بشكل جيد في السجن لغة الييديش ، وترجم من اليديش قصائد عديدة. كان صديقا لابراهام سوتسكيفير. فقرر أن يساعده، وكان ذلك في عام 1944 م ، ومن أجل تنفيذ مساعدته، قام باتصالاته، فأخذ طائرة صغيرة تابعة للجيش الأحمر الروسي وهبط فيها في سهل في ضواحي فيلنا، على بعد بضعة كيلومترات عن موقع الأنصار اليهود. كانت المهمة شاقة وصعبة جدا، لكن تمكن ابراهام وزوجته فريدكه من الوصول الى الطائرة . وواجهتهم مشكلة أخرى، حيث لم يكن يوجد في مقصورة الطائرة الصغيرة الا مقعدا لشخص واحد بالكاد، تم مواجهة هذه المشكلة وحلها بطريقة غريبة، إن لم تكن نادرة جدا. حيث تم اعطاء المقعد للشاعر ، بينما تم ربط زوجته بأحزمة وحبال متينة على جسم الطائرة. وأقلعت الطائرة ووصلت الى موسكو بسلام، بعد أن تعرضت لبعض الرشقات النارية غير المؤثرة.

بعد ذلك ، حال انتهاء الحرب العالمية الثانية، عمل ابراهام لاعادة إحياء حياة اليهود في أوربا. ورحل مع زوجته الى عدد من الدول الاوربية. التقى في باريس بالرسام الشهير مارك شيغال Chagallوأصبح صديقا له.
وحين تم اجراء محاكمات نورنبرغ ضد النازيين كويرنغ ، هيس، فون بابين، قدم الشاعر ابراهام في عام 1946 شهادته على المتهمين وبالتحديد ضد النازي فرنز مورر الذي قتل أمه (أم ابراهام) وطفلها الرضيع . وفي قاعة المحكمة طلب السماح له للتحدث بالييديش لكن لم تتم الموافقة على طلبه، فتحدث بالروسية، وكان مندهشا من نفسه كيف تحدث الروسية بسهولة في تقديم شهادته، مع أن لغته الأم هي الييديش ويجيد الى جانبها البولونية.
هاجر الى تل أبيب في عام 1947م من بولونيا التي أقام فيها لفترة قصيرة. لابراهام ابنتين ميرا ورينا، توفي عام 2002م.
ترجمت قصائد ابراهام الى أكثر من 30 لغة، وحاز على جوائز عديدة، منها جائزة اسرائيل عام 1985. انه يكتب بالييديش، وحيث أن أكثرية من يتحدثون بالييديش هم من ضحايا معسكرات الابادة وهولوكوست النازيين. فترجمت أشعاره الى اللغة العبرية إضافة الى اللغات الأخرى. كان ابراهام سفير الشعر الييديشي، له قصيدة يقول فيها معبرا عن حبه الشديد للييديش :
انهم لن يقلعوا لساني
انهم لن يحرقوا ملابسي
جسدي هو لغتي.
لم يتوقف أبدا من التحدث بالييديش ، حيث كانت جزءا قويا من روحه.
تذكر حفيدته كالديرون " لم أسمع أو أحس بأي إحباط لدى جدي ابراهام، في ضوء الحرب وفي ضوء ذكرياته عن والدته، لم يكن شخصا تافها مثلما نحن اليوم.. وبعد المأساة التي اختبرها وعاشها جدي ، وجدتي، الحياة والاولاد كانا الشيئان الأكثر غلاوة لديهما". شعر ابراهام بأنه كان قد هزم هتلر من خلال كتاباته. وتضيف الحفيدة "ان القصائد سوف تعيش الى الأبد، ولا يمكن هزيمة روحه، ولهذا السبب كان يكتب خلال الحرب وأيام المقاومة في الغابات". وكان يردد دائما بأن الكتابة جعلته يبقى على قيد الحياة. وحينما لم يكن لديه قلما ليكتب في أيام الحرب والمقاومة، فكان يكتب بريشة دجاجة مغموسة (ليس بالحبر الذي لم يكن متوفرا) بعصير الكرز.
يقول :
" لقد كتبت الكثير عن المحرقة
حتى يومنا هذا أنا نفسي لا أصدق
كيف أمكنني أن أكتب خلال المحرقة.
أنا فككت وعرّيت المحرقة
بالكتابة
بموهبتي كسرت المحرقة
كتابتي كانت هي وجودي
وأكثر قصائدي وضوحا
وأكثر اشعاعا
هي التي كتبتها في خضم الدمار".
وتضيف حفيدته : لم يكن يريدنا أن نناديه (جدو). أن العائلة جميعها كانت لديها اشكالية صعبة في علاقتها بالمانيا، فرفض جدي قبول أموال التعويضات ورفض شراء البضائع الالمانية أو السفر الى المانيا، حتى عندما تمت دعوته الى المانيا عندما تم نشر كتبه هناك لم يود السفر والحضور في المانيا.
المراجع : مترجم من عدد من المواقع الالكترونية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا