الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الله بن سبأ والطابور الخامس

ياسر يونس
(Yasser Younes)

2015 / 6 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عبد الله ابن سبأ والطابور الخامس

يختلف المؤرخون القدامى في شخصية عبد الله بن سبأ، فمنهم من يؤمن بأنها شخصية حقيقية ظهرت في خلافة عثمان بن عفان أو فأثارت الفتن والاضرابات. ويذهبون أبعد من ذلك فينسبون إليه تأسيس التشيع لعلي بن أبي طالب وأنه أول من قال إن لكل نبي وصياً ووصي هذه الأمة هو علي بن أب طالب.

وعلى سبيل المثال لا حصر لما رووا أنه تسبب فيه من فتن وقلاقل أنه هو من أشعل الفتنة في البصرة والكوفة وهو من تسبب في الخروج على الخليفة عثمان بن عفان وهو من حال دون تصالح الفريقين في موقعة الجمل، أي علي من ناحية وطلحة بين عبيد الله والزبير بن العوام وعائشة من ناحية اخرى. ونقرأ أخبار أنصاره في مصر والكوفة والبصرة والحجاز وغيرها. ولمن اراد أن يقرأ هذه الأخبار مفصلة يمكن أن يطلع عليها في تاريخ الطبري فهو أهم المصادر الي تحدثت عن بن سبأ هذا.

ومن الجدير بالتأمل أن المؤرخين القدامى ذكرو أنه يهودي اعتنق الإسلام ليكيد له من الداخل، أي أنهم كانوا يعتقدون في الطابور الخامس حسب المصطلح الشائع حالياً في الإعلام العربي والمأخوذ عن فترة النازي. ولعل ذلك كان لجعل الناس يكرهونه فالعنصرية العربية تنفر من كل مختلف ومن اليهود خصوصاً لأسباب لا مجال لتعديدها هنا. وإمعاناً في هذا التبغيض في هذه الشخصية ذكروا أنه أسود وأمه حبشية وكانوا ينادونه بابن السوداء، وواضح جداً المغزى العنصري هنا.

وقد أيقن الأستاذ طه حسين بنظرته الثاقبة وتفكيره النقدي كعادته أن بن سبأ شخصية وهمية مختلقة، على خلاف الأستاذ علي الوردي الذي ربط بنه وبين عمار بن ياسر وظن أنه هو نفسه عمار بن ياسر ولكن رُمز له بعبد الله بن سبأ، وخصوصا مع اختفاء اخباره بموت عمار بين ياسر. وهناك دراسات عديدة تحاول إثبات وجوده ودراسات أخرى تحاول نفي وجوده من الأساس.

عجيب أمر ابن سبأ هذا فهو يهودي أسود (وهما أمران تنفر منهما العنصرية العربية) له انصار في كل مكان ولا تعوزه الحيلة في جعل أولي الأمر هؤلاء يتقاتلون بأبشع الطرق وأكثرها بدائية، والأعجب أنه غير طامع في منصب ولا مال، وإنما يريد فقط إثارة الفتن وبلبلة أفكار الناس وجعل المسلمين يتقاتلون كي يهدم الإسلام !!!!!!!

وفي كل صراع نشب بين الصحابة آنذاك نجد المؤرخين يحملونه التبعة، فهو من أشار ووجه ووسوس وخطط ودبر، إذاً فالصحابة لا ذنب لهم فهم فقط يستمعون إلى بن سبأ فيتقاتلون بل ويمثلون بالجثث أحياناً ويمارسون أبشع الأفعال التي ما زالت محفوظة بين دفات الكتب التي سطرها قدامى المؤرخين لتبقى شاهداً على ما حدث إبان تلك العصور التي يقدمها لنا سدنة الدين وكهانه اليوم على أنها العصور الذهبية في تاريخ المسلمين بل تاريخ البشرية جمعاء. وفي هذا سذاجة لا حد لها ولكنه العمى الحيسي وخلط الحقائق والجهل والجهالة والنفاق والكذب وغياب العقل على أية حال. ولكن أمام كل تلك الجرائم التي ارتكبها السلف الصالح يكفي هؤلاء السدنة والكهان أن يقولوا إنه ابن سبأ الذي وسوس لهم فما حيلتهم، ويصكون لهم أحكام البراءة التاريخية.

إن الإسلاميين اليوم تلوك ألسنتهم أعراض أي شخص لا ينضوي تحت لوائهم ويتهمونه بأقذع التهم دون بينة ولمجرد أنه مختلف ويخلطون العام بالشخصي والشخصي بالعام ليغتالوا أية شخصية تختلف معهم أو تكشف ألاعيبهم أو تجرؤ على البوح بما يعرفه الكثيرون ولا يجرؤون على أن يبوحوا به، وعموما فإن العلمانيين يكافحون ضد هؤلاء بالكلمة لا السيف. غنهم يعتبرون جميع المختلفين معهم والعلمانيين والليبراليين طابوراً خامساً/ عبد الله بن سبأ يحارب الإسلام ويتحالف مع الكفار. وربما في هذا إيعاز ذو دلالة تاريخية تبريرا لقتلهم كعادتهم.

أما العلمانيون فكثير منهم يرون في الإسلاميين طابوراً خامساً/ عبد الله بن سبأ هدفه وقف مسيرة التحديث والتنوير في بلاده. وهم بهذا يغفلون عن أن جذور التخلف والتشدد هي ما تأسس عليه وجود هذه الجماعات المتطرفة والأفكار المتشددة وهذا هو لب المشكلة، فهم يركزون على العرض وينسون المرض، بل بعضهم تصيبه عدواه بشكل أو بآخر، مثلما كان بعض الناصريين واليسارين يدافعون عن الإسلاميين في مصر في عهد مبارك. مع أن الأمر أبسط كثيراً من ذلك فأتباع هذه الجماعات مجرد مجرمين من الدرجة العاشرة ولكنهم بنوا إجرامهم على أسس دينية وثيقة الصلة بالتاريخ. فلا بد من غربلة للتاريخ المدون واعتراف بما فيه من كذب ونفاق وجرائم كي لا نربي أجيالاً قادمة من المجرمين أمثالهم تخرج علينا في أقرب فرصة لتنقض على كيانات الدول ثم تتناحر فيما بينها فتقضي على البقية الباقية منها.


وأياً كان الأمر سواء أوُجد ابن سبأ أم لم يوجد، فالمعنى واحد. ويستطيع الباحث أن يسوق من الحجج ما يثبت وجود هذه الشخصية كما يستطيع أن يسوق من الحج ما ينفي وجودها، كما هو الشأن في كثير مما ورد في كتب التاريخ العربي المليئة بالمتناقضات، ولكن ليس هذا هو المهم، فالمهم هو دلالة هذه الشخصية ونسبة كل هذه الشيطنة إليها، فمن يقرأ أخبار بن سبأ يجزم بأن إبليس في حاجة إلى أن يتدرب على يديه.

وأنا أصر دائماً على أن التاريخ العربي، وتاريخ البشر عموماً، لم يكتبه إلا المنتصرون حسب رؤيتهم ومصالحهم، ولكن التاريخ العربي لم يخضع بعد لعملية نقد علمي واسعة النطاق دون قيود ولا مواءمات، فالحكم على الشخصيات التاريخية يكون بأفعالها في الأساس وليس باختلاق شخصية إبليسية هلامية تتحمل هي المسؤولية عنها كي تبقى نموذجاً طاهراً على مر العصور لتستخدم في غسل الأدمغة وتجنيد الناس في جماعات التشدد والعنف ، ففي هذا احتقار للعقل واحتقار للتاريخ واحتقار للإنسان. وواضح أن نظرية المؤامرة عريقة الوجود في العقلية العربية التي تعتمد على الإنكار لتتخلص من التبعات ومن تعذيب الضمير إذا كان هذا الضمير لا يزال حياً.


إن بن سبأ/الطابور الخامس مرآة نعكس عليها عوراتنا كي لا نشعر بها في أعماقنا أو كي نظن أننا لا نشعر بها. إن بن سبأ/ الطابور الخامس حيلة دفاعية نتخلص بها من الشعور بالذنب تجاه ما نقترفه من أفعال رديئة يمكن أن يضيع معها الوطن إلى غير رجعة. إن بن سبأ/ الطابور الخامس ما هو إلا وسيلة لشيطنة بعض الناس وتبرئة البعض الآخر من كل جريرة دون أدنى اعتبار لعقل أو منطق أو أخلاق.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا