الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(( أُسسُ الفكرِ السّياسِي عندَ المرجعيّةِ الدينيّةِ)) . السّيد علي السّيستاني أنموذجاً .

مرتضى عصام الشريفي

2015 / 6 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما دفعنِي إلى الكتابةِ في مثلِ هذا الموضوعِ ردودُ الأفعالِ التِّي تباينتْ بُعيدَ الانتخاباتِ بشأنِ تدخّلِ المرجعيّةِ في الشّأنِ السّياسِي، فكثيرٌ من السياسيينَ، والمحلّلينَ، الغربيينَ، والشرقيينَ حاولُوا تفسيرَ موقفِ المرجعيّةِ كلّاً بحسبِ ثقافتهِ، وانتمائهِ الفكرِي، فأصحابُ العَلمانيةِ لمْ يوافقُوا على تدخّلِ المؤسسةِ الدينيّةِ في الشّأنِ السّياسِي، فهُمْ منْ دعاةِ (فصلُ الدّينِ عن السّياسةِ فصلاً تامّاً)، وهذهِ الفكرةُ عبّرَ عنْها الفيلسوفُ نيتشه بــ ( موتُ اللهِ في أروبا)، فهُمْ يسعون إلى الدّولةِ المدنيّة، وأصحابُ الفكرِ الشّيوعِي يرونَ فيه إقصاءً واضحاً لمبادِئهم في إدارةِ الدّولةِ؛ لأنَّ الفكرَ الإسلامِي قدْ نقضَ الكثيرَ منْ مبادئهِ، وبيَّنَ سطحيّتَها، وقصرَ النظرِ في تطبيقِها، والإسلاميونَ بمختلفِ مذاهبِهم تظاهرُوا بقبولِهم، وترحيبِهم لهذا الموقفِ من المرجعيّةِ العُليا؛ لكن في حقيقةِ الأمرِ لمْ يختلفْ موقفُهم المضمرُ عنْ مواقفِ العلمانيينَ، والشّيوعيينَ، وغيرِهم .
فأحزابُنا الإسلاميةُ ليسَ لها فكرٌ واضحٌ، أو مبادئُ ثابتةٌ ممّا أدى ذلكَ إلى فقدانِها هويّتها الإسلامية، فهي في حقيقتِها أقربُ إلى الأحزابِ المدنيّةِ، وأنتَ تجدُ ذلكَ واضحاً جليّاً في مواقفِها، وأفكارِها المتباينةِ تبعاً لمصالحِها، ومكاسبِها، فقديماً كانَ بعضُها يؤمنُ بالفدراليةِ، والأقلمةِ كحلٍّ للأزمةِ الإداريةِ بينَ المحافظاتِ، والمركزِ بغضِّ النظرِ عن الأُسسِ التِّي تقومُ عليها؛ لكن بمرورِ الأيامِ تبدّلَ موقفُها منْ هذهِ الفدراليةِ، وأصبحتْ اليومَ تنادِي بوحدةِ العراقِ؛ لأنّها ربّما عرفتْ الأُسسَ الطّائفيةَ التِّي سوفَ تقومُ عليها ممّا يؤدِّي إلى مستقبلٍ مجهولٍ لهذهِ الأقاليمِ، وبعضُها كانَ يرى أنّ الحلَّ يكمنُ في الأغلبيةِ السّياسيةِ كحلٍّ لبناءِ الدّولةِ ، وتمريرِ القوانين المهمّةِ على الرغمِ منْ اختلافِ وجهاتِ النظرِ فيها، وأصبحتْ اليومَ تنادِي بالشّراكةِ في إدارةِ الدّولةِ .
هذا التنقّلُ بينَ الأفكارِ في إدارةِ الدّولةِ يجعلُكَ تقتنعُ بأنَّ الأحزابَ الإسلاميةَ لا تمتلكُ هويّةً ثابتةً، وإنَّ اتصافَها بصفةِ الإسلاميةِ لا تعبّرُ عنْ منْحَى فكرِيَ "إبستمولوجي" ، بلْ لا يعدُو كونهُ وصفاً تعريفياً لها .
ولو أردْنا معرفةَ الفكرِ السّياسِي عندَ المرجعيّةِ العُليا في ظلِّ هذا التّحولِ في أفكارِ الأحزابِ الإسلاميةِ؛ نجدُ أنَّ مواقفَ المرجعيّةِ الثّابتةَ ثبوتَ الجبالِ الرواسِي قدْ تلتقِي معَ بعضِ هذهِ الأفكارِ عندَ هذهِ الأحزابِ لكن قابليتَها على التّغيّرِ معدومة؛ لأنَّها تصدرُ عنْ فكرٍ يراعِي المصلحةَ العامّةَ للبلادِ بعيداً عن المصلحةِ الحزبيّةِ الفئويّةِ .
والأُسسُ التِّي يقومُ عليها الفكرُ السّياسِي عندَ المرجعيّةِ الرشيدةِ المتمثلةِ بسماحةِ السّيد السّيستاني هي .
1ــ الإيمانُ بالعمليّةِ السّياسيّةِ، وبالانتخاباتِ في ظلِّ الديمقراطيةِ، وهناكَ الكثيرُ من المواقفِ التِّي برهنتْ على ذلكَ، وقدْ حاولتْ المرجعيّةُ إثباتَ ذلكَ للعالمِ بأنَّ الشّيعةَ يمتلكونَ فكراً سياسياً، وممّا يدلُّ على ذلكَ الرسالةُ التِّي بعثَها السّيدُ للرئيسِ حسني مبارك في عام 2005، عنْ طريقِ السّفارةِ المصريّةِ في العراقِ أرادَ السّيدُ أنْ يبيّنَ فيها للرئيسِ المصريّ توضيحاً تفصيليّاً لتوجّهاتِ السّيدِ، ومواقفهِ، وحدثَ ذلكَ أثر اتهامِ حسني مبارك الشّيعة في العراقِ بالتبعيّةِ لإيران .
2ــ الوحدةُ الوطنيّةُ هي الضمانةُ للعراقِ في الخروجِ منْ أزماتهِ .
3ــ سيادةُ العراقِ يجبُ أنْ تكونَ محترمةً منْ قبل الدُّوَلِ المتعاونةِ معَهُ، واستقلاليةُ قراراتِ الحكومةِ يجبُ أنْ تكونَ بيدِ أبنائهِ .
4ـ الوقوفُ على مسافةٍ واحدةٍ من كلِّ الكتلِ السّياسيةِ، وقدْ فسّرت المرجعيةُ كلامَها هذا بأنّه لا يعنِي هذا الكلامُ وقوفَها من الصالحِ، والطالحِ على حدٍّ سواء، فالطالحُ كما يقولُ أهلُ الأصولِ : خارج تخصّصاً؛ لذلك لمْ يذكرْ .
وهذهِ حقيقةٌ سياسيةٌ أفصحتْ عنها المرجعيةُ كثيراً، في كلِّ انتخاباتٍ جديدةٍ؛ لأنّها ترى، وتسمعُ خلافَ ما تقولُه للناسِ .
وأتذكّرُ جيّداً كلامَ الدكتورِ غسّان سلامة بهذا الخصوصِ في إحدى لقاءاتهِ على قناة BBC، عندما أعربَ عن انبهارهِ بالفكرِ السّياسي عندَ السّيد السّيستانِي (حفظَهُ اللهُ)، عندَما التقاهُ بعدَ سقوطِ الملعونِ بخصوصِ تشكيلِ مجلسِ الحكمِ، وسجالاتِ كتابةِ الدستورِ، وشرعيتهِ، إذْ قالَ : لا صحةَ لما يقالُ منْ أنّ المرجعيةَ تقدّمُ طرفاً على آخرَ، فهي أكبرُ منْ هذا الكلامِ .
وقدْ أفصحَ عنْ فكرِها الواعِي خطابُها المنهجِي العام، فقدْ أثبتتْ المرجعيّةُ بخطابِها على أنَّها راعيةٌ للجميعِ، وضامنةٌ لحقوقِ، ومصالحِ الجميعِ، وبلغتْ دقّتُها في التّعبيرِ درجةً عاليةً، فهُو قد شملَ الجميعَ، بحيثُ فضحَ منْ أرادَ أنْ ينئ بنفسهِ عنهُ، واجتهدَ أنْ يصوّرَ للناسِ إنّهُ غيرُ مقصودٍ، وكذلك منْ أرادَ أنْ يستغلَهُ لمصلحتهِ، ويبيّنَ للناسِ أنّه قريبٌ منها كلاهما بانَ كذبُهما .
فعلى الأحزابِ دراسةُ فكرِ المرجعيّةِ كي يستفيدُوا منْهُ، وأنْ يجعلُوه منهجاً في بناءِ العراقِ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah