الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توحش امتحانات البكالوريا في المغرب

حسن طويل

2015 / 6 / 17
التربية والتعليم والبحث العلمي


توحش امتحانات البكالوريا بالمغرب
طويل حسن
المتخلف فنان في البرمجة السلبية للعقول وفي مسخ الأشياء. وهذا ما يلاحظ في تعامل سلطات التربية والتكوين في المغرب مع امتحانات البكالوريا ، حيث حولتها من محطة تربوية تعليمية الى ساحة جريمة محتملة يجب البحث عن مجرم مفترض فيها ، وفرضت جوا من الحرب في اطار اصطياد الغشاشين المفترضين . فأصبحت الامتحانات بصفتها عملية تربوية تعلمية في الاساس ، الى اداة للترهيب والتوحش . فبدل ان تكون التعبئة من اجل تجويد التقويم وتحويله من مقاربة تقليدية جزائية عقابية الى مقاربة تكوينية ، اختزل الخطاب التربوي السائد هذه الامتحانات الى ساحة حرب ، حيث يطغى عليه البعد الامني ولغة العقاب والزجر و الحرب الاستباقية ، وينطلق من كون المتعلمين خلايا نائمة من الغشاشين. وحول مراكز الامتحانات الى ساحات معركة لمطاردة الساحرات .
إن الامتحانات هي قبل كل شيء ، اداة من ادوات التقويم التربوي التعليمي التعلمي لقياس معرفي و بيداغوجي وشخصي وكفاياتي للتلميذ من خلال اسئلة ووضعيات مدروسة بشكل علمي و ملائمة لأهداف واضحة يكون اساسها قياس ابداع المتعلم و كيفية مواجهته للوضعيات والتكيف معها و قياس ادوات الانتاج المعرفي لديه وقدراته على الخلق و الإبداع . لقد "مسخت" المقاربة المعتمدة في المدرسة المغربية الإمتحانات إلى آلية من أليات العقاب والزجر مسكونة بوسواس الاصطياد والافتراس ، ومتبنية لمنطق الارجاع و الغثيان المعلوماتي عبر انهاك مجاني وسادي لطاقة التلميذ في محاولاته الوفاء لدروس صماء روتينة تفتقد لكل تجديد وتعاني البؤس في بث روح الحماس والحافزية . فاختزلت الامتحانات الى مجرد أدوات لقياس مدى درجة الوفاء الساكن للدروس الممنوحة ( سلعتنا رجعت الينا) ، بدل ان تكون وسيلة لقياس القدرات على الابداع و التكيف مع الوضعيات.
إن هذا التشويه الذي يمس التقويم في المغرب هو نتيجة لفقدان السياسة الرسمية لسلطات التربية والتكوين لتصور شامل و متكامل ومندمج لجميع ابعاد المنظومة التربوية يكون هدفه المساهمة في بناء الفرد-المواطن-المبادر ، ويكون التقويم آلية من الآليات المساهمة في تحقيق هذا الهدف عبر تبني مقاربة له تربوية تكوينية وبنائية لكفايات المتعلم المختلفة الشخصية و المعرفية في سياق الاهداف المنتظرة في كل مرحلة من مراحل حياته الدراسية . ان غياب هذه المقاربة يفرغ الامتحانات من محتواها و يحولها الى معا بد يقدم فيها التلميذ قربانا مباركا لأرقام صماء، وهو ما يجعل المتعلم يسعى بكل الوسائل الى الحصول على الدرجات ولو بالغش و التسول ( حالات المراقبة المستمرة في المغرب هي في اغلبيتها صدقة من الاساتذة لتلاميذ تهم). هذه القابلية للغش هي أيضا نتيجة لثقافة سائدة ، تقدس الواجهة و تحتقر المضمون ، فليس المشكل مدى القدرات و الكفايات المتوفرة بل المهم مدى القدرة على التمثيل في ابرازها وإظهارها .
ان التركيز في الخطاب الرسمي في فترة الامتحان على الغش هو نتيجة لمجتمع تسود فيه قيم الزيف و طغيان طقوس الاشكال ، هو في حد ذاته خطاب مغشوش لأنه لا يعطي قيمة حقيقية لكنه الامتحانات و يقتصر على مظاهرها ( لب الغش هو اعطاء قيمة لشيء غير قيمته الحقيقية ) . محاربة الغش ايضا ترتدي البذلة الامنية في اختزال مشوه و مغشوش لهذه الظاهرة المعقدة والمتعددة الابعاد: تربوية و معرفية و بيداغوجية .....وتتفادى الاسئلة جوهرية : ما هو مفهوم الامتحان عند منظومتنا ؟ ماهي اهدافه؟ ماذا نريد قياسه ؟ هل هناك منهجية وآليات علمية في وضعه؟
كما ان طريقة وضع الامتحان ضمن مقاربة علمية تكوينة تنتصر بطريقة آلية على هذا الهوس بالغش ، فظاهرة الغش باستعمال الوثائق مثلا ، يمكن القضاء عليها بكل سهولة عبر تغيير الامتحانات من اسئلة لقياس المعلومات ، الى اسئلة حول مواجهات وضعيات و كيفية انتاج الادوات المعرفية والمنهجية لمواجهتها .و بناء إختبارات تتحول من قياس الخزان المعلوماتي للتلميذ وفق منطق الارجاع ، إلى قياس كفايات منهجية و ميتا معرفية في مواجهة وضعيات جديدة با ستثمار هذه المعلومات .
ان الجو العام الذي يجب ان يسبق الامتحانات يجب ان يحمل بيئة مشجعة للبرمجة الايجابية للمتعلمين وانقاص التوترات والتخفيض من قلقهم في مواجهتها ، فالعاطفة والنفسانية تأثر على الفكر وتهزمه في اغلب الحالات . وهذا ما نفتقده في المغرب الذي اصبح فيه الخطاب عن الامتحانات مسكون بلغة الحرب و التهديد ويغلب عليه طابع التخويف و الرعب مما يشجع على انتاج برمجة سلبية للتلاميذ و زيادة توتراتهم وقلقهم ويحول الامتحانات الى استنزاف وإحتراق نفسي لهم.
في مجتمعات الهدر الانساني يصبح الغش علامة مسجلة و يدخل ضمن الكفايات المطلوبة في النجاح الاجتماعي . محاربة الغش هو صراع من أجل بناء مجتمع الاستحقاق في كل المستويات ، سياسيا وإقتصاديا و إجتماعيا و ثقافيا ، يبتدأ من مواجهة الذات و تناقضاتها والإقرار باختلالاتها و محاربة الفصام المغروس في اعماقها والذي يعتبر اساس كل غش .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا