الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- طائر الفينيق - أو ابن رشد راهنيا

تفروت لحسن

2015 / 6 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يقصد هذا القول استذكار بعض المجهودات الرشدية في مجال النظر الفلسفي ومدى راهنيتها في فهم عدد من القضايا المجتمعية المعاصرة. ولذا فاعتماد العنوان أعلاه يتطلب التبرير التالي :
- إسناد صفة " طائر الفينيق " لابن رشد، ليس دمجا تعسفيا، فهو يتأسس على علاقة المشابهة، هذه العلاقة التي يمكن أن تصل إلى حد التطابق بين المستعار منه ( الطائر ) والمستعار له ( الفيلسوف ابن رشد ). فإذا علمنا أن " طائر الفينيق " هو طائر أسطوري يعني الانبعاث، أي" المنبعث من الرماد حياً "، أو" المنبعث دائماً بإشراقة الحياة أمام محاولات إفنائه "، وكان ابن رشد هو نموذج الفيلسوف الذي انبعث في فترات متفاوتة، رغم محاولات محوه وحتى حرق كتبه، جاز لنا إذن نعث هذا الفيلسوف الأسطورة، ب" طائر الفينيق ".
- المعلوم أن الفكر الرشدي انبعث في الغرب الأوروبي بعد محرقة الأندلس، ثم بعث من جديد في عصر النهضة العربية – مناظرة فرح أنطون ومحمد عبده -، وبعث من جديد في الفترة المعاصرة – الجابري، العروي، حنفي، أركون، المصباحي... وكل هذا دليل أقوى على راهنيته.
- هذا الوصف يمكن من إعادة إحياء الرشدية. فالنظر الرشدي له راهنيته، فهو يفيد في فهم الكثير من القضايا التي تتكرر في فترات متباينة من التاريخ العربي - الإسلامي. فابن رشد مازال مفيدا في إماطة اللثام عن ما استشكل في مجتمعنا المعاصر. ولذا، فالمنتظر من " طائر الفينيق " أن ينبعث من جديد. فنحن في أمس الحاجة له ولأفكاره.
وإذا صح هذا التبرير، جاز لنا أن نعيد تشكيل بعض الأفكار الرشدية في فهم حاضرنا العربي الإسلامي. ولما كان المجتمع اليوم يعاني في بنيتة من نفس ما عاصره ابن رشد مع اختلاف في الشكل، فالممكن أن نشير إلى بعض وجوه راهنية الرشدية من خلال الملامح التالية :
- الدعوة إلى فعل التفلسف، وعدم محاربة الفلسفة ولا تحريمها لأي سبب، وكيفما كانت المبررات. فهو القائل : " إن مثل من منع النظر في كتب الحكمة من هو أهل لها، من اجل أن قوماً من أراذل الناس قد يظن بهم أنهم ضلوا من قبل نظرهم فيها، مثل من منع العطشان شرب الماء البارد العذب حتى مات من العطش، لأن قوماً شرقوا به فماتوا. فإن الموت عن الماء بالشرق أمر عارض، وعن العطش أمر ذاتي وضروري ". ولا يخفى أن المجتمع الحالي ملزم بأخذ هذه العبرة، واعتمادها في نشر الفلسفة وتعميم تعليمها. فتعليم الفلسفة اليوم هو الطريق للتنوير وللفكر النقدي لدى الفرد والجماعة.
- الدفاع عن تآخى الحكمة والشريعة, فضد الذين يعتمدون الجمود في زماننا ويعتبرون أن كل ما هو عقلي مضاد للشرع، يصرح " طائر الفينيق " أن الحكمة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة، كما أن الحق لا يضاد الحق، بل يوافقه ويشهد له. هذا مطلب ملح مادام المجتمع يعاني من الظلاميين والظالمين للفلسفة. فخلافا لكل جاحد لفعل التفلسف، لابد من القول ان من تمنطق تحدق، وليس كما يقول الأعداء " من تمنطق تزندق ".
- ضد كل أشكال الوثوقية والآراء الفارغة والجحود الدوغمائي التي تميز مجتمع اليوم وتهيمين عليه ، يدعو ابن رشد إلى الاعتبار والتفكر واستخدام العقل. وهذا هو مضمون كلامه : " وإذا تقرر أن الشرع قد أوجب النظر بالعقل في الموجودات اعتبارها، وكأن الاعتبار ليس شيئاً اكثر من استنباط المجهول من المعلوم، واستخراجه منه، وهذا هو القياس أو بالقياس. فواجب أن نجعل نظرنا في الموجودات بالقياس العقلي". وهذا معناه : لا يجوز تعطيل العقل في مجال العقيدة وغيرها؛ لأن العقل أساس التكليف ومناط الأهلية، إلا أنه لا يجوز أن يتجاوز العقل حدوده ويتجاهل وظيفته ويجمع في مجال الخيال الفاسد والأوهام الكاذبة، والخيالُ والأوهامُ لا يصلحان أساساً للعقيدة والمعرفة الصحيحة حتماً.
- مادامت السمة الغالبة على الفكر الاسلامي اليوم هي منطق الجواز أو الإمكان العقلي، كما كان يدعو اليه ابو حامد الغزالي الذي ينكر السببية والاقتران الضروري، تتجلى النزعة العقلية عند ابن رشد أكثر ما تتجلى في مجال السببية، في أن قانون العلاقات السببية الشامل هو الأساس العقلي الذي بنى عليه تصوره لوجود نظام محكم من العلاقات الضرورية بين الأسباب والمسببات في الطبيعة، حيث لا مكان فيها للاتفاق العرضي أو الجواز و الإمكان، ولا حتى للخوارق والمعجزات.
وقد بلغ به الأمر إلى الحد الذي ساوى فيه بين العقل وبين المعرفة بالسبب؛ حيث أكد أن العقل ليس شيئًا أكثر من إدراك الموجودات بأسبابها، والذي به يفترق عن سائر القوى المدركة الأخرى.
وبناء عليه فإن من رفع الأسباب فقد رفع العقل. بل سّفه ابن رشد كل من ينكر هذه العلاقة الضرورية بين الأسباب والمسببات، واعتبره أما جاحدًا بلسانه لما في جنانه، وإما منقادًا لشبهة سفسطائية عرضت له في ذلك. و يلخص ابن رشد موقفه : "ولما كان ترتيب الأسباب ونظامها هو الذي يقتضي وجود الشيء في وقت ما، في ذلك الوقت، وجب أن يكون العلم بأسباب شيء ما هو العلم بوجود ذلك الشيء أو عدمه في وقت ما, والعلم بالأسباب على الإطلاق هو العلم بما يوجد منها، أو ما يعدم في وقت من أوقات جميع الزمان".
كل هذه الأمور تجعل أفكار ابن رشد راهنية وتمنحه صفة " طائر الفينيق ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران