الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإحصاء العنصري وسراب الوعود الكاذبة....!؟

نوري بريمو

2005 / 10 / 6
القضية الكردية


في الخامس أكتوبر من كل عام يستذكر أبناء شعبنا الكوردي في سوريا ،مناسبة ليست بأليمة فحسب بل هي كارثية بكل ما لهذه الكلمة من خلفيات عنصرية ودلالات لا إنسانية وتداعيات بائسة توحي إلى مدى مشئومية ذلك اليوم الأسود الذي إفترس جنسية مئات الآلاف من أبناء الكورد في منطقة الجزيرة وحوّلهم بجرّة قلم ظالمة إلى مجرّد ضحية أو فريسة وديعة وُضِعَتْ في فمِ حوتِ الحرمان والفاقة والتشتت القومي والإقتصادي والمجتمعي و...الخ ،لينساقوا ـ وفق منطق حكم القوي على الضعيف دون أي ذنب سوى لكونهم كورداً ـ إلى خضم عراك معاشي ضاري وغير متكافئ عنوانه الأبرز هو إنحسارهم ما بين فكي كماشة البقاء أو اللاّبقاء...!؟،وليغوصوا ـ من أجل تأمين المسكن والملبس والقوت اليومي لهم ولأُسرِهم التي باتت في العراء مجرّدةً من كل ما ملكت من وثائق وممتلكات ـ في أعماق بحر حياة البؤساء هرباً من شبح الجوع والفناء الذي بدأ يلاحقهم بشكل أخطبوطي مخيف ،منذ أن جُرِّدَتْ عنهم جنسيتهم وسُُلِبَتْ منهم هويتهم عنوة بموجب المرسوم الغاباتي رقم -9- الذي أصدره رئيس الجمهورية ناظم القدسي آنذاك بغتةً على خلفية شوفينية مؤامراتية بحتة (يوم 23-أب-1962م) ،والذي أقرّ بإجراء إحصاء أستثنائي في تلك المنطقة (يوم 5-10-1962)،بحجة أنها – أي السلطات السورية ـ قد أكتشفت لتوِّها بأنّ هنالك مجموعات كوردية قد فرّت من مظالم تركيا وتوافدت إلى مناطق شمال شرق سوريا وسكنتها بشكل دسائسي غير شرعي...!؟.
وما بين نذير شُئْمِ ذلك اليوم (5-10-1962م) المقتم من عهود القتامة السورية وبين بشائر تفاؤل هذا اليوم (5-10-2005م ) المنفتح من عصر الإنفتاح والدمَقْرَطة العالمية التي باتت تطرق أبواب سوريا اليوم من كلِّ ناحٍ وجهة...!؟، تمتد حلقات مسلسل مأساوي قلّ مثيله في تاريخ المعمورة ،حيث عاش ضحايا الآحصاء أحلك ظروف الإذلال التي لا يمكن تشبيهها سوى بنمط معيشة البراري القاحلة التي أحرقت أخضرهم ويابسهم وسط سعير نيران فرنٍ محصورٍ ما بين سندان تمسكهم بخصوصيتهم القومية ومطرقة إصرار الشوفينيين على صهر أشلائهم في بطون العربوية...!؟، إذ تشرّدوا تحت وطأة ظلالها المظلمة خارج دائرة الحياة المدنية التي لا يجوز التخلّي عنها كحقٍّ أساس من حقوق الإنسان ـ الفرد ،وفقدوا بذلك كافة حقوق المواطنة كحق الملكية والأرث والتعلّم والعمل في قطاع الدولة والإنتساب إلى النقابات المهنية والسفر خارج القطر والزواج...إلخ، إضافة إلى أنهم تعرضوا أسوة بباقي أبناء جلدتهم من الشعب الكوردي لسياسة شوفينية تنّكرت عبر عقود لخصوصيتهم ولوجودهم التاريخي كثاني أكبر قومية في البلاد .
ورغم أن سوريا قد وقعّت كما غيرها من دول العالم الأخرى على وثيقة الأعلان العالمي لحقوق الأنسان التي تنص في إحدى بنودها الأساسية على: " أنّ لكل فرد حق التمتع بجنسية ما ،وأنه لا يجوز حرمان أي شخص من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقة في تغييرها " ،و رغم أن القانون السوري ينص على مادة صريحة بهذا الخصوص:(...يعتبر عربياً سورياً حكماً كل مَْن وُلِدَ في القطر من والدين مجهولين أو مجهولي الجنسية أو لاجنسية لهما....)!!؟، ورغم الكمّ الهائل من نداءات الإستغاثة والأصوات الفردية والجماعية المطالبة بإلغاء الإحصاء ،ورغم جملة الفِرَقْ المتتالية من الوفود (الشعبية- السياسية) التي توافدت مراراً وتكراراً على عتبات أبواب ألاف المسؤلين ـ صغاراً أكانو أم كباراً ـ في الحسكة ودمشق العاصمة،ورغم تواصل الفعل السياسي الذي خاضته الحركة الكوردية عبر مسلسل نضالي رفض الإحصاء وسعى من أجل فضح أسياده الشوفينيين وذلك من خلال توزيع آلاف البيانات والقيام بالمئات من الأعتصامات والإحتجاجات السلمية والإستمرار في القيام بحملات مناشدة الرأي العام الديموقراطي السوري والعالمي لإستعطافه وكسب دعمه وتعريفه بمدى عنصرية مثل هكذا قانون إستثنائي جائر...!؟،ورغم تعرّض دفعات متلاحقة من المناضلين ـ بشكل سنوي ـ لحملات الإعتقال الكيفي والسجن العرفي على خلفية تهمة (( شغبهم وإثارتهم للمشكلة)) كما تدّعيه السلطات المعنية...!؟.
إذاً رغم كل هذه المراكمة النضالية وعمق المأساة الجاثمة وجسامة الأذى المُلْحَقْ بالضحايا...!؟،فإنّ كل الأنظمة التي تناوبت في الإستبداد بحكم البلاد منذ يوم الإحصاء وحتى الآن ،قد أصمّت آذانها ولم تأبه لأي حلٍّ مُقتِرِح للمشكلة ولم تحترم لا القوانين الدولية ولا القانون السوري اللذان يقضيان بعودة المظالم لأصحابها ...!؟،لا بل أصرّت ولا تزال تصرُّ الدّوس على كل القوانين والقيم والأعراف الدولية والإنسانية ،وهي لم تتناول هذا(الملف ـ المشكلة) إلاّ عبر قنواتها الأمنية التي إعتمدت كالعادة منطق الإنقضاض على الضحية وفروسية التهديد بلقمة العيش ومرجلية الترهيب بالسجون والمعتقلات تارة وأساليب الترغيب والتهدئة بالوعود الكاذبة والتهويش تارة أخرى .
إنّ المعاناة اليومية لضحايا الإحصاء قد وضعتهم في موقف لا يُحسَدون عليه ،إذ أنّهم لم يلمسوا حتى يومنا هذا أية حقوق عينية ،ولم يتلقوا أية ردود وثائقية أو إستحقاقات مطلبية تُذكَر ،ولم ينالوا على أرض الواقع من نصيب سوى بعض الوعود والخبريات الشفهية ((الكاذبة ـ اليائسة)) التي تردْ خلسة بين الفينة والأخرى على ألسنة بعض أتباع أولي الأمر الذين يطلقون الخدعة تلوَ الأخرى بتكليف من أسيادهم وفق لغة تهويشية مفضوحة ،تبشّر بإقتراب يوم الفرج المنتظَر...!؟،أما أكبر ((إكذوبة تباشيرية)) تم تداولها من قِبَلْ تلك الطوابير الموالية لأهل الحكم ،فقد بدأت بالترويج والتطبيل والتزمير الإستغفالي...،منذ اليوم الأول لتولي الدكتور بشار الأسد لسدّة الرئاسة وعلى أثر إعلانه لإنبعاث ((ربيع دمشق)) الذي تحوّل فيما بعد إلى خريفٍ أصفر لا بل إلى شتاء قارس جلب معه للداخل السوري برمته المزيد من الغيوم الإستبدادية الداكنة...!؟، منذ ذلك اليوم وحتى هذا الحين لم يكّف أولئك الأتباع البعثويون عن عربدتهم الشعاراتية التي توهم البسطاء بالقدوم القريب لسراب شفافية حل مختلف الأزمات السورية بما فيها مشكلة الأحصاء...!؟ ،أما فحوى ذلك السراب الذي يريدوننا الإنجرار وراءه واللُّهاث خلفه كما في كل مرّة يستكردوننا فيها...!؟،فهو أنّ :((ملف الإحصاء جاهز وموجود على طاولة الرئيس وهو قيد الدراسة وسيلقى الحل المانسب قريباً جداً))...!؟ .
لكنّ هذا الحل القريب جداً كما يدّعون هم...!؟، قد بات مع الأسف الشديد بعيداً جداً كما يرى العالم أجمع ...!؟،ويبدو أنّ تلك ((البشائر)) هي إما بالونات يتم إطلاقها من منطلق دوغمائي لا أساس لها من الصحة أو هي عبارة عن حُقَنْ مهدِّئَة للإستهلاك المحلي أو أنّ الملف قد وُضِع ((شكلاً)) على الطاولة الرئاسية كي يبقى مغلقاً وملتصقاً بها لصقاً أبدياً محكَماً...!؟، وبناءً عليه فإنه يبدو أنّ هذه السلطة ليست مؤهلة بإيجاد أي حل للمشكلة أو بشكل أوضح ليس لديها أية نيّة جديّة في تناول الملف من الأساس...!؟،ويبدو أنّ أولي الأمر في بلدنا لم يسمعوا بمقولة : حبل الكذب قصير...!؟،ويبدو أيضاً أنّ الجانب الساسي الكوردي الذي كان ضعيفاً فيما مضى والذي صبر وأراد إقناع نفسه بمقولة :إلحق الكذاب حتى باب داره...!؟،قد سئِم بدوره من كثرة لحاقه بالكذابين حتى أبواب دورهم التي كانت موصدة في كل مرّة والتي كانت موضع صدمات موجعة للكورد طيلة سنوات الركود الماضية...!؟.
ولما كان الشارع الكوردي في سوريا الذي كان مسالماً فيما مضى والذي بات يزداد غبناً وإحتقاناً يوماً بعد أخر...!؟، هو الطرف الأكثر خسارة في مجمل تفاعلات هذه المعادلة السياسية السورية التي سارت على الدوام بعكس أفاقه وتطلعاته المشروعة...!؟، فإنّ من حقه الطبيعي أن لا يبقى مسالماً لا بل من حقه أن يتحول إلى ظاهرة نقموية حقيقية في وجه مَنْ سلخ منه هويته كإنسان له كامل الحق في أن يعيش حياته كما يشاء وينبغي لا كما يفرضه الشموليون الطاغون .
وبما أنّ زمن أوّل قد تحوّل...!؟، فلا يجوز أبداً أن يبقى الجانب السياسي الكوردي ساكناً دون أي حراك كما كان يفعل في ذلك الزمن الأول...!؟،ولا ينبغي أن لا يتحوّل تماشياً مع التحولات ليفهم قواعد الأداء السياسي الرابح في هذا الزمن المربح بالنسبة لأمثالنا من الأقليات المقهورة...!؟، ومن غير الوارد أن لا ينشط في الفعل النضالي ليعزّز من موقعه العملي ،ومن غير المنطقي أن لا يحاول قلب السحر على الساحر بأية وسيلة كانت خاصة وأنّ أوراق قوة العمل الساسي الديموقراطي باتت مباحة ومتوفرة...!؟، ومن غير المعقول أن يبقى مخدوعاً لتنطلي عليه تلافيق الإنسياق وراء الأكاذيب والوعود الخلّبية المتكررة...!؟، ومن غير المقبول أن يبقى مستمراً في إتباع الأساليب الإستجدائة التي أثبتت التجربة عدم نفعها لا بل عقمها...!؟، خاصة بعد أن طفح كيل الإحتقان وبلغ سيل الكذب الذبى كما يُقال...!؟،وبعد أنّ بتنا نعيش في زمن إنبعاث ثقافة الحراك من أجل الحرية ورفض الظلم والإستبداد بلا أي تردّد أو خوف من أحد...!؟،وبلا أي فهم أو تفسير خاطئ لمقصدي...!؟،فأنا لا أدعو إلى توتير الأجواء بل أنشد إلى رفع سوية الأداء العملي والخطاب السياسي الكوردي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عضو اللجنة السياسية لحزب الوحدة الديموقراطي الكوردي في سوريا ـ يكيتي ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا تحطم الرقم القياسي في عدد المهاجرين غير النظاميين م


.. #أخبار_الصباح | مبادرة لتوزيع الخبز مجانا على النازحين في رف




.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال


.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي




.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون: