الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام الجمهوري : تعليق على محاورة (انفري –زيمور)

هادي اركون

2015 / 6 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الإسلام الجمهوري :
تعليق على محاورة (انفري –زيمور)

هادي اركون


نظمت مجلة "لوبوان" الفرنسية ،لقاء حواريا بين الفيلسوف الفرنسي ميشيل انفري والمحلل السياسي اريك زيمور ، بمدينة نيس .
تناول الحوار مواضيع هامة ، خاصة بالشأن الفرنسي والأوروبي عموما.وكما كان متوقعا كان الاختلاف بين المثقفين ظاهرا ، في التشخيص والتعليل والتقييم والبدائل المقترحة.
وقد فرضت ردود الفعل الناجمة عن نشر مجلة (لو بوان )لملف عن العرب والتراجيديا الحالية ،البداية بقضايا العرب وعلاقة الإسلام بالجمهورية.1
وهكذا صار التناظر حول الإسلام وقضاياه ،إحدى الانشغالات الرئيسية لقطاعات واسعة من المثقفين والسياسيين الفرنسيين(ادوي بلنيل و ايمانويل تود وساركوزي ...الخ).
نقد الإسلام الجمهوري :
طالب ميشيل انفري بإسلام جمهوري فيما اعتبر زيمور التسمية متناقضة في الأصل،بالنظر إلى أن الجمهورية تجسيد تاريخي لإرادة وسلطة الشعب فيما الإسلام انقياد لإرادة علوية .
فالإسلام الجمهوري ممكن في اعتقاد انفري ،بالنظر إلى امكانية الاقتطاع واستبعاد النصوص غير الملائمة للعصر .
(يمكن لفرنسا ،إن أرادت ،أن تعمل على تحقيق إسلام جمهوري ،وذلك بتقطيع واستبعاد هذه السورة القرآنية أو تلك ،بمساعدة هيئة إسلامية ذات صفة ومعترف بها من قبل الدولة).2-
و بما أن زيمور ينفي جدوى التأويل في هذا السياق ،بالإحالة إلى النصوص المشتركة بين التيارات الإسلامية المختلفة ، وكذلك إلى قاعدة الناسخ والمنسوخ،فإنه يختلف مع بديل انفري.
فبناء على قاعدة الناسخ والمنسوخ ،تصير نصوص القتال ،متحكمة في نصوص التسامح.وبمقتضى هذه القاعدة ،يصعب العودة إلى النصوص المحفزة على التعايش والتفاعل مع الآخرين .
فالإسلام الجمهوري المفترض ،لن يقوم لا على أرضية التأويل و لا على انتخاب النصوص الملائمة للسياق الجمهوري ، بل بفرض القواعد الجمهورية ، أسوة بما فعل بونابارت باليهودية في بداية القرن التاسع عشر .
ويبدو أن ميشيل انفري ،مهتم بالنتائج الاجتماعية للاعتقاد ،لا بأسسه الفكرية والمعيارية.إن أساس قبول النصوص ،متمثل في رفض العنف ؛والحال أن تحجيم العنف ، لا يرتبط بالإجراءات الإدارية أو بفرز النصوص والتجارب ،بل بإعادة النظر في البناء الفكري والتاريخي للنصوص والتجارب المؤسسة .وقد قدم أنفري مساهمات في هذا السياق ( رسالة في علم الإلحاد )،إلا أنه لا يستحضر هذه الانشغالات في المحاورات.كما ينسى السياق الإسلامي ،وروابط الإسلام الفرنسي ،بالمؤسسات التقليدية ،ببلدان المنشأ ،وهي مؤسسات ارثوذوكسية لا يمكن أن تجيز أي تأويل يخرج عن تقاليدها التفسيرية والتأويلية .وتكفي ردود الأزهر الصارمة حول نقد البخاري(إسلام البحيري ) ،للتدليل على استحالة مطلب انفري في السياق الإسلامي الراهن.
إن إخضاع الإسلام للجمهورية ،مطلب غير يسير ،اعتبارا لاختلاف السياق التاريخي .فقد اضطرت المسيحية إلى قبول التعلمن ، بعد استشكالها معرفيا وأخلاقيا وتقديم بدائل فكرية لنسقها المعرفي والأخلاقي منذ عصر النهضة ؛واضطرت اليهودية لقبول الإكراهات الجمهورية ،في سياق ثوري ،وفي ظل قيادة سياسية كارزمية.
يحصر زيمور وانفري ،إشكاليات الإسلام في العنف ؛علما أن العنف المادي ،ليس إلا التجسيد العملي للعنف النظري.كان من الممكن ،مقاربة الشأن الإسلامي ، من منظور معرفي وأخلاقي أوسع.ثمة أسئلة كان من المكن طرحها ،لتغيير المنظور واقتراح معالجة أخرى ،أكثر تفهما لمطالب الذات ولمحفزات الآخر .
هل يستجيب الإسلام لمستلزمات الحداثة المعرفية والأخلاقية ؟
هل تملك الحقيقة الإسلامية شرعية الوجود في حاضر شهد قطائع كبرى على مستوى النظر والعمل والتجارب التاريخية ؟
هل يملك التأويل سلطة تعويم الحقائق ،وخلط الأنساب المعرفية ،وتشويش منجزات الحداثة ؟
تعيش فرنسا راهنا ، ضمورا في إرادتها الحضارية ، و ارتباكا في بناء الرهانات وتراجعا في بناء المعرفة بالآخر بعد انقضاء عصر المستعربين الكبار ( جاك بيرك وكلود كاهين و ماكسيم رودنسون وروجيه ارنالديز ...... الخ).إن العلمنة كما هو معروف نتاج للعقلنة ،وبما أن المعرفة الإسلامية لم تخضع للعقلنة والتفكيك إلا عرضا ،فإن علمنة الإسلام غير ممكنة حتى في الغرب.بل هي أصعب في الغرب بالذات ،بالنظر إلى ألجذور الثقافية والاجتماعية للمهاجرين ،والى التسهيلات المقدمة من قبل حكومات اليسار واليمين لأطر الإسلام السياسي وإلى ميل الأقليات إلى الاحتماء بهويات وجذور ثقافية متوهمة غاليا.
وقد عرج الحوار على التمييز بيت العرب والمسلمين وضرورة تجنب الخلط.ويؤكد زيمور أن عبقرية الإسلام ، كامنة في تماهي المسلمين مع العرب.فمخيال المسلم غير العربي مسكون بالعروبة.
ويكفي قليل من التأمل في مكانة اللغة العربية في الطقوس الإسلامية ( ترتيل القرآن و الصلاة والحج)، للتأكد من هيمنة العروبة على متخيل المسلمين.
الموقف من ثورة 68 :
يثمن ميشيل انفري ،عاليا ، القدرة الهدمية لثورة ماي 68،إلا أنه يتأسف على عدم قدرتها على تقديم بدائل عقلانية .أما اريك زيمور ،فيعتبر ثورة ماي 68،امتدادا للاحتجاجات والتمردات الواقعة بالولايات المتحدة الأمريكية في الستينيات.وقد أخطأ المفكرون الفرنسيون ،في اعتقاده حين تناولوا تلك الثورة اعتمادا على مفاهيم وأطر تصورية ماركسية ، والحال أنها تمردية فردانية مناهضة في العمق للماركسية .
ففيما يثمن انفري انجازاتها الاجتماعية والثقافية ، ومساهمتها الفاعلة في تفكيك المؤسسة البطريركية وبنيات الاستبداد الاجتماعية ،فإن زيمور يعتبر تلك التفكيكات مجرد ممهدات لتحطيم التضامنات الاجتماعية والجماعية وفتح كل المجالات أمام الرأسمالية المتوحشة .
فتحطيم البنيات التضامنية القديمة ومنظومة القيم التقليدية ( العمل والأسرة والارتباط بالكنيسة ... الخ) ،ليس في اعتبار زيمور إلا مقدمات ،لتحويل الفرد إلى كائن معزول ومنذور للاستهلاك.
ولا يلتفت زيمور إلى دور تلك الثورة في أسلمة فرنسا ،من خلال إقرار حرية الاختلاف والدفاع عن الغيرية المتوحشة والتسامح مع طقوس ومظاهر واحتفالات تجاوزتها أوروبا الحديثة .
موت الحضارة اليهودية –المسيحية :
يقر ميشيل انفري باحتضار الحضارة اليهودية –المسيحية ،تبعا لسنن التاريخ .أما اريك زيمور ،فينفي ذلك ،ليؤكد أن الاحتضار الجاري الآن هو احتضار الحضارة الغربية ،القائمة منذ القرن السابع عشر.
فلئن تمكنت هذه الحضارة في اعتقاده من تحرير الإنسان من حروب الأديان،فإنها لم تنقذه من الأزمة الدينية ومن العزلة الوجودية.
لقد اعتمدت الحضارة الغربية على الأعمدة الأربعة التالية :
-التقنية ،
-العلمانية ،
-العقلانية ،
-الفردانية .
وقد قضت ثورة 68 والتفكيكيات الرائجة في ركابها ، التضامنات الباقية ، فصار الفرد أعزل ،لا يجد إلا بنيات مفككة ويقينا مهزوزا وبيئة مهددة وآخر يطالب بالقيادة الكونية وبالتسيد على العالم .
إن بروز الجهاديات ،مقدمة لعودة الحروب الدينية في اعتقاده.
وقد وفر نقاد الحداثة ذلك ،بسبب عدم الاستجابة لمطالب الإنسان الغربي واستبعاد سؤال المعنى من المعالجات ،وتحجيم المعرفة بالآخر ،في سياق ربط كل معرفة بالسلطة وبالعنف(نقد الاستشراق ).
ثمة سؤال لا يطرحه زيمور : لماذا ترتبط الحاجة إلى التدين بالعنف ؟هل الحاجة إلى الاعتقاد متلازمة مع الحاجة إلى العنف ؟ أليس العنف الممارس ضد الآخر ، تعبيرا عن الخوف من الشك في الذات الملازم لحضور الغير ؟
ومن الواضح أن الباحثين لم يربطا الحضور الإسلامي ،بنتائج ثورة ماي والخطابات التفكيكية والاختلافية.فقد أسهمت هذه الحساسيات الفكرية ، في تفكك قواعد الحداثة الكلاسيكية ،دون أن تجرؤ على نسف قواعد الفكريات والحساسيات الشرقية،وتضامنت مع الآخر ، لا من موقع الادراك لفلسفة التاريخ وتواريخ الصراعات بين الثقافات والحضارات ، بل من منطلق التماهي مع الضحية المرفوعة إلى درجة أقنوم.ففيما يبدي التفكيكيون ،إصرارا كبيرا على تفكيك بداهات الميتافيزيقا الغربية ،فإنهم يظهرون كثيرا من التفهم المتعاطف ،مع فكريات شرقية ، لا تخلو تجاربها التاريخية من التسلط والاستغلال والقهر الفكري(استيهام الأندلس مثلا).
كانت المحاورة غنية ،بالإشارات الفكرية والتوضحيات والمراجعات .وهي تكشف على قدرة بعض المثقفين الفرنسيين ،على استشكال منجزات فكر ما بعد الحداثة والليبرالية ،وعلى استشراف مستقبل لا يبعث كثيرا على الأمل ،خاصة وأن نذر التقاتل حول امتلاك المعنى وفرض مقتضياته تلوح في الأفق التاريخي.

الإحالات :
1-https://www.youtube.com/watch?v=VhvpN9TYCEY
2-(Quand Onfray rencontre Zemmour –le Point N :2231- jeudi 11juin 2015,page 92)


هادي اركون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل


.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي




.. - الطلاب يحاصرونني ويهددونني-..أميركية من أصول يهودية تتصل ب