الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصالحة الوطنية 00 والاستفادة من تجارب الشعوب

زيد كامل الكوار

2015 / 6 / 16
المجتمع المدني


لم تكن أعجوبة الزمن ولا بدعة التأريخ ما حدث ويحدث في العراق من أحداث مؤسفة يندى لها جبين الإنسانية ، فالخلافات الداخلية الأهلية أمر وارد بل هو مجبول في طبع البشر ، فما من أسرة في أي مجتمع من المجتمعات ، إلا وتحدث فيها المشاكل الداخلية ، فالنزاعات والصراعات الدموية ، تحدث في بعض الأحيان بين الأخوة في البيت الواحد ، لكن العبرة الثمينة التي يجب أن نعتبر بها ونتخذها مثالا ومقصدا ، أن كل الخلافات بين الأخوة تبقى أصغر من علاقة الأخوة والدم . ولنا في حروب أهلية حدثت في التأريخ البعيد والقريب على حد سواء ، مثلا وأسوة ، فالذي حصل في الحرب الأهلية الشهيرة في الولايات المتحدة الأمريكية ، إبان القرن السابع عشر والثامن عشر ، عبرة حسنة فهي حرب ضروس امتدت لعشرات السنين ، راحت ضحيتها آلاف الأبرياء ضحايا العنف الأرعن الأهوج ، علما أن المجتمع الأمريكي دونا عن كل مجتمعات العالم ، يتميز بأكبر تنوع عرقي وقومي وأثني .
فالقوميات كلها تتجمع في أمريكا كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات ، تجمعها جنسية واحدة تربط الجميع برباط المواطنة المقدس عندهم بالتأكيد ، ولم تكن هذه القيم العالية موجودة عندهم أثناء الحرب الأهلية بكل تأكيد ، فالاقتتال كان دائرا بينهم في حرب لا هوادة فيها . وبعد أن انتهت الحرب وخسر الجميع إخوانا وأبناء وأصدقاء وأقارب ، وأموالا لا حصر لها ، أيقن الجميع أن الحرب كانت خيارا سخيفا وساذجا بل همجيا لا حضارة فيه ، واكتشفوا أن الوطن يتسع للجميع وفيه من سعة الرزق ما يكفيهم إذا تآلفوا وتحابوا وتفاهموا في ما بينهم ، فكانت المصالحة وأول ما كان من خطواتها إصدار قانون تحريم العبودية ، واعتبار العبيد الذين كانوا من أصول أفريقية ، مواطنين أمريكيين لهم مثل الذي لغيرهم من الحقوق وعليهم من الواجبات ما على الآخرين ، وتمت تصفية جميع الخلافات واقتسام أرض البلد وخيراتها بما يضمن العدالة في توزيع الثروات . فإذا بأمريكا بعد قليل من السنوات تنمو وتزدهر وتتطور حتى أصبحت قبلة كل ذي طموح مادي كان أو معنوي ، وارتقت سلم التطور والازدهار حتى نافست أوربا في تلك الحقبة عل مستعمراتها واستثماراتها في العالم القديم والجديد على حد سواء ، وليست أمريكا وحدها من عاشت تلك التجربة المرة وغادرتها متعافية مستفيدة من دروس المرحلة ومتخذة أخطاءها وانتكاساتها دافعا للمصالحة وتجاوز الخلافات ، فها هي الهند التي حدثت في أرجائها الواسعة ، الكثير من المعارك والحروب الأهلية بين دياناتها المختلفة الكثيرة ، وارتكبت أبشع المجازر والمذابح ، ضد الأقليات الدينية ، لكنها وبعد أن أدركت خطأها وانجرافها في منزلق الانتحار والتردي ، تمكنت الهند من إيقاف نزيف الدم وتحقيق مصالحة حقيقية مبنية على إنصاف المتضررين وإرجاع الحقوق المسلوبة . وغير هذه وتلك ، هناك الحرب الأهلية التي حدثت في جنوب أفريقيا وهي لا تقل وحشية ولا قسوة عن مثيلاتها التي سبقتها في الذكر في ما قلنا ، لكن الإيجابي في كل ما سبق أن الأمثلة الثلاثة التي ذكرنا خرجت من تلك الحروب الطويلة القاسية كثيرة الخسائر خرجت منها ضعيفة واهنة لكنها سرعان ما استعادت عافيتها وانطلقت تسابق الريح باتجاه تعويض ما فاتها فكان لهاما أرادت فها هي ذي اليوم دول يشار لها بالبنان استقرارا وتطورا ووحدة . لأنهم استفادوا من أخطائهم ، وصححوا مسيرتهم وعلاقتهم في ما بينهم .
ألسنا ندعي أننا بلد التأريخ والحكمة والشعب الذي علم الإنسانية الحرف والفن والحضارة ؟ إذا نحن أولى منهم بتجاوز خلافاتنا وتسخير واستحضار حكمتنا وتراثنا العريض في حل مشاكلنا وهي كثيرة لكنها ليست عصية على من أراد الحل حقا وبنية صادقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة ترحب بالهدنة التكتيكية جنوبي غزة| #غرفة_الأخبا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن -هدنة تكتيكية- في جنوب قطاع غزة والأمم




.. بكين تفرض قواعد جديدة في -بحر الصين الجنوبي-.. واعتقال كل من


.. المتحدث باسم اليونيسيف يروي تفاصيل استهداف الاحتلال أطفال غز




.. مأساة إنسانية في غزة.. أكثر من 37 ألف قتيل ونصف مليون تُحاصر